أنت هنا

ميزانية المالكي والمسرحية الرسمية!!
18 ربيع الأول 1430

هي مسرحية يمتزج فيها الضحك بالبكاء، لما تتضمنه من مهازل مأساوية، أو مآسٍ تدمي القلوب. إنها "حفلة"مناقشة ما يسمى البرلمان العراقي لميزانية "الدولة" للعام 2009م!!

فهي تختصر محنة العراق العزيز منذ الغزو الصليبي له قبل ست سنوات، في أبشع انتقام ثلاثي الأضلاع أو الأحقاد: اليهودية العالمية وحليفتها الصليبية الجديدة والصفوية المشرئبة ثانيةً.

ونسي الممثلون فوق مسرح الدمى حقيقة مهمتهم، واندمجوا في الأدوار الموكولة إليهم، فظنوا التمثيل واقعاً، فتخيلوا أن لديهم دولة فعلاً، بالرغم من جيوش الغزاة التي تتحكم في كل شاردة وواردة. فتراهم يتحدثون باعتبارهم حكومة تقرر حاضر العراق ومستقبل العراقيين، في حين أنهم لا ينامون إلا في داخل المنطقة الخضراء بحماية مشاة البحرية الأمريكية (المارينز).

وكذلك يحسب "النواب"أنهم مندوبون اختارهم الشعب، مع علمهم بأنهم حصيلة محاصصة بغيضة طائفية وعرقية، تنتهي خيوطها جميعاً في اليد الإيرانية/الأمريكية، في نطاق أغرب شراكة بين عدوين لدودين مفترضين!

من هنا، يحرص السادة المتحكمون بالمسرح والممثلين فوق خشبته، والجمهور المحدد للمشاهدة، يحرصون على مناقشة شكلية في البرلمان المزعوم للميزانية المرسومة على الورق، لكي يستطيع البيت الأبيض أن يتحدث صباح مساء عن"إنجازه التاريخي" بتحويل العراق إلى بلد ديموقراطي!!

لكن القوم-على خبرتهم في هوليود- لم يتنبهوا إلى تفاصيل فاقعة فاضحة، تسيء إلى الإخراج الذي توقعوا أنه متقن ومبهر. فقد كشف المشروع نفسه أن موفق الربيعي -أحد أكبر أعوان التحالف الصليبي الصفوي- الذي يشغل منصب وزير دولة لشؤون الأمن القومي، يعمل رسمياً خارج نطاق كل القوانين العراقية!! وفات هؤلاء كذلك أنه ما من دولة في العالم تسلّم أمنها إلى وزير دولة أو بالكلام المباشر وزير بلا وزارة. غير أن إصرارهم على الشكل الديموقراطي في المسرحية، اضطرهم إلى كشف أوراق ظلت خفية طول السنوات الماضية. فقد تبين من خلال المناقشات أن هذا الوزير بلا وزارة-بحسب الأعراف المستقرة في أنحاء الدنيا كافة-يتبعه 1400موظف!! فكيف لو كانت له حقيبة وزارية عادية؟

وإذا كان هذا الإيراني الذي اختلقوا له جنسية عراقية لديه هذا الحشد من العاملين في غياب القوانين مالياً وإدارياً، فما العجيب إذاً في فضائح فرق الموت وأقبية القتل بالمثقاب الكهربائي، داخل مبانٍ حكومية!! مع أن ما ظهر من هذه الممارسات غير الإنسانية يعد-بناء على تقارير المنظمات الحقوقية الغربية نفسها-مجرد رأس جبل الجليد العائم، أما ما ظل خافياً فهو أضخم وأشد هولاً وقبحاً. 

 ومن جهة أخرى، فإن الحرص على الإخراج "الديموقراطي" اضطر أصحاب الأدوار الرئيسية في المسرحية، إلى سقوط الشعارات التي حاولوا من خلالها تبييض صفحة المالكي بطمس تاريخه الطائفي السيئ، وادعاء انقلابه إلى رجل وطني يناوئ مشروع تقسيم العراق. فالميزانية مثلما جاءت مسودتها من مكتب المالكي شخصياً تقوم على المحاصصة الطائفية والعرقية بلا تبديل ولا تنقيح عن مجمل سيرة مشروع تمزيق بلاد الرافدين بحيث لا تقوم لها قائمة!!

وأما الكلام على الفساد الرهيب في جميع أجهزة السلطة الأداة، فهم يعتبرونه ضريبة لا مفر من تسديدها، ما داموا يريدون الضحك على العامة، وتمرير أسطورة الدولة الشفافة والميزانية المعلنة التي لم يكن لها وجود في ظل نظام صدام حسين!! فهذا التباهي القائم على أعشار من الحقائق بعد تحرفها عن مواضعها، وعلى أضعاف أضعافها من التضليل والافتراء، يستحق في رأيهم الإقرار الإجباري بكونهم "حكومة" تتصدر قائمة الحكومات الأشد فساداً في العالم، في التقارير الرسمية لمنظمة الشفافية الدولية. وتبعاً لذلك، "يفخر" أولئك اللصوص بما تنشره وسائل إعلام عراقية  في داخل البلد عن رشاواهم الأسطورية وسرقاتهم الفلكية، باعتبار ذلك نوعاً من الدلائل على "حرية التعبير"، مقلدين بذلك كبيرهم بوش عندما سدد إليه الصحفي العراقي منتظر الزيدي حذاءه مودّعاً، فادعى بوش أن هذا هو ثمن الحرية!! والناس على دين ملوكهم.