ديوان الفرقان: قصائد مقاتلة أطلقتها مدافع الشعراء في ملحمة غزة 2009
18 رمضان 1430
المسلم - خاص

ديوان الفرقان: قصائد مقاتلة أطلقتها مدافع الشعراء في ملحمة غزة2009
جمع وإعداد وتحرير: الدكتور أسامة الأشقر
الناشر: مؤسسة فلسطين للثقافة
الطبعة الأولى – 2009

***

وملحمة الفرقان في غنى عن التعريف، فهي تلك التي سطّرها الأبطال المجاهدون في قطاع غزة الباسل، بثباتهم المذهل في وجه جيش العدو المدجج بأعتى الأسلحة وأشدها فتكاً، فعجز عن احتلال القطاع من جديد، بالرغم من محاصرة غزة على مدى بضع سنوات سبقت العدوان، وغياب كل سلاح فعّال، باستثناء اسلحة فردية بدائية، لكن الأيدي التي تصوّبها إلى صدور الغزاة أيدٍ متوضئة، وراءها قلوب مؤمنة لا تخشى إلا الله عز وجل.

 

الدكتور أسامة جمعة الأشقر بارك الله سبحانه في جهوده القيمة، إذ رصد جميع ما نُشِر من نصوص شعرية تخلد ملحمة غزة، في أثناء الملحمة وما بعدها، فقد كان الأدب والفن مواكباً لهذه الملحمة، وحملها كما حملته، واستطاعت هذه الملحمة أن تؤجج المشاعر وتطلق القرائح، لإنتاج العمل الأدبي من خلال الشحن الوجداني الرائع.

 

يقول المصنف عما وجده في هذا العطاء البهي:
(.....كانت الدهشة أكبر من أن أسجلها بالكلمات: آلاف القصائد العمودية الخليلية، وآلاف قصائد التفعيلة، وآلاف قصائد النثر الحر، وآلاف المحاولات الشعرية الشبابية، وآلاف الأزجال الشعبية، وآلاف التسجيلات الطفولية الصغيرة بما يسمونه الشعر في أول تشكيلاته النفسية المحدودة الأبعاد الفنية والواسعة الشعور العاطفي... مما يصلح أن نفرد لكل فن من هذه الفنون كتاباً توثيقياً، عند ذلك تعقدت الأمور وأدركت أنني بحاجة لبناء منهج متوازن لأستطيع تسجيل الظاهرة الأدبية التي انتشرت على امتداد الوطن العربي الكبير وامتداد الأمة الإسلامية فكانت هذه الاجتهادات الصعبة في مرحلتَي الجمع والإعداد:
• متابعة قنوات الإنتاج الأدبي المتاحة.
• تسجيل أنواع الشعر العمودي والتفعيلي والحر كافَّةً وجمعه.
• تغطية مساحة الوطن العربي كله في عملية الجمع والتسجيل.
• غربلة هذا الإنتاج الأدبي واختيار ما أراه قادراً على تقديم صورة الظاهرة الغزية في الأدب العربي المعاصر وفق منهج يعتمد اللغة المفردة والمركبة، والمعنى والفكرة، والصورة والخيال، والإحساس والعاطفة، والإيقاع والموسيقى.

 

وفي مرحلة الجمع كان لابد لي أن أطوف بالمتابعة على المؤسسات الثقافية والأدبية العربية النقابية، مثل اتحاد الكتاب والأدباء العرب، واتحاد الكتاب العرب، والاتحادات الأدبية القطرية، والروابط والجمعيات الأدبية الإلكترونية، والمجتمعات التدوينية الأدبية على الشبكة العنكبوتية....

 

وكان لابد من الوقوف على المجلات والجرائد العربية التي تعطي مساحات للشعر على صفحاتها، وهي المرحلة الأشق والأصعب لكثرة هذا الصنف واتساع رقعته الجغرافية وتعذر الوصول إلى الكثير منه).

 

ووجد الرجل أنه أمام مادة شعرية ضخمة جَعَلَتْ من ملحمة غزة موضوعاً لها، فإذا هو بين خيارين: حشد كل ما كتبه الشعراء عن القضية فينتهي إلى مادة ضخمة يختلط فيها الغث بالسمين، والممتلئ بالفارغ، والحسن بالقبيح، أو الاقتصار على الإنتاج الجيد والمتوسط وهو الخيار الذي تبناه في ديوان الفرقان، فهو الشعر الذي اتخذ من غزة موضوعاً له في كل قصائده، وهو الشعر الذي تحدث فيه شعراء العرب من المحيط إلى الخليج بكثرة، وهو الشعر الذي حمل خصائص فنية مشتركة نتيجة الوحدة الموضوعية له.

