د. العثماني: ضاعفنا حجمنا في البلديات المغربية.. أعطينا نموذجاً للشفافية والنزاهة.. سيتعزز موقعنا في المدن أكثر
7 رجب 1430
حسن الأشرف




أكد القيادي ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض بالمغرب الدكتور سعد الدين العثماني في أول حوار له خص به موقع المسلم بعد الانتخابات الجماعية التي جرت في 12 يونيو الجاري أن  الفساد الانتخابي لا يزال كبيرا، خصوصا المال السياسي وتدخلات بعض المسئولين المحليين وكثرة الترحال السياسي بين الأحزاب وغيرها، مما لا يساعد على استعادة المواطن الثقة في السياسة والسياسيين".

بالمقابل، أبرز العثماني أنه لا ينبغي أن تكون ردة الفعل إزاء هذا الفساد مقاطعة الانتخابات، باعتبار أن " المقاطعة أو سلوك سياسة الكرسي الفارغ تزيد الطين بلة وتترك المجال للفساد لينتشر أكثر".

واعتبر العثماني أن نتائج حزبه الذي حقق الرتبة السادسة في الانتخابات الأخيرة تعد  "جيدة بالمقارنة مع السياق العام الذي جرت فيه، وأظهرت تجذر حزب العدالة كطرف مؤثِّـر ووازن سياسيا وشعبيا".

ولم يفت العثماني إبراز تأثيرات هذه النتائج على الانتخابية البرلمانية المقبلة بالتأكيد على أنه حيثما تعززت مواقع الحزب في تسيير البلديات والقرويات تكون حظوظه ليكون أقوى في السنوات المقبلة، وإن كان الأمر مرتبطا أكثر بقدرة الحزب على تطوير خطابه السياسية وعمله الميداني بطريقة أكثر رشدا وفاعلية وقدرة على الإقناع بإمكانياته في تدبير الشأن العام بنجاح محليا ووطنيا".

وفي الحوار مواضيع أخرى ذات صلة بالانتخابات في المغرب وموقع حزب العدالة والتنمية فيها..لنتابع:

 

الأستاذ سعد الدين العثماني، كيف تقيمون إجمالا نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة بالمغرب؟ ثم كيف تقيمون أيضا نتائج حزبكم "العدالة والتنمية"؟

 

الانتخابات في أي بلد من بلدان العالم الثالث امتحان للجميع: دولة ونخبا سياسية وناخبين.  وعلى الرغم من بعض التقدم الذي تم في المغرب طيلة العقد الأخير لكن الفساد الانتخابي لا يزال كبيرا، وخصوصا المال السياسي وتدخلات بعض المسئولين المحليين وكثرة الترحال السياسي بين الأحزاب وغيرها مما لا يساعد على استعادة المواطن الثقة في السياسة والسياسيين. والأمر يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، تترجم إلى تعديلات جريئة في القوانين الانتخابية، تعديلات تسد منافذ الفساد. فمثلا يحدد القانون سقفا لمصاريف الحملات الانتخابية، لكنه لا يشير إلى كيفية التأكد من احترام مرشح معين لذلك السقف، ولا إلى العقوبات المترتبة عن تجاوزه أو عن الكذب في التصريح بالمصاريف. وبالتالي لا يمكن إلزام المرشحين باحترام هذا المقتضى القانوني الأساس بالنسبة لنزاهة الانتخابات، وقس على ذلك شقوقا وثقوبا متعددة في القوانين الانتخابية تترك المجال مفتوحا للفساد ولا تمكن من مراقبته ولا متابعته ولا معاقبته.

ومن الأمور الجديدة في هذه الانتخابات ظهور حزب جديد أسسه ودعمه وزير الداخلية السابق فؤاد عالي الهمة، وكان العديد من الفاعلين السياسيين قد حذروا من استغلاله لعلاقاته في الإدارة والسلطة. وهو ما وقع فعلا بتبويئه المرتبة الأولى في نتائج هذه الانتخابات.

