مدير معهد جرائم الحرب بالبوسنة: قرار تبرئة صربيا من جرائم الإبادة في البوسنة تم باتفاق سري..صربيا ما زالت "توسعية" وتزور التاريخ
7 شعبان 1430
عبد الباقي خليفة
رغم انشغاله الشديد، ووجود وفود دولية من مستويات حقوقية وسياسية مرموقة، مسؤول عن استقبالها، وعن ترتيب لقاءاتها وتحركاتها، إلا أنه أفسح " للمسلم " جزءا من وقته الثمين للاجابة على بعض الأسئلة حول عدد من القضايا المتعلقة بجرائم الابادة، ولا سيما مجازر سريبرينتسا. وقد تطرق الدكتور اسماعيل تشاكستش في الحوار إلى الأوضاع في سريبرينتسا، والروح التوسعية التي لا تزال حية لدى الصرب، واعتراف البرلمان الأوروبي بمجازر سريبرينتسا، ومحاولة الصرب تزوير التاريخ، وفضيحة تبرئة صربيا من جرائم الإبادة، والتشكيك غير العلمي في عدد ضحايا العدوان على البوسنة وغير ذلك.
المسلم: كيف تنظرون لقضية سريبرينتسا بعد 14 عاما على مجازر سريبرينتسا؟
د. اسماعيل تشاكيتش: الوضع في سريبرينتسا صعب جدا للأسف الشديد، وذلك لعدة أسباب من بينها أن سياسة الدولة التي مارست وحرضت على الإبادة لم تتغير، والخطط التي رسمت لها لا تزال موجودة موضوعيا وفي أذهان السياسيين الصرب حتى اليوم. فالروح التوسعية لا تزال قائمة، والهيمنة الصربية على سريبرينتسا وشرق البوسنة واضح للغاية. وعلى الصعيد التعليمي لا تزال صربيا وليس صرب البوسنة فحسب يسيطرون على المدارس في سريبرينتسا، وهناك صرب من صربيا، ليسو من مواطني البوسنة يشرفون على المدارس هناك، ويمارسون تحريف التاريخ وتغيير الحقائق على الأرض. والسياسيون البوسنيون يجدون صعوبة كبيرة في التأثير على مجريات الأومور هناك. والكثير ممن بقوا على قيد الحياة بعد مجزرة سريبرينتسا لا يستطيعون العودة إلى ديارهم التي أحرقت ودمرت، وشملتها حملة الابادة التي قام بها الصرب في سريبرينتسا في يوليو 1995 م.
المسلم: قلتم أن الروح التوسعية لا تزال قائمة، وأن السياسة الصربية حيال البوسنة لم تتغير، ما مظاهر ذلك؟
د. اسماعيل تشاكيتش: كيان صرب البوسنة، الذي يسمى " جمهورية صربسكا " يعتقد أنه جزء من صربيا، ويعمل على تحقيق ذلك من خلال محاولة الاستحواذ على صلاحيات الدولة البوسنية. ودولة صربيا المجاورة تعتقد بأن كيان صرب البوسنة، جزء منها. فوزير خارجية صربيا فوك يريميتش، صرح بأن البوسنة ليست دولة. وباسم رعاية صربيا لاتفاقية دايتون، يعلن الرئيس الصربي بوريس طاديتش بأن بلاده ضد الاصلاحات المطلوبة في البوسنة، للانضمام للاتحاد الاوروبي، وحلف شمال الأطلسي. وهناك محاولات لجعل جرائم الحرب، مشتركة وليست عملا صربيا ضد البوسنة، أي تبرئة الجناة وتجريم الضحايا، لأنهم دافعوا عن أنفسهم.
