إعلان الحرب على الإسلام في مكتبة الإسكندرية
26 شعبان 1430
علا محمود سامي

في الوقت الذي ترفع فيه بعض الجهات والمؤسسات الثقافية شعار التنوير والاستنارة، إذا بها تضرب بهذه الشعارات عرض الحائط، لتصبح شعارات جوفاء، لا أساس لها من الصدقية، وتصبح بمثابة عبارات جوفاء، تلوكها الألسنة، ويلفظها التاريخ.

 

ويتعاظم ذلك، إذا كان ما تزعم هذه المؤسسات أنه حرية مطلقة للتعبير، تستخدمه في مهاجمة الإسلام، وهو الهجوم الذي يتخذ تارة شكل الحرب الواضحة والمعلنة على القرآن الكريم، وتارة أخرى على الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم.

 

على مدى يومين، شهدت مكتبة الإسكندرية مؤتمرا عنوانه "آليات الرقابة وحرية التعبير في العالم العربي"، كان هو الأول من نوعه، الذي يشارك فيه عدد من الكتّاب العرب، الذين يوصفون بأنهم أصحاب الكتب الممنوعة أعمالهم من التداول في بعض الدول العربية.

 

وتعد هذه أول مرة كذلك يلتقي فيها أمثال هؤلاء الممنوعة أعمالهم من التداول، في حين سبقتْ لقاءَهم وتزامنت معه انتقاداتٌ للمكتبة بسبب استضافتها لمثل هذا المؤتمر، وهي انتقادات جاءت من جانب تيارات "برلمانية" مختلفة بمجلس الشعب المصري.

 

ومن تلك الانتقادات الاعتراض على مشاركة السوري حيدر حيدر في المؤتمر، صاحب رواية"وليمة لأعشاب البحر" التي أثارت جدلا في داخل مصر بسبب ما فيها من تطاول بذيء على الإسلام، وتسبب نشر وزارة الثقافة المصرية لها في إثارة الاحتجاجات والانتقادات من جانب جريدة"الشعب"، التي عوقبت على نخوتها تعرضت بالإغلاق قبل عقد من الزمان.

 

وفي الوقت الذي فشل فيه المجلس الأعلى للثقافة المصري في استضافة مثل هذا المؤتمر، خشية الانتقادات التي قد تصيبه، وما قد يفهم أنه محاولة لمغازلة أعضاء منظمة"اليونسكو" ليفوز فاروق حسني، وزير الثقافة رئيس المجلس، بالمنصب المترشح له لرئاسة المنظمة الدولية، كانت مكتبة الإسكندرية صاحبة السبق في تبني دعوة تنظيم مثل هذا المؤتمر، انطلاقا من دعاوى تأكيد مسؤوليها على أنها صرح للحرية والإبداع!

 

إلا أنه مع هذه الاستضافة لوحظ غياب الطرف الآخر، وهو ما ظهر في مناقشات الحضور، والتي كانت عبارة عن مناقشات من طرف واحد، وكأن حضور هذا التيار الأحادي يخاطب نفسه، في الوقت الذي انصرف فيه كثير من الحضور ترفعاً عن متابعة النقاش الأحادي، الذي تم توجيهه للنيل من الإسلام ورموزه.

 

ولذلك كان اللافت أن المشاركين في المؤتمر، رأوا فيه فرصة لإطلاق الأراجيف تجاه الذات الإلهية، والطعن في الشريعة الإسلامية، والسنة المحمدية، وأغراهم في ظل أن مناقشاتهم، خلت من حضور أي تيار أو اتجاه يخالف آرائهم، ما كان فرصة لهم لإطلاق العنان لما أسموه حرية للفكر والإبداع.

 

وشهدت المناقشات هجوما حادا على الأزهر الشريف، ووصف المشاركين له بأنه مؤسسة سياسية، في صورة دينية، وذلك لدوره في الرقابة على الأعمال الإبداعية، التي تتعرض للدين الإسلامي.
وزاد المشاركون في توجيه النقد الموجه للأزهر. زاعمين بأن الأزهر الشريف أصبح أداة طيعة للسلطة السياسية، وأن الحكومة المصرية تستعين بمجمع البحوث الإسلامية لإبداء رأيه في بعض الأمور وقتما تشاء، "على الرغم من أن فتاوى المجمع غير ملزمة، وتطوعها السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية بما يخدم أهدافها".