 

ثم عمد المصنف إلى قراءة حصيلته بمنظار نقدي علمي، فرسم الخصائص العامة لظاهرة صمود غزة في الشعر العربي، وهي:

أولاً: الوحدة الموضوعية

كانت غزة هي موضوع القصائد، وكان يعبر عنها بصراحة ووضوح غير ملتبس، وأما الخطوط الكبرى لهذه الوحدة فهي تتألف من: شدة الحصار – عظم الفاجعة بكثرة الدم - خذلان الحكام لأهالي غزة – التعجب من روح التضحية ولغة الصمود والسلوك الصامد بالقول والفعل لدى أهل القطاع كافَّةً في هذا الظرف – تمجيد المقاومة والتأكيد على حتمية انتصارها في مواجهة البغي والظلم – وإبداء تضامن الأمة مع غزة....

 

واللون الطاغي في هذه الوحدة الموضوعية هو اللون الأحمر القاني المصطبغ بالدم العبيط الدافئ، واللون الآخر الحاضر بقوة أيضاً هو اللون الأسود الذي يلف دائرة المعتدي الصهيوني، ومواقف بعض الأطراف العربية التي خذلت هذا الشعب في محنته رغم قدرتها على نصرته، ويبدو اللون المشرق قليل البزوغ إلا في لحظات تصوير بشائر النصر وإطلاق الأمل في مواجهة الظلمة الكالحة.

 

ويقتنص الديوان تأثير صمود غزة في رفع معنويات الأمة، وقهر بوادر القنوط، وجمع مشاعر الأمة كلها واستعادتها ثقتها بنفسها، فأصبحت غزة موطن الطهر والنقاء ومحل الاعتبار، وغزة تصنع تاريخاً جديداً لها ولأمتها، وغزة هي فصل الخطاب، وفتح الفتوح، وهي اليرموك وحطين وأجنادين تطل علينا مجدداً.

 

ثانياً: الملحمية

كان للصمود الرائع أثره في تفجير الوجدان العام، فعادت ظاهرة المطولات في القصائد العمودية وفي قصائد التفعيلة، وهي مطولات درامية في أكثرها توثق للحدث شعورياً وصورياً وأسلوبياً، بنفَسٍ روائي ونطاقات حكائية، مع إعلاء شأن العاطفة في إطار الفلسفة الدينية المبنية على الصبر والتضحية والفداء والاعتزاز والإيمان بالقضاء والقدر، ورغبة في تدوين الحكاية التاريخية لهذه المحطة الفاصلة مع دعائية عالية، واستئناف الملحمية في الشعر العربي ظاهرة مهمة تستأهل التثبيت والوثيق، وإن كان يؤخذ عليها أنها لم تستطع إعادة إنتاج الحدث في صورة فنية تخييلية أرقى، وسبب ذلك أنها كُتبت في خضم الأزمة وآنيّة الصورة ومباشرتها، كما ارتفعت الحاجة إلى استخدامها في المنابر الجماهيرية مما اضطرها للتجاوب مع ثقافة الجمهور العامة.

 

لكن ذلك لم يدفع القصيدة للهبوط بمستواها بل استطاعت إعادة تقديم الفخامة اللغوية، والجزالة اللفظية، والتراكيب الماضية في محاولة لدمج المجد الحاضر بالماضي لبناء التواصل بين الأمجاد السابقة واللاحقة.

 

والتعبير عن هذا البناء الملحمي اتخذ شكلاً إيقاعياً متماسكاً تشيع فيه البحور الطويلة والمتوسطة وتقل فيها البحور القصيرة أو المشطورة، فمثل هذا البناء الملحمي الهرمي يحتاج إلى امتدادات واسعة من اللغة والعاطفة ليعبر عن مراده.

 

ثالثاً: العاطفة الجياشة

امتزجت الغنائية الذاتية بالجماعية الملحمية في تناغم وائتلاف، بل تلبّست حالة الآخَر في غزة بعاطفة الشاعر، وسكنته، وعاشت معه بتفاصيلها غليانها، فأطلقت مشاعر احتجاج حادة ممزوجة بشحنات غاضبة ثورية تتجاوز في بعض أمثلتها حدود النقد إلى التجريح القاسي والسب المقذع والسخرية، فاضطر الناقد المصنف إلى حذفها لكنه أبقى ما قبلها وما بعدها من أبيات مقبولة.

