طرد المنظمات العميلة في السودان أو محاكمتها؟
19 ربيع الأول 1430
إبراهيم الأزرق

من البوادر السيئة التي أنكرتها شخصيات إسلامية إذن الحكومة السودانية في دخول منظمات غربية إلى دارفور، وقد كانت الحكومة السودانية تعي أن في صفوف هذه المنظمات أرتالاً من الأعين والجواسيس، بالإضافة إلى أسماء منظمات عريضة وظيفتها خدمة أغراض مشبوهة.. وكانت المشكلة الرئيسة في قرار الحكومة السودانية –وهي مشكلة متكررة- تقديمها مصالح محدودة أو موهومة باسم السياسة على مقررات شرعية دون أن تدعو الضرورة إليها، أو يأطر الإكراه عليها، فتكون النتيجة فوات المصلحة الحقيقية وحصول المفسدة الشرعية بفوات التزام الواجب الشرعي، ثم يعقب هذا قرع سن الندم على ما بدر من تصرفات كانت تُظَنُّ أن المصلحة السياسية تقتضيها.

 

ومن أمثلة ذلك قضية المنظمات الدولية المطرودة التي يسعى الغرب إلى الاستفادة من طردها في استصدار قرار مجحف اليوم، كما استفاد من إقحامها بالأمس، فهذه المنظمات هي التي أشاعت الفرية التي حاصلها أن في دارفور إبادة جماعية، وحرب عرقية، وأنه قد قتل في تلك الأرض نحو 300.000 إنسان بناء على دراسات ساذجة متضمنة لشهادات معارضين مدَّعين، بالإضافة إلى استبيانات معبأة في مخيمات المتمردين ونحوها، وتلك المنظمات هي التي ساعدت في ترحيل بعض المتمردين، وساعدت في تلفيق أدلة تدين الحكومة السودانية ورجالاتها، وساعدت في جرائم ترحيل لأبناء دارفور، وساعدت في دعم التمرد، وساعدت الدول الغربية في استكشاف أراضي دارفور وما تضمه من الكنوز والمعادن، والأدهى من ذلك والأمر عمل بعض تلك المنظمات على إدخال دين الصليب على أبناء دارفور المسلمة. وقد كانت الحكومة السودانية ترصد كثيراً من ذلك ولكن المصالح الموهومة والسياسة غير الشرعية لتلك القضية أتاحت المجال لشباك تلك المنظمات حتى أحكمت نسجها حول الرئيس عمر البشير.. وأخيراً اتخذت الحكومة موقفاً فطردت بعضها وأبقت بعضها، ولست أدري هل كان هذا جراء وعي بضرورة درء المفاسد الشرعية، وتقديم دفعها على أوهام المصالح السياسة، بل على المصالح السياسية، أم هي خطوة نحو مساومةٍ سياسيةٍ جديدة؟ أرجو أن يكون الأول وإلاّ فسوف توقع الحكومة نفسها في المصيدة من جديد، وحينها سوف يقول الشانئون: على نفسها جنت براقش! أما الناصحون فهم اليوم يقولون: يحسن بالحكومة السودانية أن تعجل بتنفيذ ما وعدت به من طرد كل من رصدت تورطه في أعمال مشبوهة من تلك المنظمات، مع ترصد أنشطة البقية والقيام بطردها متى خرجت عن حدها.

 

ومما ينبغي أن يدرس وينظر في جدواه كذلك اعتقال من ثبت تورطه في أعمال غير قانونية من منسوبي تلك المنظمات بمستندات يذعن لها العالم، عوضاً عن ترحيلهم، وذلك لأن إقامة العدالة عليهم واجبة، أضف إلى ذلك أن مثل هذه المواقف القوية تُلزِم تلك المنظمات حدودَها، وتحفظ بها الدولة هيبتها، وعلى الأقل تحكم قبضتها على ما يمكنها أن تفاوض به العصابات الكبرى في الأروقة الدولية. فلو عنيت حكومة السودان بتخصيص جهاز على درجة علية من الكفاءة والمسؤولية يتابع تجاوزات المنظمات المشبوهة، لأتاح لها ذلك موقفاً أكثر قوة.

 

وأخيراً.. لا تزال المنظمات المشبوهة كثيرة فبضعة عشر منظمة قد طردت لا تمثل شيئاً يذكر بين أكثر من مائة منظمة دولية في دارفور، ومع ذلك فلعل الحكومة السودانية قد قامت ببعض واجبها إزاء المنظمات المشبوهة، والسؤال الذي ينبغي أن يجد جواباً إيجابياً هل يعي القائمون على المنظمات الإسلامية المختصة في الداخل والخارج بأن عليهم واجباً إزاء المسلمين في ربوع دارفور المسلمة؟ وأن ثمة فراغاً يتوجب عليهم سده؟ وأنه كما قامت الحكومة السودانية بخطوة نحو واجبها فإن عليهم كذلك القيام بخطوات.. والطريق بحمد الله ممهدة تدلك على أمنها صولة البشير إبان صدور الحكم في ساحات دارفور على ظهر سيارته المكشوفة، دون أن يتعرض له أحد ممن سمعنا جعجعتهم إبان إعلان قرار المحكمة المتعلق بالمذكِّرة، ولم نر لهم يوم سار البشير بمقربة منهم في أرض دارفور طحيناً! وهذا يدلك على أن في دارفور مناطق مؤمنة صالحة لاستقرار العمل، فأين العاملون؟