لكننا نعتبر أن المشاركة السياسية والتعبئة لإنجاح المحطات الانتخابية واجب ديني ووطني، وآلية من آليات مقاومة الاختلالات والتطور بالممارسة الديمقراطية إلى الأمام. والمقاطعة أو سلوك سياسة الكرسي الفارغ إنما تزيد الطين بلة، وتترك المجال للفساد لينتشر أكثر. لذلك فإننا في حزب العدالة والتنمية نعتبر من واجبنا العمل الجاد المستمر إلى جانب الشرفاء من مختلف الأحزاب الأخرى لإنقاذ الحياة السياسية مما يعتريها من اختلالات، ليس استعمال المال السياسي وكثرة الترحال السياسي إلا نموذجين منها.

 

هناك نوع من التضارب لدى المحللين السياسيين في ما يخص نتائج حزبكم، واحتلاله الرتبة السادسة، فهناك من يرى أنها نتائج مرضية، وآخرون يرون أن الرتبة السادسة لا تشرف الحزب..ما ردكم؟

 

تقييمنا لهذه النتائج أنها جيدة بالمقارنة مع السياق العام الذي جرت فيه وأظهرت تجذّر حزب العدالة كطرف مؤثِّـر ووازن سياسيا وشعبيا. ويظهر ذلك من خلال عدة أمور منها:

ـ أن الحزب ضاعف عدد مقاعده في الجماعات المحلية بالمقارنة مع نتائجه في الانتخابات المحلية لسنة 2003. صحيح أن ظروف 2003 بعد الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء كانت صعبة والضغوط على الحزب كبيرة لا تقاس بالجو العام المناسب لتقدمه، لكن نسبة الفوز بالمقارنة مع عدد المرشحين وقع فيها تقدم وليس تراجع.

ـ أن حزب العدالة والتنمية حصل على المرتبة الأولى في الدوائر ذات الترشيح اللائحي وهي في غالبتها دوائر حضرية يرتبط فيها التصويت أكثر بالهيئات الحزبية وبالبرامج. بينما حصلت الأحزاب الأولى في الترتيب على أغلب الأصوات في العالم القروي ودوائر الترشيح الفردي، حيث التصويت مرتبط أكثر بالأشخاص  والعلاقات العائلية والقابلية للرضوخ لضغوط السلطة ولبيع الأصوات.
- أن حزب العدالة والتنمية رجع بقوة إلى الكثير من الدوائر التي كان يسيرها أو يشارك في تسييرها في المرحلة السابقة، مثل مدن القصر الكبير ووادي زم حيث حصل على الأغلبية المطلقة التي لا تمكنه من تسييرها دون حاجة لأي تحالف. كما عاد بقوة إلى أغلب المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط حيث حصل على المرتبة الأولى، وإلى  سلا وفاس وطنجة حيث حاز المرتبة الثانية. وبذلك أصبح رقما أساسيا في التحالفات بها.

 

 

انطلاقا من نتائج الانتخابات، هناك من اعتبر حزب العدالة والتنمية بكونه حزب حضري بامتياز..حيث لم يستطع الحزب إيجاد موطئ قدم له في العالم القروي الذي يعتبر حاسما أحيانا في الانتخابات بالبلاد.. ما أسباب هذا الضعف برأيكم في العالم القروي؟

 

هذا صحيح نسبيا. لكن أين هو هذا الحزب الموجود بقوة في العالم القروي؟ فالأشخاص ذوو النفوذ به هم الذين يملكون ـ في الغالب ـ إعطاء القوة أو الضعف لهذا الحزب أو ذاك، على حسب مصالحهم وحسب رضا السلطة. ولذلك فإن أحزابا اعتبرت طيلة عقود ذات قوة في العالم القروي، انهارت به لما التحقت الشخصيات التي يعتمدون عليها بالحزب الجديد، فورث قوتهم تلك.

لكن هذا لا يمنع من أن حزب العدالة والتنمية ينمو تدريجيا في القرى، وحضوره اليوم أقوى من حضوره بالأمس والحمد لله.        

