المحاولات الصهيونية للاعتداء على الأقصى والسيطرة عليه
17 جمادى الأول 1430
هشام منور

عنوان الكتاب: عين على الأقصى.
الإشراف: هشام يعقوب وزياد الحسن.
الناشر: مؤسسة القدس الدولية، بيروت، طبعة أولى، 2008م.
عدد الصفحات: 135.

***

 

في الوقت الذي تغذّ فيه اليهود خُطاها ومساعيها لتهويد مدينة القدس المحتلة والسيطرة على ما في أيدي أهلها المقدسيين العرب من أراض وممتلكات، وتحويلها إلى منتجعات ومنتزهات وحدائق، بشتى الطرق والذرائع الملتوية، كما هو الحال في حي سلوان ومعاناة أهله مؤخراً من قرار إخلاء بيوتهم التي يمتلكونها منذ العهد العثماني وقبل قيام ما يسمى بدولة "إسرائيل" نفسها، فإن الغموض والإهمال الإعلامي والسياسي لا يزال يطبع المشهد المقدسي ومقدساته لجهة التعتيم على ممارسات التهويد المستمرة من قبل "إسرائيل"، وضعف الدعم المقدم بالنسبة للفلسطينيين.

 

وكتاب (عين على الأقصى)، والذي هو عبارة عن تقرير علمي موثق بالخرائط والوثائق، والصادر عن مؤسسة جديدة تعنى بشؤون القدس وأهلها ومقدساتها، هي مؤسسة القدس الدولية، يحرك المياه الراكدة في هذا السياق، ويسهم في زيادة الوعي بمخاطر الممارسات الصهيونية، وأهمية دعم صمود المقدسيين في مواجهتها، مادياً ومعنوياً.

 

يحاول الكتاب في الفصل الأول رصد الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى ضمن إطار الحفريات تحته والبناء أسفله، فيسرد تاريخ تلك الأعمال الحفرية في مدينة القدس منذ حكم والي مصر (محمد علي) منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، بدءاً من حملة (إدوارد روبنسون) الاستكشافية عام 1838م، مروراً بحملة (تشارلز ولسن) عام 1865، و(تشارلز ورن) 1867. ثم يتابع الكتاب نتائج الحفريات اللاحقة بعيد سقوط ما تبقى من فلسطين التاريخية تحت الاحتلال اليهودي، ويؤكد على كون معظم ما اكتشف من آثار يعود إلى المرحلة الرومانية أو الصليبية أو الإسلامية. وأن التقرير الصهيوني الرسمي الصادر في عام 1999م قد أقرّ بأن لا وجود لآثار الهيكل الأول المزعوم تحت المسجد الأقصى.

 

ويتناول الفصل أيضاً تفاصيل الاعتداءات اليهودية على المسجد الأقصى المبارك بالصور والخرائط التفصيلية، ومنها فتح قناة سلوان جنوب مدينة القدس "القديمة"، وبركة سلوان والطريق الهيرودياني الذي يربط منطقة سلوان بالمسجد. ثم يشرح تفاصيل الحفريات المرتبطة بما يسمى نفق "سلسلة الأجيال" و"الممر السري" و"قنطرة ولسن" و"بوابة ورن"، والتي تهدف إلى تأمين ممر آمن ومختصر للصهاينة، وتوفير حرية الحركة داخل المدينة "اليهودية" تحت الأرض، وتأمين وصول الحاخامات إلى "قدس الأقداس"- بحسب أباطيلهم- عبر طريق آمن وسري.

 

في الفصل الثاني ، يتناول التقرير بالتحليل محاولات التسلل اليهودي إلى المسجد الأقصى ومحيطه المباشر، فرغم تأكيد "إسرائيل"  تمسكها بالسيطرة على المنطقة المذكورة ، فإنها لا تزال تخشى تأسيس أي منشأة يهودية فيه خوفاً من ردة الفعل الإسلامية المتوقعة، فيما تتعاون، بالمقابل، مع غلاة المتدينين اليهود بهدف السيطرة على هذا الصرح الإسلامي من خلال استمرار مصادرة الأراضي المحيطة بالحرم الشريف، والاستمرار في عملية البناء في محيطه، وتكرار محاولات اقتحام المسجد الأقصى، وتوالي مطالبة المسؤولين الصهاينة وغيرهم بهدمه. فيما يلحظ التقرير ضعف ردة الفعل العربية والإسلامية وتراجعها عما سبق، بغية امتصاص غضب الشارع العربي والإسلامي عبر الاستهلاك الإعلامي للحدث وتمريره بين جملة الأخبار اليومية.

 

ثم ينتقل التقرير شرح ممارسات حكومات العدو وتدخلاتها السافرة في شؤون المسجد الأقصى، عبر منع أعمال الصيانة والترميم في المسجد الأقصى والمباني المحيطة به، والتدخل في أعمال إدارة الأوقاف الفلسطينية ومنعها من ممارسة أي أعمال هناك دون الحصول على إذن مسبق لا يمنحونه إلا نادراً وبشق الأنفس، ويضاف إلى ذلك الاعتداءات اليومية والمستمرة على حراس المسجد الأقصى، فضلاً عن تقييد حركة المصلين القادمين من مناطق 1967م، الأمر الذي جعل فلسطينيي عام 48 الطرف الوحيد الذي يمتلك حق الوصول إليه. إذ يمثل المقدسيون حاجز الدفاع الثاني عن المسجد الأقصى في ظل ما رصده الكتاب من وجود 18 عملية حفر تحت المسجد الأقصى وفي محيطه، وأربع عمليات اعتداء يهودي في ساحات الأقصى وباحاته، والاقتحامات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية التي وصل عددها إلى 34.

 

ويتقدم الكتاب في خاتمته بجملة من التوصيات للجهات الرسمية والشعبية ذات الصلة، فيطالب الجماهير العربية والإسلامية والفلسطينية باستمرار التحرك بشأن القدس ومقدساتها، مع ملاحظة أن فلسطينيي عام 1948 والمقدسيين، هم خط الدفاع الأول عن الأقصى. ويطالب قوى المقاومة الفلسطينية بتبني إستراتيجية مشتركة للتعامل مع القضية، والسلطة الفلسطينية بتجنب استمرار اللقاء مع العدو في القدس تحديداً. كما يدعو الحكومة الأردنية إلى الاهتمام بحراس الأقصى وتحسين أدواتهم وقدراتهم. والحكومات العربية والإسلامية بأن تعدّ مسألة تهديد المسجد الأقصى مسألة أمن قومي لا مسألة فلسطينية داخلية فحسب، وحمايته من التقسيم.

 

كما يوصي الكتاب الهيئات والمنظمات الدولية المدنية بدعم مشروعات حماية الأقصى ونصرته. ويطالب المرجعيات الدينية بالإفتاء بوجوب الحفاظ على المسجد ووجوب نصرته. والهيئات والمنظمات الحقوقية بالتعامل مع القدس والمسجد الأقصى بوصفها قضية حرية اعتقاد وعبادة، ووجوب تفعيلها في شتى المحافل القانونية الدولية. وإيلائها من قبل الإعلام أولوية في التغطية ومتابعة أخبارها. فهل تلقى تلك التوصيات طريقها إلى التفعيل؟!.