الفضائيات التنصيرية والصمت العلماني"!
25 ربيع الأول 1430
د. محمد يحيى

تكثر هذه الأيام في العديد من الصحف والمجلات ووسائل الإعلام العربية الهجمات الحادة من جانب الأصوات العلمانية وأيضًا من جانب بعض الأصوات المنتسبة إلى الإسلام بشكل أو آخر ضد ما أصبح يسمى بالفضائيات الدينية والمقصود بها مجموعة محدودة من المحطات الفضائية التليفزيونية التي تقدم برامج دينية تتراوح بين قراءات للقرآن الكريم وهو ما تقتصر عليه بعض القنوات بشكل تام أو بين برامج مختلفة حول موضوعات متعددة. والأصوات التي ترتفع لمهاجمة هذه الفضائيات تفعل ذلك لأسباب متنوعة ليس هنا مجال الخوض فيها، كما أنها لا تستطيع نقد وجود فضائيات إسلامية في حد ذاته لأن ذلك قد يثير عليها جماهير المتلقين المسلمين وإنما تعمد إلى إثارة تهمة واحدة أو تهمتين، وتركز عليهما باعتبارهما أبرز عيوب هذه القنوات الفضائية الإسلامية، والتهمة الأولى هي تهمة إصدار فتاوى متشددة في الدين ما دامت تختلف عن الفتاوى التي يصدرها العلماء الرسميون أو غير الرسميين في بلدان عربية متعددة مما يخلق حالة من البلبلة والفوضى، أما التهمة الثانية المألوفة فهي أن هذه الفضائيات تكثر من البرامج التي تحث على التشدد والغلو في الدين أو التي تنشر الخرافات والغيبيات والأمور التي يحرم تعلمها مثل قضايا السحر وما أشبه ذلك.

 

ولا أعتزم في هذا المقال أن أخوض في هذا الموضوع دفاعًا عن الفضائيات الإسلامية أو هجومًا عليها، فمما لا شك فيه أن لهذه الفضائيات من يقوم عليها، ومن هو أجدر أو أقدر على إبراز وجهه نظرها، كذلك فإن البعض منها يعاني بالفعل من مشاكل أو عيوب، لكنها ليست هي عيوب إصدار الفتاوى أو عيوب الحديث عن السحر والجن، إن ما يهمني هنا هو الإشارة إلى أن هناك مجموعة من القنوات الفضائية التنصيرية، تطلق برامجها إلى المنطقة العربية والإسلامية من خلال عدة أقمار من بينها القمر الصناعي الأوروبي، وهو قمر واسع المشاهدة في العالم العربي، بل إن بعضها الآن أخذ يتسلل إلى أقمار صناعية عربية معروفة، وهذه المحطات "المسيحية" رغم ما يكثر فيها من عيوب ومن أخطار فإن  أحدًا من العلمانيين في العالم العربي لا يشير إليها أبدًا، ولا يطالب بمنعها كما يفعلون مع القنوات الفضائية الإسلامية، ومن العيوب المشهورة عن بعض هذه المحطات وبالتحديد عن محطة معينة منها هو الهجوم المباشر، والبذيء والوقح على الإسلام وعقيدته، وعلى رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، كما أن بعض هذه المحطات يغرق أيضًا في الخرافات بشكل لا يتوقعه أحد، ولا يلفت النظر إليه أحد من هؤلاء العلمانيين الذين أصبحوا فجأة غيارى على الدين الإسلامي من أوسع الأبواب، ومن ذلك مثلاً ما كنت أشاهده منذ فترة ليست بالبعيدة على إحدى تلك المحطات التي تنطلق من خلال كنيسة في دولة عربية كبرى، وكان القس فيها يروج لفكرة تزعم أن مجرد إطلاق الدعاء يكفي للشفاء من كل الأمراض شفاءً فوريًا عاجلاً ناجزًا، وبدون الحاجة إلى طبيب أو وساطة، وكان القس يحاول أن يُفْهِمَ جمهورَه وفي ذهنه فكرةُ التبشير، ونشر النصرانية بشكل فوري ومباشر من خلال الزعم بأن مجرد التوجه إلى الرب بكلمات دعاء تكفي وحدها كما قلت لإحداث المعجزات وكل ما هو مطلوب أن يؤمن الإنسان بالرب وفق مفهوم العقيدة المسيحية وهو التثليث أو أن ما يطلقون عليه ابن الرب هو أساس هذه العقيدة لكي تتحقق المعجزة المطلوبة، سواء أكان ذلك بالشفاء أم بغيره، وذهب هذا القس إلى حد القول أنه يكفي لو كان الإنسان مؤمنًا حقًا بذلك الرب أو بابنه-تعالى الله عما يفتري الظالمون- يكفي أن يضع يده على جهاز التليفزيون وهو يستمع إلى صوت القس ويمسح بيده على الشاشة لكي تنتقل من خلال الشاشة إلى جسده بركة الشفاء أو بركة حدوث المعجزة أو تحقق الأمر المراد من خلال كلمات القس نفسه!!!

 

وهناك العديد من نماذج محاولات التنصير الفج والصارخ التي تنطلق من خلال هذه القنوات "المسيحية" والتي تمتزج فيها السخرية غير المباشرة من العقائد الإسلامية بالتشويه والافتراء وادعاء تفوق العقيدة المسيحية أو بالأصح الكنسية عليها، ومع ذلك فإن أحدًا من أصحاب التوجه العلماني الذين انطلقوا الآن يهاجمون الفضائيات الإسلامية بضراوة لم يحاول أبدًا تسليط الضوء ولو على استحياء ولو لمجرد انتقاد خافت بسيط على ما تفعله هذه الفضائيات "المسيحية" وعلى ما يتسرب منها ليس فقط من محاولات التنصير الواضحة ولكن من محاولات تشويه صورة العقيدة الإسلامية والنيل منها بصورة مستمرة وبشكل مباشر أو غير مباشر كما هو في معظم  الأحوال، وكان المفروض على الأقل إحقاقًا للتوازن في الصورة أن يكون هناك انتقاد لهذه الفضائيات كما هناك انتقاد للفضائيات الإسلامية والتي لا نقول هنا بأنها تعلو على النقد بل على العكس فهناك الكثير مما تحتاجه هذه الفضائيات الإسلامية كي تحسن من أدائها أو كي تؤدي الدور المرتجى منها بدون عيوب أو شوائب كما هي الحال الآن ولعل هذا يكون مجال حديث قادم إن شاء الله.