 

كيف تفسرون التجاوب الملموس للناخبين والناس في المدن خاصة مع مرشحي العدالة والتنمية..ما هي عوامل ذلك؟

 

هناك العديد من العوامل منها:

ـ أن الحزب له بلاء واضح في معارضة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة وله اهتمام بمشاكل المواطنين ومعاناتهم.

ـ أن مشاركة الحزب في تسيير عشرات البلديات أعطى على العموم نموذجا للشفافية والنزاهة والكفاءة.

ـ أن تأثير السلطة على المواطنين في المدن ضعيف جدا بالمقارنة مع تأثيرهم على المواطنين في العالم القروي، وبالتالي فلها تأثير على نتائج الانتخابات.

 

في كل مناسبة انتخابية يعبر حزبكم عن خيبة أمله في السلطة والإدارة ولعبها دورا حياديا سلبيا ضدكم..كيف تفسرون مثلا هذا التعامل؟

 

لسنا الوحيدين الذين انتقدوا العديد من الاختلالات في العمليات الانتخابية، فهو شيء سجلته أحزاب سياسية أخرى في بياناتها أو عبر صحافتها. وبعض تلك الأحزاب مشارك في الحكومة الحالية. وسجلته التقارير الصحفية طيلة فترة الحملة الانتخابية. كما سجلته تقارير عدد من المنظمات غير الحكومية التي تابعت الانتخابات. قد نتفق أن بعض الإيجابيات أدخلت في الفترة الأخيرة على القانون الانتخابي أو الميثاق الجماعي الذي تسير بموجبه الجماعات المحلية، لكن تدبير الانتخابات لا تزال فيه العديد من الاختلالات والنقائص. وأهمها تزايد استعمال المال للتأثير في إرادة الناخبين بشكل يزداد في كل استحقاق انتخابي، وفي المقابل لا تقوم السلطة بواجبها في متابعة ذلك وتكتفي بالحياد السلبي.  

 

لنتحدث الآن عن مرحلة ما بعد الانتخابات..كيف تقرأون موقع حزبكم داخل الخريطة السياسية الجديدة ؟

 

تكمن المكانة الجيدة التي حصل عليها الحزب في أغلب المـدن من أن يكون طرفا رئيسيا في تحالـفات تشكيل المجالس. وهو ما تم في العديد منها والحمد لله، إما بإسناد الرئاسة لحزب العدالة والتنمية أو بتبوئه مكانة مهمة في التحالف المسير. لكن بقي الحسم في المدن الكبرى حيث الصراع محتدم بين العديد من التحالفات المتعارضة.  وأيا كان فإن موقع الحزب قد تعزز على مستوى الخريطة السياسية وسيكون تأثيره أكبر في المستقبل.

ومن جهة أخرى سيبقى التنافس مستمرا لمدة شهرين تقريبا على رئاسة مجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجهات. وهنا تبرز التحالفات التي تنسج اليوم.

وأظن أنه اليوم مؤهل أكثر من أي وقت مضى للإسهام في تعزيز الديمقراطية ومواصلة أوراش الإصلاحات السياسية، والتوقف عن التراجعات التي تظهر بين الفينة والأخرى.

 

هل هناك تأثيرات ما على نتائج حزبكم في الانتخابات البلدية  على الانتخابات البرلمانية والتشريعية القادمة؟ هل يمكن تصور تأثيرات معينة في هذا الباب؟

 

وارد جدا أن تكون هناك تأثيرات على الانتخابية البرلمانية المقبلة. فحيثما تعززت مواقع الحزب في تسيير البلديات والقرويات تكون حظوظه ليكون أقوى في السنوات المقبلة. وإن كان الأمر مرتبط أكثر بقدرة الحزب على تطوير خطابه السياسية وعمله الميداني لطريقة أكثر رشدا وفاعلية وقدرة على الإقناع بإمكانياته في تدبير الشأن العام بنجاح محليا ووطنيا.