
في تحرك غريب واستباق غير طبيعي للأحداث، أقدمت الحكومة التونسية على منع أداء شعائر العمرة والحج في هذا الموسم تحت مقولة أن انفلونزا الخنازير تهدد هذا الموسم بانتشارها وأن هذا الإجراء هو إجراء وقائي ضد هذا المرض.
ويأتي التحرك من جانب الحكومة التونسية بمنع شعائر العمرة على الأقل في وقت تجري فيه السلطات الصحية في السعودية بالتنسيق مع عدة جهات عربية ودولية الكثير من الاحتياطات الكفيلة بمنع انتشار هذا الوباء في موسمي العمرة والحج الحالي.
وفي الواقع فإن هذا التسرع في الإقدام على منع العمرة أو الحج في هذا الموسم تحت ذريعة الخوف من انتشار مرض أنفلونزا الخنازير إنما يأتي في عدة بلدان عربية وليس في تونس وحدها، فقد شهدنا في مصر مثلاً محاولات أو دعوات من جانب بعض التوجهات العلمانية لكي يمنع موسم العمرة خلال شهر رجب ورمضان، ثم يمنع بعد ذلك موسم الحج تحت نفس الشعار أو نفس الحجة.
وفي الحقيقة فإن الاتجاهات العلمانية في العالم العربي وبالذات في بلدان معينة قد دأبت في الفترات الأخيرة على الدعوة إلى منع أو الحد من أداء العمرة والحج في بلادها تحت حجج واهية متعددة، وكانت هذه الاتجاهات العلمانية تغير حججها هذه الداعية إلى تخفيض وتقليل أعداد الحجاج والمعتمرين حسب الظروف، وإنما في هذه المرة بالذات جاء وباء أنفلونزا الخنازير لكي يقدم لهم الحجة التي يريدونها.
ففي مصر مثلاً، وعلى مدى عشر سنوات أو يزيد كنا نسمع من الاتجاهات العلمانية التي تكتب في الصحف وتظهر في وسائل الإعلام دعوات متكررة وملحة إلى التقليل الحاد من أعداد الحجاج والمعتمرين تحت دعوى أن الذين يذهبون للحج والعمرة إنما يكلفون خزينة الدولة المصرية التي تقع تحت أعباء عديدة أعباء أخرى إضافية متمثلة في دعم الدولة لهذه الزيارات وللحج ودعمها أيضًا للبعثات تخرج مع الحجاج وأن كثرة المعتمرين والحجاج هي إنفاق لا داعي له ويجب توجيهه إلى نشاطات أخرى أجدى وأنفع للمجتمع مثل نشاطات الخدمات الاجتماعية المتعددة من صحة وتعليم أو نشاطات اقتصادية كالاستثمار.
وكانت هذه الدعوة العلمانية تتكرر كل موسم حج وكل موسم عمرة معروف، وتلح على هذه الحجج الواهية التي كان يرد عليها بأن هناك في البلاد مظاهر إسراف عديدة لا تعد ولا تحصى وأنه من الأجدر توجيه الانتباه إلى هذه المظاهر التي تمتد من أعمال الإسراف الحكومي إلى أعمال الإسراف في مظاهر أخرى مثل الترفيه والرياضة وغيرها.
ومع ذلك ففي هذا العام بالتحديد استغل التوجه العلماني انتشار مرض أنفلونزا الخنازير وما يترتب عليه من مخاوف روجت لها وسائل إعلام ووكالات دولية ومحلية مختلفة لكي يتوصل من خلالها إلى نفس الهدف الذي يريد إعماله منذ سنوات وهو هدف التقليل الحاد في أعداد المعتمرين والحجاج.
والواقع أن الهدف الحقيقي أو الحجة الحقيقية لدى أصحاب الاتجاه العلماني من هذه الدعوة إلى التقليص التدريجي والشديد لمؤدي العمرة والحج لا تعود إلى الرغبة في توفير التكاليف كما لا تعود بالقطع إلى الرغبة في تفادي انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وإنما هي تعود إلى هدف أساسي كان ولا يزال هو هدف التحركات العلمانية، ليس في مصر وحدها وإنما في بلدان عربية وإسلامية أخرى ألا وهو إيقاف موجة التدين والعودة إلى الإسلام والالتزام به وإظهار شعائره ومظاهره على الملأ والتي كانت تتمثل أكثر ما تتمثل في أداء العمرة والحج.
إن التيار العلماني لم يكن يصر وهو يرى تزايد أعداد المصلين في المساجد أو حتى على الأرصفة عندما تفيض بهم المساجد، وكان لا يعجبه مظاهر الصيام في شهر رمضان المتمثلة في مظاهر مثل موائد الرحمن ويشن عليها الهجمات العديدة، وكان لا يعجبه مظهر ارتداء المرأة للزي الإسلامي الشرعي والتزامها به، وكان كذلك وقبل كل شيء لا يعجبه ذلك الارتباط الدائم بالأراضي المقدسة في مكة والمدينة من خلال رحلات الحج والعمرة.
وكان دأب التيار العلماني في جميع الظروف والأحوال هو الدعوة الدائمة إلى الحد من هذه المظاهر وصولاً إلى إلغائها أو إخفائها نهائيًا، وكان دائم الغمز واللمز والتشويه في هذه المظاهر فتارة يتهمها بأنها تدل على النفاق أو أنها تدين سطحي وظاهري أو قشري لا يتجاوز المظهر إلى المخبر أو الجوهر، وتارة يتهمها بأنها إسراف ومضيعة للأموال.
وأخيرًا لجأوا إلى حجة أنفلونزا الخنازير لكي يتوسلوا بها إلى إلغاء موسم العمرة وحتى الحج في هذا العام.
إننا في الواقع لا نواجه بدعوى حقيقية تهدف إلى المحافظة على الصحة العامة كما لم نكن قبلها نواجه بدعوات تهدف إلى المحافظة على الأموال أو تهدف إلى تعميق التدين في الجوهر والمخبر والتخفيف من التدين الظاهري أو السطحي، ولكننا في جميع الأحوال والأوضاع نواجه بدعوة إلى محاربة مظاهر يراها العلمانيون تدل على انتشار التدين وانتشار التمسك بالإسلام والعودة إلى تعاليمه وشريعته ويعملون على الحد منها باتخاذ الحجج الخاوية الفارغة وآخرها حجة أنفلونزا الخنازير.