أنت هنا

العدالة الأجيرة!!
15 ربيع الأول 1430

على طريقة أفلام رعاة البقر الأمريكية الشهيرة: عمر البشير مطلوب حياً أم ميتاً، أصدر المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية أمره باعتقال الرئيس السوداني لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور السوداني!!

 

فهؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم قضاة وخصوماً في الوقت ذاته، أقاموا ميزان العدالة في أنحاء الأرض الأربعة، ولم يبقَ أمامهم سوى اضطرابات دارفور، واقتياد رئيس السودان ليكملوا فردوسهم المزعوم!!

 

فهم قد ساقوا أولمرت وباراك وبيريس لكي يلقوا جزاءهم العادل على مجازرهم الوحشية التي بدأت منذ ستين عاماً ولم تتوقف بعد.وسجنوا جلادي ميانمار المستهترين بجميع الأعراف والقوانين السابقة والحالية، المحلية والعالمية، السماوية والوضعية.وكذلك أودعوا حكومة الهند في غياهب السجون عقاباً لهم على همجيتهم الناطقة منذ ستة عقود في كشمير المحتلة والممنوعة من تنفيذ قرار الأمم المتحدة تقرير مصيرها باستفتاء حر ونزيه!!

 

لكن أدعياء العدالة الزائفين يعلمون أننا نعلم أن تمزيق السودان هو غايتهم الفعلية، بإقرار وثائقهم التي كانت سرية قبل 100عام!!وليس البشير سوى عنوان، ولو أن زيداً في موقعه أو عمرو لما اختلف الأمر قيد أنملة.وما مأساة العراق الدامية عنا ببعيدة، يوم كانوا يضعون التخلص من نظام صدام حسين ستاراً لحملتهم الصليبية، التي عاثت في بلاد الرافدين فساداً، فقطعت أوصاله، وحكّمت أدوات عدوهم المزعوم"الصفويين الجدد"في رقاب ملايين العراقيين الذين تتوزعهم المنافي الداخلية والخارجية، بل تتوزع من نجا بجلده منهم من فرق الموت وقتلة المثقاب الكهربائي"الدريل"!!

 

ولو أن البشير سار على درب أدعياء الثورية وأعطى العم سام ما ينشده، وبخاصة إلغاء مهمة السودان الاستراتيجية منطلقاً لدعوة الأفارقة إلى الإسلام، وحاجزاً صلباً في وجه حملات التنصير التي أذلها الفشل المزمن، لكان البشير اليوم حاكماً ديموقراطياً يرعى حقوق الإنسان، ويسعى إلى إحلال السلام العالمي!!
 وإن الولايات المتحدة الأمريكية بالذات هي آخر من يحق له الحديث عن العدالة.ولسنا نلقي ذلك جزافاً كحكمٍ مسبق، أو موقف إيديولوجي، بل إن لدينا أسباباً موضوعية لا تخطئها عين.

 

فهي الدولة التي قامت على أشلاء الهنود الحمر في حملة إبادة واستئصال غير مسبوقة في حجمها ومستوى دمويتها، ثم استشرى شرها باسترقاق ملايين الأفارقة الأحرار باصطيادهم من أوطانهم مصفدين بالسلاسل.وحتى أربعين سنة خَلَتْ كان للعنصر الأبيض  مدارس ووسائط نقل وكنائس يحظر على السود دخولها.والآن يتصدر معتقل جوانتنمو فضائح العصر في انتهاك أبسط حقوق البشر.وأمريكا ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي تجسد التمييز بين القوي والضعيف، فأي عدالة يمكن تخيلها في وضع جائر كهذا؟

 

والعامل الثالث هو صلتها العجيبة بمحكمة الجنايات الدولية، فأمريكا لا تكتفي برفض الانضمام إلى عضوية المحكمة، بل هي تحاربها بعقد اتفاقات ثنائية تمنع تسليم الأمريكيين إليها عبر طرف ثالث!!وواشنطن تجعل لهذا الاتفاقات الظالمة أولوية على القانون الدولي، لكنها تريد إجبار السودان على الاستسلام للمحكمة وهو ليس عضواً فيها، بل تريد إرغامه على جعل مزاج المحكمة فوق قوانينه الوطنية!!!

 

وليلاحظ كل منصف أن المحكمة نفسها التي قررت إصدار مذكرة اعتقال في حق الرئيس السوداني لم تفعل شيئاً مماثلاً في حق أي من زعماء التمرد في دارفور، الذين تتحدث تقارير الوكالات والمنظمات الغربية عن فظائعهم هناك!!

 

وأخيراً أفليس مخزياً لمجلس الظلم الدولي أن يتحمس لسجن البشير، الذي حاول التفاوض مع حركات التمرد، في حين صمت هذا المجلس صمت أهل القبور فلم يتدخل لمجرد وقف حمام الدم الفلسطيني في قطاع غزة على يد الغزاة الصهاينة؟أما محاسبتهم فهي وَهْمٌ أبعد من رابع المستحيلات عند حكومات النفاق الصليبي الموروث.والدليل أن تلك البلدان سارعت إلى تعديل قوانينها التي تسمح بمحاكمة مجرمي الحرب اليهود!!

 

إن من بديهيات العدل أن يجري تطبيق القانون –مهما كان ذلك القانون- على الجميع، وتلكم هي القاعدة الذهبية لكي يحظى القانون باحترام الناس!!فهل الغرب مستعد اليوم أو بعد قرون للإصغاء إلى هذه الحقيقة الثابتة؟فمبدأ القانون يصبح مثاراً للسخرية إذا كان يطارد ناساً ويدوسه آخرون.