أنت هنا

استقالة الحكومة الكويتية وصفقة داو كيميكال
21 ربيع الأول 1430







المناخ الذي تعيشه الكويت هذه الأيام لا يبعث على التفاؤل في ظل حالة عدم الاستقرار التي بدت جلية مع هذه الاستقالة الخامسة لحكومة الشيخ ناصر الأحمد الصباح خلال ثلاث سنوات.

والمبررات لدى الحكومة في تقديم استقالتها تتعلق بالطريقة التي تقدم من خلالها الاستجوابات التي بنظرها تشل أداء الحكومة وتتجاوز الحدود المناسبة.

أما لدى مقدمي الاستجوابات فهي تتعلق بفساد مالي وإنفاق في غير محله، وقرارات اقتصادية ومالية غير مدروسة، وهو ما أشاحت عنه كثير من وسائل الإعلام الليبرالية بوجهها، وارتأت أن تقدم الأزمة على أنها بسبب "هدم مسجدين بنيا بطريقة غير شرعية على "بإحالة مدير الفريق الحكومي المسؤول عن هدم المسجدين إلى النيابة العامة إلا انه رفض، مع العلم أنه سبق لرئيس الوزراء ان طلب وقف عمليات هدم المساجد المخالفة." كما ورد في بعض وسائل الإعلام تلك، التي صورت الأزمة في حيز تعنت من النواب يعرقل أداء الحكومة.

هذا قد يكون، وربما، هو جزء من الحقيقة، (مع إقرارنا بالطبع بأهمية المساجد وضرورة وجود آلية شرعية لمسألة إقامة مساجد في غير الأماكن المخصصة لها أو التي يحدث بها تجاوز ما في مساحات إنشائها وما إلى ذلك، وليست هذه هي المشكلة بطبيعة الحال) لكن ما الذي يمنع تلك الوسائل من الحديث عن إحدى أكبر الأزمات التي أفضت إلى وصول المشكلة السياسية إلى هذه المرحلة، ولماذا تم تسليط الضوء فقط على هذه المسألة تحديداً ومرور الكرام على أحد طلبات الاستجواب الذي تقدم به النائب فيصل المسلم، والخاص بملاحظات قال إنها وردت في تقارير لديوان المحاسبة الكويتي عن مصاريف ديوان رئيس الحكومة، حين أعرب النائب عن اعتقاده بوجود "اختلاسات بمبالغ طائلة حصلت خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات التشريعية لعام 2008." بغض النظر عن صحة تلك المعلومات من عدمها؟!

لماذا لم يلتفت المراقبون إلى تسمية النائب الإسلامي د.وليد الطبطبائي في مقال له مؤخراً يحمل اسم "السرقة الثالثة الكبرى" يلمح إلى مخالفات جسيمة في الطريقة التي تم التعامل بها مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ضربت فيما ضربت الاقتصاد الكويتي لحد إنهاك الطبقة المتوسطة والفقيرة نسبياً في المجتمع الكويتي؟

ولماذا لم تلق الأضواء على الصفقة الأبرز التي أبرمت على عجل ثم ألغيت بعد سيل من الانتقادات البرلمانية، ونقصد بها الصفقة التي أبرمتها مع شركة داو كيميكال (Dow Chemical) الأميركية شركة الصناعات البتروكيماوية التابعة لمؤسسة البترول الكويتية، والتي لا نعرف على وجه الدقة حجمها المالي الذي تحدثت فيه أنباء عن 17.2 مليار دولار، وأخرى عن نحو 19 مليار دولار، وهي الصفقة المشتركة بنسبة تقارب الـ50% لكل منهما، وانعقدت فيما كانت الشركة الأمريكية على وشك الإفلاس، واعتبرها البعض "قبلة الحياة" للشركة العملاقة، وهو ما أثار شجوناً كثيرة لدى الداعين إلى الانكفاء على الداخلين الكويتي والعربي الإسلامي للإفادة من تجربة تبدد المال العربي والكويتي في أزمة اقتصادية عالمية لم يدر الخبراء على وجه الدقة من الأكثر تضرراً واندفاعاً فيها، وما إذا كان وراءها مستفيدون أم لا.

إن الأنباء التي تحدثت عن أن الشركة المذكورة التي بدت منزعجة جداً من إيقاف الصفقة إلى الحد الذي سعيها إلى الدخول في إجراءات التحكيم في محاولة منها لتسوية النزاع القائم بينها وبين الشركة الكويتية بغية الحصول على مبلغ تعويضي هائل يبلغ 2.5 مليار دولار، كشرط جزائي رغم أن الحكومة الكويتية قد ألغت الصفقة قبل أيام من موعد دخول الصفقة حيز التنفيذ في ديسمبر الماضي، هي أنباء تعبر عن مدى ضيق بعض نواب البرلمان الكويتي بهذا الأداء الذي وصفوه بأنه لا يعود على الكويت إلا بأرباح ضئيلة ـ حال تحقيق أرباح أصلاً ـ وامتعاضهم من موضوع إنقاذ شركة أمريكية متعثرة هو أحد أكبر أسباب الأزمة التي تعصف بالحالة السياسية الكويتية، وتأثير ذلك على أداء الحكومة، التي عادة ما تواجه تلك الأزمات بالانسحاب من مواجهة النواب والاستقالة.

لقد كان الأمل معقوداً أن تصير البرلمانات في دولنا أداة للمحاسبة فتراجع هذا الطموح إلى الحدود الدنيا فيما لم يكلف الليبراليون أنفسهم عناء الدفاع عن التجربة الكويتية لأنها كغيرها قد أفرزت من نواب الشعب ما يعرقل رغبات الولايات المتحدة الأمريكية. والكلام هنا، لا يتدخل كطرف في قضية أهل الكويت هم أدرى باستيعابها وحلها، لكننا فقط نسجل موقفاً عن فضيحة إعلامية ليبرالية جديدة.