أنت هنا

حينما يصنع الإعلام القمة العربية!!
5 ربيع الثاني 1430

لدى كثير من الجماهير العربية كانت القمة العربية في سياق الفشل الطبيعي لها، ولم يكُ كثيرون ينتظرون منها شيئاَ أو يتطلعون إلى تحقيق مفاجأة ما، إلا إذا كان البعض يتوق إلى مشاهدة بعض الطرائف السياسية يصلح لوضعها في موقع يوتيوب الشهير، لا في صفحات التاريخ البارزة كإحدى المحطات التي يتوقف المؤرخون عندها.

 

أقيمت القمة العربية وانفضت سريعاَ، دون أن يشعر بها البسطاء في كفاحهم من أجل توفير لقمة عيشهم في أكثر من نصف العالم العربي، واشتعلت أحداثها وانخمدت ما بين طرفة عين وانتباهتها؛ فلم يحس بها إلا من يرتبط دخلهم المادي بمهنة الإعلام وتكييف الأحداث الرسمية بما يواطئ أمزجة وسائل إعلامهم، وقليل من الساسة ممن يحيطون بالمشهد، ومعظم هؤلاء لم يرَ فيها إلا ما يحبط الآمال ويكرس اليأس.

 

وحدها كانت آلة الإعلام العربية  في شقها الموالي لأحد المحاور كان همها أن تأطر الناس أطراً على الاعتقاد بأن هذه القمة كانت مثمرة، متذرعة ببعض المظاهر للتسويق لمقولة "قمة المصالحات والتفاهمات".

 

والقمة العربية لو كانت كما يقولون ناجحة حتى على صعيد المصالحات لرأينا ذوباناً لجبال الجليد بين المحاور، ولرأينا عقيدة عربية مشتركة تقود أحلام الشعوب الكسيرة، ولعاينا حلولاً لأجندة متخمة من موضوعات ساقها إلينا ذل كثير من الحكام العرب وتبعيتهم للروم والفرس واليهود.

 

لو كانت القمة ناجحة لما رأينا الرئيس السوداني قادم إليها يحمل روحه على راحته من دون أية ضمانات عربية أو تصريح واحد يتيم يتحدث عن أن العرب كفيلين بتأمين سلامته، ولما رأيناه في سجال مع علماء الشريعة في بلده، أيجوز أن يسافر رأس الدولة مراهناً بحياته أو بأسره أو لا يجوز، لأن مثل هذه الأشياء يناقشها ويتعهد بها رؤساء وحكام يملكون إرادتهم ويتمكنون من فرض رأيهم على جميع المتكبرين في العالم الغربي.

 

ولو كانت ناجحة لما ظل الحديث عن إعمار غزة رهين التصريحات الاستهلاكية ولخاضت تلك الدول المعركة بذاتها دون المرور على دواليب النظم العالمية الحاكمة، ولكان القرار مستقلاً وواضحاً وقوياً وفعالاً.

 

ولو كانت القمة ذات أثر لرأينا الصومال بعدها مغايراً له قبلها، ولفعلت شيئاً يدفع عنها قادم مخططات التقسيم هنا وهناك.

 

ولو كانت كذلك، لما شاهدنا كيف يكافأ حكام العراق على توقيعهم اتفاقيتهم الأمنية مع الاحتلال، ولما سمحوا لرئيس انقضت مدة رئاسته بأن يمثل المناضلين الكرماء في أرض الرباط.

 

هذا كلها يجعلنا نقول بأن هذه القمة لم تزد عن سابقاتها، إن لم تكن فاقتهم بسرعة اختصارها، ربما لكي لا تحدث مشاكل جديدة داخل الصف العربي، ولو طنطن إعلام القمة بغير ذلك.. لقد أحبطت هذه القمة أولئك الذين انتظروا أكثر من نصف قرن لكي يعود العرب بهذه القمة إلى نقطة الصفر.. أما غيرهم فقد استقبلوها وودعوها كأن شيئاً لم يكن!!