راديو المؤذنين
5 ربيع الثاني 1430
د. محمد يحيى

في تجربة مثيرة ولافته للنظر قام معهد جوتا التابع لألمانيا والذي يعنى بالدراسات الثقافية في القاهرة بالاشتراك مع مجموعة من الفنانين الألمان والمصريين بوضع مسرحية واقعية عنوانها راديو المؤذنين، وتتناول هذه المسرحية التي شارك فيها شخصيات مصرية من أبطالها الحقيقيين بقضية القرار الذي أخذه وزير الأوقاف المصري بوقف أداء الأذان حيًا من فوق مآذن القاهرة المشتهرة بأنها عاصمة الألف مئذنة واستبداله بأصوات مسجلة تذاع من محطة الإذاعة المصرية وتنقل عبر شبكات لاسلكية وأجهزة استقبال لتذاع بعد ذلك من فوق المآذن بصوت منخفض وفي فترات معينة من اليوم لا تشمل صلاة الفجر، وتبرز هذه المسرحية المشكلة التي يعاني منها ثلاثة آلاف مؤذن سوف يتم تسريحهم من وظائفهم وإحلال ثلاثين مؤذنًا فقط محلهم سوف يتناوبون العمل على إطلاق الأذان بأصواتهم في ميكروفون محطة الإذاعة لكي ينقل بعد ذلك عبر اللاسلكي إلى أجهزة الاستقبال المثبتة داخل معظم، إن لم يكن كل المساجد في العاصمة المصرية، وتبرز المسرحية، والتي انتقل عرضها من القاهرة إلى ألمانيا نفسها في أوائل شهر مارس الحالي إلى توضيح معاناة هؤلاء الآلاف من المؤذنين الذين سوف يصبحون الآن بلا عمل والذين لا يستطيعوا معظمهم العمل في وظائف أخرى لنقص التأهيل، حيث أنهم أفنوا أعمارهم في مهنة أداء الأذان، وإقامة الشعائر في المساجد، وفي نفس الوقت فإن المسرحية تركز على جانب مهم، وهو كيفية تغير أداء الشعائر الإسلامية والتغير الذي سوف يحدثه قرار إلغاء الأذان الحي واستبداله بأصوات مسجلة أو محصورة داخل أستوديو تؤدي هذا الأذان، ويلفت واضعو العمل النظر إلى أن الأذان  كشعيرة إسلامية هو من الأهمية بمكان بحيث أنه لابد أن يكون حيًا ومنطلقًا من نفس مئذنة المسجد الواقع في المنطقة المحيطة به، وأنه من ناحية كونه أداء حيًا يمثل علاقة روحية مباشرة بين المسلمين، وبين الدين والعقيدة وبين شعيرة الصلاة التي تدعوهم للوقوف بين يدي الله، وكأن الذي سوف يدعوهم الآن للمثول بين يدي الله للتعبد والصلاة هو صوت خارج من جهاز تسجيل أو من ميكروفون يبعد عنهم عشرات الكيلومترات وليس صوت حي يجاورهم، ويتعايش معهم ويعيش بينهم.

وبصرف النظر عن هذه المشكلة وما يقال فيها، وهو كثير، وبصرف النظر أيضًا عن دوافع هذا القرار، وهي دوافع لا يعلو أي منها فوق مستوى الشكوك والتساؤل إلا أن الأمر الذي يشد في هذا الموضوع بأسره، هو أن الاهتمام بمشكلة أداء الأذان والاهتمام بمصير بضعة آلاف من المؤذنين لم يأت من جانب جهات إسلامية أو عربية أو من جانب قوى سياسية أو اجتماعية داخل المجتمع المصري نفسه بل جاء هذا الاهتمام على يد فنانين أو مخرجين أو مؤلفين ألمان يعيشون في مجتمع مخالف تمامًا للمجتمع المصري، وهو على أي حال مجتمع لا توجد فيه مسألة الأذان التي تحل محلها أجراس الكنائس، والتي تقرع حية من مبنى الكنيسة نفسه، ولم يقل أحد هناك بإلغائها واستبدالها بإشارات تذاع عبر أجهزة الراديو أو التليفزيون.

إن اللافت للنظر حقًا في هذه المسألة هو أن كثيراً من المسلمين قد فقدوا تقريبًا كل اهتمام لهم بالإسلام أو كل قلق مهما كان صغيرًا أو محدودًا على ما يحدث لهذا الدين وما يحدث لشعائره ولا نقول ما يحدث لشريعته أو ما يحدث لعشرات الأقليات الإسلامية هنا وهناك.
إن الأمر الآن يتطلب مخرجًا ألمانيًا ومؤسسة ثقافية ألمانية لكي تلفت أنظار المسلمين في مكان معين أو بلد معين إلى عملية خطرة، وعملية من التغيير محفوفة بالعيوب والمساوئ، تحدث داخل إحدى شعائرهم الكبرى والمهمة ألا وهي شعيرة الصلاة وشعيرة الأذان  التي وردت في فضلها أحاديث نبوية عديدة والتي كان أول من أقامها هو سيدنا بلال (رضي الله عنه)، وربما لن نتعجب كثيرًا عندما نرى في مستقبل قريب لا قدر الله مخرجًا إيطاليًا أو إنجليزيًا أو فرنسيًا ينتج مسرحية أو برنامجًا تسجيليًا أو فيلمًا روائيًا حول خطر آخر تتعرض له شعيرة إسلامية أخرى مثل الصوم آو الصلاة من جانب قرارت يتخذها العلمانيون أصحاب النفوذ الآن في العديد من دوائر صنع القرار على امتداد عالمنا العربي، بل ربما نجد كاتبًا تركيًا مثلاً ينتج لنا مسرحية تتعرض لخطر أداء الصلاة باللغات المحلية في بعض البلدان الإسلامية كما حدث في تركيا، وكما يراد له أن يحدث الآن في إيطاليا، والمدهش أن ما يطلق عليه بالاسم المؤسسة الدينية في مصر لم تحرك ساكنًا بل لم تهتم حتى بدراسة ما الذي يمكن أن يحدث عند استبدال أداء الأذان الحي من فوق مئذنة المسجد أو حتى من داخله بآلة صماء تذيع هذا الأذان من محطة إذاعة أو بمؤذن يقف محصورًا داخل أستوديو لكي يؤدي هذا الأذان في ظل انعدام أي علاقة وشيجة أو قريبة بينه وبين جماهير المصلين الذين يدعوهم إلى الصلاة، وفي الواقع فإن بتر هذه العلاقة الحية بين مؤدي الشعائر، وبين من يقومون بأداء هذه الشعيرة هو أمر خطير ولافت للنظر في الموضوع بأسره، ومرشح لأن ينطبق على شعيرة الصلاة، أو صلاة الجمعة من خلال وضع مذياع في المسجد يصدر منه صوت إمام أو خطيب.