فلسطين بين الحوار والتهويد والاستيطان
6 جمادى الأول 1430
د أسامة عثمان

فيما تمعن حكومة نتنياهو في سياستها الاستيطانية بفرض وقائع جديدة، مستخفة بردود الأفعال المتوقعة من الإدارة الأمريكية تستمر السلطة في رام الله في سياسة المراوغة والتصريحات التنفيسية عن عدم استعدادها للتفاوض؛ إذا استمر الاستيطان.

 

وعلى صعيد الحوار الجاري في القاهرة تتضارب التصريحات، وتتذبذب بين تفاؤل وتشاؤم، في محاولة لابتزاز مواقف سياسية، مع التلميح بإمكان تراجع الإدارة الأمريكية عن مستوى تشددها إلى القبول بالتعامل مع حكومة تشترك فيها حماس.

 

وأما على صعيد السلطة في رام الله فتتكرر تصريحات رئيسها عن حكومة لا تجلب الحصار، في إشارة واضحة إلى ضرورة الالتزام بالشروط الأمريكية "الإسرائيلية" والظاهر أنها محاولات مستميتة لانتزاع مواقف تراجعية من حماس والمقاومة؛ فإن لم ينجحوا في ذلك، وهذا هو المتوقع؛ فثمة احتمالان، أحدهما أن يَتركوا لحكومة العدو الصهيوني، (نتنياهو- ليبرمان) القيام بخطوات انتقامية، قد تتمثل باغتيالات لقادة سياسيين وعسكريين في حماس، فقد ذكرت مصادر "إسرائيلية" أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو أبلغ وزير المخابرات المصري عمر سليمان الذي زار الكيان الصهيوني  مؤخرا بأنه سينتهج سياسة مغايرة ضد حركة حماس وأن هذه السياسة ستتضح معالمها خلال أسبوعين من الآن.

 

وأنها لن تسمح باستمرار أسر "شاليط" في قطاع غزة وأن ثمن احتجازه سيكلف حماس غاليا في إشارة إلى نية الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" تنفيذ عمليات ضد المستوى السياسي والعسكري في الحركة.

 

واللافت للنظر أنهم قد ربطوا – كما جاء في الخبر- ذلك بنتيجة الحوار الجاري في القاهرة؛ إذ أكدت تلك المصادر لـ " راديو الجيش الإسرائيلي"  أن "إسرائيل" تعتبر أي فشل لمحادثات القاهرة بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ عمليات ضد غزة مشيرة إلى أن تل أبيب تشعر بعدم الرضى صوب جهود القاهرة لدمج حركة حماس مرة أخرى في الجهد الديبلوماسي الفلسطيني والدولي ومحاولتها إقناع الإدارة الأمريكية بالاعتراف بأي حكومة مقبلة تضم أعضاء من حماس في صفوفها.

 

والاحتمال الثاني أن تغض الولايات المتحدة النظر عن تشكيل حكومة وطنية تضم وزراء من حماس، فقد أفادت صحيفة "لوس انجليس تايمز" بتاريخ (27/4 )أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلبت من الكونغرس أن يسمح بمواصلة تقديم المساعدة للفلسطينيين حتى إذا انضم مسؤولون مرتبطون بحركة حماس للحكومة. وقالت الصحيفة إن هذه الخطوة أثارت قلق مؤيدي "إسرائيل" في الكونغرس.

 

ولا يخفى أن ترجيح أحد الخيارين يتوقف على نضوج رؤية سياسية لكيفية تعامل أوباما مع حومة نتنياهو وليبرمان التي لا تنفك تقدم تطلعات اليمين المتطرف على اعتبارات "السلام"  ولعل آخر تلك المواقف ما صرح به نتنياهو  في (28/ 4) "ليس  لدينا خيار سوى محاربة "الإرهاب" حتى يتم القضاء عليه ".وأعلن أن "إسرائيل" لن تساوم على أمنها من أجل مصلحة السلام. وكذلك ما سبق من مواقف ترفض حل الدولتين، والمبادرة العربية، وتشترط لأي تقدم في الحل اعتراف الفلسطينيين بيهودية "إسرائيل" وأن الخطر الحقيقي والأولوية الآن يجب أن تكون للتصدي لـ "الخطر  الإيراني" كل ذلك محاولات للتهرب ولصرف الأنظار عن أية "استحقاقات" لا تريدها.

 

ويحتاج أوباما -كما قيل- إلى مزيد من الجرأة والعزم حتى يستطيع اتخاذ مثل هذا التحول؛ نظرا لعقبات تعترضه في الكونغرس من المنحازين لـ "إسرائيل" وحتى من أعضاء في إدارته.

 

وقد يكون التوسطُ والتدرجُ هو الأقرب إلى الحدوث في مثل ظروف أوباما الذي لم تتوطد قدماه بعد في السلطة، ولم يتجاوز حملات الانتقاد، ممن رأوا في بعض ملامح سياسته الخارجية ليونة لا يحبذونها، أو يتخذونها ذريعة لكبح تلك التوجهات. وبالرغم من وقوف أوباما وإدارته تحت استحقاق مواجهة اليمين "الإسرائيلي" الذي يبدو غير آبه بالمشاريع الأمريكية للتسوية، فإنه قد يكون مضطرا إلى الحفاظ على قدر من الضبط للأوضاع في فلسطين، بعدم تشجيع "إسرائيل" على المضي في تهديداتها إلى الحد الذي تريده؛ بما ينزع عن المنطقة بعض استقرار نسبي بدأ يتكون بعد رحيل إدارة بوش.

 

ليست هذه مفاضلة بين أوباما وبوش بقدر ما هي تلمس للفروق وللوجوه، فقد حرص أوباما أن يبدو مختلفا عن سلفه الخارج من الإدارة تظلله سُحُبُ الكراهية والازدراء، وهو ما انعكس على سمعة أميركا ودورها العالمي, وكبَّدها خسائر في اقتصادها كانت مع أسباب هيكلية في النظام الرأسمالي سببا في أزمتها المالية.

 

ومن هنا لا يتوقع في مثل هذه الظروف, وفي مثل هذا التوقيت أن تنجز إدارة أوباما اختراقات, أو تحولات دراماتيكية، وإن كان يُتوقع لها- بغير قليل من الهدوء و"الحكمة"- السيرُ نحو تلك التغيرات.

 

ومن الوجهة العَقَدية لا يُقبل من النظم الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية أن ترهن خياراتها بــ " السلام" في وقت تتعرض فيه القدس إلى تهويد واستيطان؛ أليس ذلك كافيا لتحرك جدي، أو إلى إعادة النظر؟! كما لا يقبل من تلك الحكومات العربية, والسلطة في رام الله التعويل على الرئيس الأمريكي الجديد أوباما ووعوده؛  فتطمئن إلى الانتظار؛ حتى يفرغ أوباما من قضايا أكثر إلحاحا وخطورة؛ فيما يفرض الكيان الغاصب مزيدا من الوقائع الظالمة على الأرض. فقضية مثل القدس وفلسطين لا تحتمل المغامرات والمقامرات السياسية التي في "أحسن" أحوالها لا تعدو التفريطَ بِجُلِّ أرض فلسطين المباركة, وإنشاء سلطةٍ وظيفتُها الحفاظُ على"إسرائيل" وحمايتها من أية أعمال جهادية, أو مقاومة.