المسلم: في الشهور القليلة الماضية، أعلن البرلمان الاوروبي يوم 11 يوليو، يوما لتذكر مأساة سريبرينتسا، كيف تنظرون إلى هذا القرار ؟
د. اسماعيل تشاكيتش: هذا القرار حضاري جدا، وإن كنا وددنا لو كان هناك قرار حضاري في سنة 1992 م مماثل لوقف الابادة، حتى لا يضطرون للتعبير عن حزنهم بعد الكارثة، ولكننا استقبلنا القرار الأخير بارتياح، فهناك اعتراف بحصول إبادة، وبتضمين المناهج الدراسية في الاتحاد الاوروبي، فصولا عما وقع في سريبرينتسا سنة 1995. لقد فهم أعضاء البرلمان الاوروبي أهمية السلام في هذه المنطقة، فقاموا باصدار قرار لاحياء الذكرى أوروبيا. ونحن نأمل أن يفعل المسلمون نفس الشئ في بلادهم فيكون يوم 11 يوليو من كل عام يوما للتعريف بمظلمة البوسنة عموما ومأساة سريبرينتسا خصوصا.
المسلم: ما هو موقف الصرب من قرار البرلمان الاوروبي ؟
د. اسماعيل تشاكيتش: بالطبع أسقط في أيديهم، ولم يقبلوا بذلك
المسلم: كيف تنظرون للموقف الصربي من الابادة ؟
د. اسماعيل تشاكيتش: هم ينفون حدوث إبادة، ويزورون تاريخ الحرب والمنطقة، ويكذبون على الاعلام المحلي والدولي، ويأملون أن تكون الابادة مجرد نظرية، من خلال النفي ومن خلال التقليل من شأنها. ويزعمون بأن المسلمين قاموا بجرائم حرب. مع العلم أن جرائم الابادة التي قام بها الصرب كانت تسير وفق مخطط من إعداد أكاديمية العلوم الصربية، بينما ما جرى من الجانب المسلم البوشناقي لا يعدو كونه ممارسات أفراد، لا علاقة للقيادة العليا بذلك. فالذين شاركوا في الابادة يقومون بجهد كبير لنفي ما حدث، ليحملوا الضحايا المسؤولية عن جرائمهم.
المسلم: يقوم، معهد جرائم الحرب، الذي تديرونه بدور كبير في محاربة تزوير تاريخ العدوان والابادة في البوسنة، هل يمكن أن تحدثونا عن هذا الدور, وهل حقق المعهد أهدافه  ؟
د. اسماعيل تشاكيتش: نحن نعلم أن تلك المحاولات لتزويرالتاريخ وأحداثه، لها خلفيات سياسية وثقافية تتطابق مع مخطط الابادة والآليات التي أعتمدت في تطبيق ذلك. ونحن نعمل كل ما في وسعنا لعرقلة هذه المساعي، من خلال إنشاء هذا المركز الذي بدأ عمله أثناء العدوان. ونحن نعتمد آليات البحث العلمي في التحقيقات، ونوثق ما نتوصل إليه من حقائق. وما يقوم به معهدنا ليس مهما وضروريا للبوسنة وللحقيقة الكاملة حول العدوان وجرائم الابادة التي تعرض لها شعبنا فحسب، بل ضروري ومهم للتاريخ الانساني، وللبحث العلمي، وللتحقيقات حول جرائم الحرب في مناطق أخرى من العالم. وبالنظر إلى النتائج نستطيع القول بأن المعهد حقق الكثير من أهدافه.
المسلم: قبل فترة برأت محكمة جرائم الحرب في لاهاي صربيا، من جرائم الإبادة التي تعرض لها البوشناق المسلمون في البوسنة، بما في ذلك جرائم الابادة في سريبرينتسا، الأمر الذي صدم أهالي الضحايا والكثير من المراقبين في العالم، فما الذي حدث ؟
د. اسماعيل تشاكيتش: هذا جزء من التزوير، وهو تزوير مفتوح، وحكم محكمة جرائم الحرب في لاهاي بني على التزوير وإخفاء الحقائق، وهو حكم سياسي وليس قضائي، أي قرار سياسي محض لا علاقة له بالعدالة. وكشف الحكم عن وجود دعم سياسي كبير ومؤثر لصربيا في مواقع القرار، ومن بعض الحكومات الاوروبية. وقد جاء قرار تبرئة صربيا من جرائم الابادة في البوسنة بناءا على اتفاق سري وقع لهذا الغرض. ولأن تبرئة صربيا يعني تبرئة مؤسسات دولية وحكومات أخرى كان لها ضلع في مسلسل الابادة الذي تعرضت له البوسنة، وتحديدا المسلمين فيها.
