مفوضية الإعلام المقترحة سلاح الحكومات للسيطرة مجدداً.. حرية الإعلام العربي في خطر!!
19 رجب 1430
علا محمود سامي

ها هي انتكاسة جديدة أصبحت تواجه الإعلام العربي، فبعد مرور عامين على إقرار مجلس وزراء الإعلام العرب لوثيقة الفضائيات الشهيرة، اتفق الوزراء أنفسهم في اجتماعهم الأخير(17 يونيو2009م) على تقييد جديد لحرية الإعلام رأوه ضابطاً للتنظيم، وليس قيداً على ممارسة الأداء.

 

هذا القيد، تمثل في الموافقة على إنشاء مفوضية للإعلام العربي، بعد تكليف مجلس وزراء الإعلام العرب، الأمين العام للجامعة العربية بإعداد دراسة لإنشاء مفوضية للإعلام، وعرض ملامحها لاحقاً على اجتماع استثنائي للوزراء، يتم تحديده في ما بعد.

 

وتأتي العودة إلى الحديث عن إنشاء مفوضية للإعلام، بعد الفشل في تمرير وثيقة الفضائيات الشهيرة، نتيجة الرفض الواسع لها، وتحرك مؤسسات المجتمع المدني ضدها، إلى أن تم إسقاطها، حتى أصبحت كأن لم تكن.

 

وعلى الرغم من حالة الموت الذي أصبحت عليه الوثيقة، جاء التفكير بإنشاء المفوضية المذكورة لتطل برأسها من جديد على أجهزة ووسائل الإعلام، ليس لإطلاق حرياتها، أو توسيع هامشها، ولكن بغرض قمعي جديد وهو تفعيل وثيقة البث، التي حظيت برفض إعلامي عربي واسع.

 

وفي الوقت الذي لاينكر فيه الخبراء والمحللون أهمية تنظيم أجهزة الإعلام، ووضع مواثيق شرف لها، فإنهم ينكرون على الحكومات أن تتدخل بالطرق التي تتدخل بها، بحجة تنظيم الأداء الاعلامي، إذ تضع عادة بين السطور معاني ومفاهيم، تضمن لها عدم خروج هذه الأجهزة عن بيت الطاعة الحكومي، وعدم سحب البساط من الوسائط الرسمية.

 

وإذا كانت وثيقة الفضائيات قد سبقها دراسات قبل إعلانها، إلى أن وصلت إلى طريق مسدود بعدم إقرارها، فإن المفوضية المشار إليها، ستنال حتما المصير ذاته، بعدما شهدت الوثيقة انتقادات شتى من كافة الأوساط الثقافية والصحافية والسياسية بالعالم العربي، وبخاصة بعد أن تم الإعلان عن أن المفوضية المنتظرة ستتخذ من الوثيقة المرفوضة أساساً لها.

 

وتعيد تصريحات المسؤولين العرب بأن المفوضية لن تكون رقيباً على حرية الإعلام، إلى الأذهان التصريحات التي أطلقت قبل عامين، وحملت المعنى نفسه، عند إصدار وثيقة الفضائيات، حتى استتبعها إغلاق بعض الفضائيات كما كان الحال في مصر، الا أنه نتيجة اعتراضات على الوثيقة، لم تفلح سكاكين ذبح الإعلام في وأد الحرية، حتى عادت مثل هذه الفضائيات الى البث، فيما لم تخرج الوثيقة عن المداد الذي كتبت به.

 

والمفوضية الجديدة التي يطالب الوزراء بإنشائها، ستستهدف حسب مداخلاتهم في اجتماعهم الأخير بالجامعة العربية، احترام المبادئ الواردة في الوثيقة الاسترشادية لمبادئ تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني عبر الفضاء وعلى رأسها الحق في التعبير عن الرأي وتفعيل الحوار على أن يعرض المشروع على الاجتماع المقبل لمجلس وزراء الإعلام العرب.

 

وعليه فسوف يعمل فريق من خبراء الإعلام العرب في أقرب فرصة على وضع الدراسة الخاصة بإنشاء مفوضية عربية عامة للإعلام ونظامها الأساسي، فيما ستقوم الجامعة العربية من خلال اتحاد الإذاعات العربية بدراسة إنشاء قناة فضائية بلغات عدة لتنفيذ أهداف خطة التحرك الإعلامي العربي على الساحة الدولية لمواجهة محاولات تشويه صورة العرب في الخارج.‏

 

وكما كانت وزارة الإعلام المصرية تتصدر الدعوة إلى تطبيق وثيقة البث الفضائي، فإنها هي التي دعت أيضا إلى تكليف اتحاد إذاعات الدول العربية ليكون من ضمن مهامه البدء في مشروع المفوضية العربية للإعلام المسموع والمرئي المرتقبة، وتفعيل المبادئ الواردة فى وثيقة البث الإذاعي والتلفزيوني عبر الفضاء، "مع الالتزام باحترام الحق فى التعبير وحرية الرأى وتفعيل الحوار".

 

في ضوء ذلك كله يتضح مدى الإصرار الرسمي على العودة لهذه الوثيقة، من خلال المفوضية المقترحة، في حين لم يتم تفعيل ما هو أهم منها من قرارات، مثل توحيد الخطاب العربي الموجه إلى الغرب، وإنشاء فضائية عربية موحدة، وتعزيز التعاون بين وكالات الأنباء الوطنية, وغيرها من القضايا الإعلامية المشتركة، مع أن هذه القضايا بقيت مدرجة على جدول مجلس وزراء الإعلام العرب على مدى ثماني سنوات!!

 

والخطورة المهنية التي يتوقع المحللون أن تحملها المفوضية، تتمثل في إنشاء لجنة عربية تعنى بالرقابة على محتويات البرامج الفضائية، وما يقدم من خدمات البث الفضائي، وهو ما يعزز المخاوف من تقييد الحريات الإعلامية، ويعيد احتكار الحكومات لحقوق البث وإعادته, الأمر الذي يعيد الإعلام العربي، إلى ما قبل الفضائيات الخاصة، عندما كانت تحتكر الحكومات الإعلام المسموع والأرضي والفضائي.