أنت هنا

الجزائر وتبديد الفرصة الأخيرة
29 ربيع الأول 1430

حتى هذه اللحظة لم يتقدم الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة بترشيحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 9من شهر إبريل المقبل!!لكنه-ويا للمفارقة!!-هو الشخص الفائز في تلك الانتخابات!!

 

فتقديم ملف الترشيح في جمهوريات الاستبداد العربية تحصيل حاصل، لأن الحصان الرابح محدد سلفاً.وفي حالة بو تفليقة فإن النتيجة المعروفة مسبقاً ولا يتأخر سوى إعلانها احتراماً للشكليات، تم تحديدها منذ أن انتزع الرجل تعديلاً للدستور على مقاسه، من برلمان لا يخفى على الجزائريين ولا متابعي شؤونهم في الخارج مدى صحة تمثيله للشعب!!

 

ولأن النتيجة محسومة  في سباق غير عادل أبداً، غابت القوى السياسية الكبرى عن المشاركة في طقس إجرائي يشبه مهرجانات الفولكلور المكرورة.هذا مع ملاحظة التغييب القسري لأحزاب وتيارات وشخصيات ثبت بالتجربة الحرة اليتيمة أنها صاحبة الشعبية الكاسحة بلا منازع!
لكن ذلك كله لم يكن كافياً للرئيس القديم الجديد كي يمرر الأمر بهدوء، فقد شاء أن يعطي الاحتفال نكهة من تلفزيون الواقع، ففتح النار على الإسلاميين المغيبين بالقوة عن الساحة. وربما أسخط بو تفليقة حتى بعض أنصاره لأنه يصر على تقديم نفسه باعتباره مرشحاً مستقلاً، فما الذي يدفعه إلى استفزاز شريحة واسعة من مواطنيه، وفتح جروح لما تندمل بعد.
ولعل الأجدر برئيس الجمهورية –كل رئيس-أن ينظر إلى الجميع كأنهم أبناؤه أو إخوانه، فيأخذ مسافة واحدة من الأحزاب المختلفة والتيارات المتنافرة.
وجاء في حملة الرئيس بو تفليقة على الإسلاميين دعواه أن"الإسلام السياسي"انتهى!!فلماذا يشغل نفسه بفريق مات أو ماتت قضيته-إذا سَلّمَ المرءُ بصحة ادعائه جدلاً-؟ فكيف وهو يقول ما هو أعجب، إذ يريد إقناع الناس بأن العلماني قد يكون أكثر تديناً من الإسلامي، وهي قضية لا نظن أن الرجل ذاته مقتنع بها، فهل يصح عقلاً أن من ينكر قطعيات مبدأ ما، يمكن أن يكون أكثر التزاماً به من المؤمنين به؟

 

وفي جميع الأحوال، يبقى هجوم بو تفليقة المباغت غير مفهوم، ولا سيما أنه جاء إلى سدة الرئاسة أول مرة، في أجواء واعدة، يوم حمل مشاريع إصلاح ذات البين، ورحّب به الإسلاميون، لأنه أكد حرصه على المصالحة الوطنية ونأى بنفسه عن جنرالات الاستئصال المتفرنسين.ومنحه الجزائريون فسحة زمنية كافية لتنفيذ وعوده، والتمسوا الأعذار لكل تسويفاته!!
فأين أصبح الآن مشروع المصالحة والوئام المدني؟

 

بل إن من حق الجزائريين اليوم أن يعودوا إلى الصفحة السابقة التي يلح بو تفليقة على فتحها ولكن بطريقة غير موفقة، ليسألوه:ما هي حصيلة سنوات الاستئصال وتنحية الإسلاميين بحرب أهلية مدمرة، قادها رجال فرنسا ضد إرادة شعبهم؟ولماذا لم يصارح مواطنيه عند مجيئه للسلطة أول مرة،  بأنه منحاز إلى المشروع العسكريتاري؟وبصيغة أخرى:ما المسافة التي باتت تفصل بو تفليقة 2009م عن بو تفليقة 2001؟
إن الرجل وهو في العقد السابع من العمر، ولديه خبرة واسعة واطلاع جيد على تاريخ بلاده، كان يفترض فيه أن يسرّع خطوات المصالحة ليجعلها أكثر جدية وصدقية، أو يعتزل منصبه ويصارح شعبه بعجزه عن إتمام مشروعه ويكشف القوى التي تمنعه من تطبيقه!!
وكان الأجدر بالرجل الإفادة من دروس التاريخ الجزائري المتميزة، و خلاصتها على مدى 132عاما من الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الفرنسي ،  ثم 47عاما من حكم التغريب القسري ما قاله الشيخ عبد الحميد بن باديس :
               شعب الجزائر مسلم                   وإلى العروبة ينتسب
فكل محاولة لتجاهل هذه الحقيقة الجوهرية تؤخر استقرار البلد ونهوضه  وهي حقيقة تنطبق على كل المجتمعات المسلمة التي ابتليت بالعلمانيين ومشاريعهم الفاشلة والمُكْلِفة.

وغاية ما يتمناه محبو الجزائر-وهم المسلمون كافة-هي ألا تكون الفرصة الحالية هي الفرصة الأخيرة التي يبددها حب المناصب أو الخوف من بعض الخَلْق أو العناد والمكابرة.