المسلم: كيف تم تبرئة صربيا ؟
د. اسماعيل تشاكيتش: تم إخفاء وثائق تدين صربيا، ونزعها من ملف شكوى البوسنة ضد، صربيا والجبل الأسود،( سابقا ) ليبدو خاليا من قرائن الإدانة، فالحكم صدر بدون النظر في تلك الوثائق، كما لو أنها غير موجودة، ولم يتم إعتمادها، وذلك ليس لعدم كفايتها، وإنما لأن إعتمادها سيؤدي آليا لإدانة صربيا. والصفقة اقتضت إبعاد تلك الوثائق في عملية قرصنة قضائية، هي بكل المقاييس عار في تاريخ القضاء الدولي.
المسلم: هل لمحاكمة فلورانس هارتمان الناطقة السابقة باسم المدعية العامة كارلا ديل بونتي،الفرنسية ، علاقة بالوثائق المبعدة، التي تتحدثونا عنها. وكذلك برفض منظمة " أمهات سريبرينتسا " استقبال ديل بونتي، قبل مغادرتها منصبها.
د. اسماعيل تشاكيتش: هناك مؤامرة تعرضت لها قضية البوسنة، في أروقة محكمة جرائم الحرب في لاهاي، بضغط وتأثير سياسي من أطراف دولية ( من بينها فرنسا ). وهناك دفع باتجاه تعميم جرائم الحرب لتشمل الضحايا. ومن العار أن توجه لبعض الناجين من محرقة سريبرينتسا تهما بارتكاب جرائم حرب، وتهديدات باعتقالهم، وذلك إمعانا في التعمية والتزوير، لمصلحة الدولة التي رتبت وشاركت في الإبادة. ونحن سنعقد مؤتمرا بمناسبة الذكرى 14 للمجزرة نتحدث فيه عن هذا العار الذي ارتكبته محكمة جرائم الحرب في لاهاي، وبعض الدول التي غوتها لهذا المنزلق السياسي الكبير.
المسلم: وماذا عن هارتمان ؟
د. اسماعيل تشاكيتش: هي الآن تحاكم لأنها كشفت اللعبة، والمحكمة لا تريد أن تعترف بوجود دعم سياسي لصربيا، كان وراء قرارها أعفاءها من المسؤولية عن جرائم الإبادة التي حدثت في البوسنة
المسلم: التزوير الذي تحدثتم عنه شمل على ما يبدو عدد الضحايا الذين سقطوا إبان العدوان وجرائم الابادة
د. اسماعيل تشاكيتش: للاجابة على هذا السؤال نحتاج ليوم كامل من الشرح. هناك ضحايا كثيرون للابادة، وهناك أنواع كثيرة من الجرائم، أسوأها القتل. وأغلب الضحايا قتلوا بالرصاص أو الذبح بالسكاكين، وهناك ضحايا قتلوا بالتجويع أو منع الماء أو الدواء عنهم. وهناك أرقام مزورة بطرق مختلفة فهناك من يتحدث عن 28 ألف ضحية فقط، وهناك من يتحدث عن 328 ألفا. الرقم الأول مزور والثاني مبالغ فيه وفق تحقيقاتنا. وفي التقرير الذي أعده شريف بسيوني كمبعوث للأمم المتحدة في سنة 1994 م يحدد عدد الضحايا ب 200 ألف ضحية. ومركز جرائم الحرب في السويد يحددهم ب 198 ألف ضحية وهما رقمان متقاربان. وهناك شخص يعمل لصالح استخبارات أجنبية ويحمل اسما بوشناقيا، ميرصاد توكاتش، ادعى أن عدد الضحايا 97 ألف فقط، وهو رقم مزور لا يصمد أمام البحث العلمي. وفي سنة 2003 قالت محكمة جرائم الحرب في لاهاي أن عدد الضحايا 102،525 وأكدت على أن الرقم غير نهائي. ونحن نعمل في هذا المجال، وغيرها مثل جرائم الاغتصاب، وجرائم النساء الحاملات اللواتي قتلن مع أطفالهن. وغيرها من القضايا.