 

ولم يسلم جميع الدعاة من اتهامات ظالمة، حملها معهم "الممنوعون" من بلادهم عبر آلاف الأميال إلى مكتبة الإسكندرية، عندما زعموا بأن الدعاة يصدرون إلى العامة الفتاوى العشوائية، "وأنهم صاروا دعاة فضائحيات"، في إشارة إلى ظهور الدعاة على شاشات الفضائيات.

 

وإذا كان النقد موجها إلى الدعاة ومؤسساتهم الدينية، فإن الأمر قد يكون فيه نقاش، إلا أن خطورة ما كانت المكتبة شاهدة عليه، وداعية إليه، هو ذلك الهجوم على الشريعة الإسلامية من جانب الحضور، ومطالبتهم النظام المصري بإلغاء المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن "الشريعة الإسلامية، هي المصدر الرئيسي للتشريع".

 

ولم يتوقف لسان حالهم عند هذا الهجوم فحسب، بل تجاوز نقدهم إلى الذات الإلهية نفسها، عندما راح المشاركون يسوقون أفظع الافتراءات على الخالق جل في علاه، وفق ما ورد في نصوص قصائدهم المزعومة، التي روجوا لها من فوق منصة قاعة المؤتمرات بالمكتبة!!

 

وعلى هذا النحو من هذه الافتراءات صارت جلسات المؤتمر، الذي استغله المشاركون في ترديد عبارات رأوها حرية للتعبير، وهى في الأساس أباطيل، وتغيير وتبديل لشرع الله، عندما دعت إحدى المشاركات من الكويت إلى معاقبة كل من تسول نفسه الزواج بأكثر من زوجة، وزادت على ذلك داعية إلى الفجور المعلن تحت اسم" تعدد الأزواج"، كما كانت قدوتها في ذلك، تلك العجوز الشمطاء في مصر، التي تدعي حرية الفكر والعقيدة، وتدعو إلى نسبة الأبناء إلى أمهاتهم، وليس إلى آبائهم.

 

كما كانت جلسات المؤتمر شاهدة على توجيه اتهامات باطلة إلى الآيات الكريمة التي تحض على الجهاد والقتال في القرآن الكريم، وتعاليم السنة النبوية الشريفة، عندما اعتبر المشاركون التوجيهات النبوية بالأكل باليمين ودخول الخلاء باليسار، واللبس باليمين، من الأمور الظاهرة، التي لا تناسب – على حد صفاقتهم- العصر الراهن وتطوراته الحضارية.

 

والأكثر غرابة، أن تنظيم المؤتمر استبقه منح جوائز مادية لعدد ممن تعتبرهم وزارة الثقافة المصرية مبدعين ومفكرين، وهم في الحقيقة لا يقيمون إلا بما كتبوه من كتب، وصف فيها بعضهم القرآن الكريم بأنه "سوبر ماركت" يأخذ منه ما يريد، ويرفض فيه ما يشاء، فضلا عن تطاول البعض الآخر على النبي الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم.

 

كل ذلك يجعلنا نتساءل: لمصلحة من يتم المساس بالذات الإلهية، والنيل من الشريعة الإسلامية، والطعن في نبي الأمة، صلى الله عليه وسلم، ومهاجمة الدعاة، وكل من يساعد على نشر الدين، وعلى الأقل نشر الفضيلة؟

لاشك أن الإجابة يعرفها أصحاب هذه الاتجاهات، ويدركون أنها حتما لابد أن تكون لدى المؤسسات الغربية، التي تأخذ أمثال هؤلاء بعين الرعاية، فتشجعهم تارة، وتحتضنهم تارة أخرى، فتغدق عليهم الأموال، وتمنحهم الجوائز، ما يجعلنا – بحق - أمام حملة على الإسلام ورموزه، تجاوزت "العالمية"إلى المحلية!