 

وكانت هذه العاطفة متأثرة بشدة وعنف بالصورة الحية - بالدم والموت والدمار – كما تأثرت كثيراً بالثقافة الدينية، لذلك مالت إلى التقريرية والمباشرة في كثير من أبياتها دون أن تغيب المقامات الفنية التخييلية فيها.

 

ولكن هذه العاطفة الجياشة كانت مصابة بحالة من العجز والإحباط المفضي للكآبة أحياناً من فداحة الخطب وشيوع الدم واختلاط أحشاء الأطفال والنساء بالرماد وبقايا الدمار، بينما تمنع الظروف والحدود القيام بواجب النصرة والنجدة وإغاثة الملهوف والمرعوب، لذلك تَسُودُ اللغة الاعتذارية في كل القصائد تقريباً مع الاعتراف بالتقصير والعجز، وتقريع الذات.

 

رابعاً: الواقعية الوصفية

كانت قصائد الديوان ثمرة الصورة التلفزيونية الكثيفة، ووليدة المتابعة اللحظية للحدث بتطوراته وامتداداته، ولذلك فقد اتسمت بالواقعية الوصفية، لذلك تجد أسماء الشهداء والقادة وأبطال الملحمة وضحاياها ولاسيما من رموز القادة والأطفال...، وتجد أسماء البقاع التي تدور فيها الأحداث: المدارس والأحياء والمناطق والمعسكرات والمناطق الحدودية والقرى المحاذية للخط الأخضر، كما تجد أسماء من وقفوا مناصرين للمقاومة ومن خذلوها....
كما أن الطراز الملحمي يستعرض الدراما اليومية المتجددة بكل تفاصيلها المتخيلة لكثرة النماذج الواقعية المرصودة إعلاميًّا.

 

وجاء استحضار التاريخ كجزء من التوقيع الواقعي لتأكيد المماثلة والمشابهة بين العصور التاريخية، فجرائم اليهود في غزة هي جرائم بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير، كما أن الانتصار عليهم اليوم في غزة أشبه بالانتصار على أسلافهم بالأمس، ثم استحضار ذاكرة الملحمة الفلسطينية منذ تفجر الصراع بمراحله المختلفة مروراً بنكبة الأمة في سقوط العراق بيد المحتل الأمريكي، واستدعاء حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي في وجه بوش الصغير من جديد ليصطف مع الرصاصة والدم والحجر لاستعادة الكرامة. 

***

وقد قسّم الأشقر هذا العمل إلى قسمين: القسم الأول للقصائد العمودية ذات الروي الواحد، وقد رتبه على حروف المعجم باعتبار الرويّ، والقسم الثاني يجمع بين القصائد العمودية المتعددة الروي، وقصائد التفعيلة.
وقام بترجمة كل شاعر ترجمة موجزة حرص فيها على بيان جنسيته، تأكيداً لتفاعل الأمة مع هذا الحدث الكبير على امتداد الوطن العربي الكبير.

كما تعمد إيراد ما استجاده من شعر للشيوخ والشباب والنساء لإبراز التنوع بحسب الجنس والسن.

 

ويقول الناقد الكريم: إن هذا العمل الذي أضعه بين يدي القارئ قام به معي ثلة كريمة من الأصدقاء الذين لم يبخلوا عليّ بالبحث أو الإرشاد إلى مظان الشعر حيث كان، فلهم الشكر جزيله، وأخص بالذكر أخي الدكتور موسى إبراهيم أبو دقة الأستاذ في قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة الأقصى في قطاع غزة الذي انضم إلينا في المراحل الأخيرة للعمل فانتفعنا بما جمعه من مادة غزيرة لم تكن مصنفة حينها أو منتقاة فيها السمين وفيها الغث وفيها الهزيل المتروك، وأضفنا مما جمعه بعض القصائد التي لم تثبت عندي، وأشكر له تواصله معنا وتقديم مادته المجموعة لنا كما اطلعت على ما جمعه الأديب الأستاذ برهان الشليل من مدينة تدمر السورية عن أشعار غزة قبل إنجاز نسخة الطباعة من هذا الكتاب فوجدت معظم ما انتقيته مستوعباً، ولا يفوتني شكر أخي الأديب الشاعر النحوي مأمون مباركة على تفضله بمراجعة هذا الديوان مراراً، ثم تطوعه لتقطيع القصائد وإضافة كل بحر إلى قصيده، وأشكر له ملاحظاته النقدية الفاحصة التي انتفعت بها كثيراً.