كل "إمام" ينضح بما فيه*
26 شوال 1430
د. نهى الزيني

ذاك الذي فاضت ينابيع "سماحته" حتى نهل منها القاصي والداني بدءاً بالإفتاء بأن التعامل الربوي البنكي الذي أجمع كبار العلماء المعتبرون على حرمته إنما هو حلال شرعاً! مروراً بتسامحه مع وزير الداخلية الفرنسي – ساركوزي وقتها – حين جاءه مشفقاً من غضبة العالم الإسلامي يستشير كبيرهم – الإمام الأكبر بزعمهم - عن إمكانية منع الزي الإسلامي في المدارس الفرنسية فسمح له بأن يضيق على المسلمات كيفما شاء في مأمن من اعتراض الأزهر ورجاله وذلك في لقاء شهير اتسم بما عُرف عن "فضيلته" من تسامح لامثيل له، وصولاً إلى اعتزامه السفر إلى الفاتيكان ليحظى بشرف المثول في حضرة البابا بعدما استهل رعويته بسب الدين الإسلامي ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إلى تلك الوقفة المستخذية مع العدو الصهيوني حين امتدت يداه الاثنتان تعانقان بكل التسامح والمودة يد السفاح بيريز الملطخة لتوها بدماء إخواننا الفلسطينيين، وليس آخرها صمته المطبق إزاء المذابح الصهيونية في غزة الصامدة ولا الخرس الذي أصابه فلم نسمع له صوتاً يندد بالعدوان اليهودي على المسجد الأقصى إلا مايسمح له به النظام الذي أتى به ليضعه رغم أنوف خيرة علماء الأزهر فوق واحد من أعلى المنابر في العالم الإسلامي مكافأة له على تسامحه مذ كان مفتياً مع كل مايفعله النظام وقدرته على تبرير كل خطاياه والإشادة بمظالمه بمبالغة فجة تبدو إلى جانبها مواقف بعض العناصر المكونة للنظام وكأنها صادرة عن المعارضة.

 

ذاك الذي تخرج نبراته المملة الرتيبة المتصنعة المستخذية أمام الجبابرة، ذاك الذي يأمر بالتسامح مع كل فاسد فاجر سفاح ومع كل فاسدة فاجرة مائلة مميلة، ذاك الذي لم نعرف له موقفاً واحداً إلى جانب الحق، ذاك الذي تنفرج أساريره وتنحني قامته أمام كل صاحب سلطان، ذاك الذي يتسع صدره لذبح المسلمين ولانتهاك الأعراض وللتطاول على دين الله وسب رسوله لم يتسع صدره لصبية غضة تدرس بالصف الثاني الإعدادي بأحد المعاهد الأزهرية شاء حظها العاثر أن يطالعها فضيلته ذات يوم أغبر بوجهه "الصبوح" وأن تنهل من فيض سماحته ورحمته وعلمه واتزانه ماهو كفيل – وربي – بأن يجعلها لاتكره الأزهر فحسب بل تكره الدين الإسلامي الذي يمثله – بحسب معلوماتها البسيطة – هذا الرجل...

 

كان "سماحة" الإمام الأكبر يرافقه وفد من رجال الأزهر في جولة تفقدية للمعاهد الأزهرية حين صدمه منظر التلميذة الصغيرة ترتدي النقاب داخل الفصل فانفعل عليها وصاح بها غاضباً آمراً أن تخلع النقاب، ولما امتثلت الصبية لأمر الكبير فأزاحت نقابها عن وجهها الغض وهي ترتجف رعباً إذ بكبير المتسامحين يضحك في سخرية واستهزاء وهو يوجه حديثه إليها على مسمع من مشايخ الأزهر ومعلماتها وزميلاتها من الفتيات قائلاً: "لما إنت كده أمال لو كنت جميلة شوية كنت عملتي إيه؟"، هل بإمكان أحد أوتي ذرة من إنسانية أن يتصور مدى وقع تلك الكلمات الصادمة على فتاة صغيرة تخطو خطواتها الأولى في عالم الأنوثة تفرحها – كسائر الفتيات من خلق الله – كلمات الثناء على ملاحتها ويشقيها أيما شقاء بل يدمر نفسيتها أن يصمها أي شخص بالقبح فما بالكم لو كان هذا الشخص هو الإمام الأكبر وفي محفل من حاشيته الأجلاء الصامتين؟ لم يكتف "المتسامح الأكبر" بما ارتكبته شفتاه من جرم بحق صغيرة بائسة كل جريرتها أنها تشبهت بأمهات المؤمنين أو أنها أرادت أن تطبق أحكام الدين – كما وعاه اجتهادها أو اجتهاد ذويها – فلم يرد أن يترك الجثة التي طعنها دون أن يمثل بها بإهانة والديها وهو مطمئن إلى أن الصغيرة تنتمي لأسرة بسيطة لاتضم ذوي نفوذ وسلطان فأردف قائلاً: "ان النقاب لاعلاقة له بالإسلام وأنا أفهم في الدين أكثر منك ومن اللي خلفوكي"!! ناسياً أوجاهلاً أن رُب أشعث أغبر لايؤبه له لو أقسم على الله لأبره.

 

لا أظنني في حاجة إلى مزيد من التعليق على تلك الجريمة الكاملة التي اقترفها شيخ الأزهر في حق صبية غضة تقية حلوة بسيطة، ولا أظن الحديث إلى مثل هذا الرجل الفظ غليظ القلب بذي جدوى ولكني أستحلف بالله كل قارئ يعلم بمكان هذه الضحية المسكينة أن يدلني عليها لكي أتوجه إليها من فوري فأضمها إلى صدري وأخفف عنها وأعتذر لها عن تخاذلنا جميعاً أمام أفعال هذا "المتخاذل الأكبر" ومن يتولى حمايته ولكي أعلمّها أن القبيح حقاً هو من تلفظ بتلك العبارات القبيحة التي كشفت عن مكنون الإناء الذي نضح بها، ولكي أقول لها بصدق أنها هي الجميلة الجميلة لأنها أرادت التشبه بأجمل نساء الأرض وأطهرهن...

 

بقي سؤال واحد أوجهه إلى ذلك الوفد الأزهري المبجل الذي رافق الشيخ في جولته البائسة والذي وقف أعضاؤه صامتين أمام تلك الجريمة الشنعاء، أقول لهم: ياقوم أليس منكم رجل رشيد؟

 

________________

* د. نهى الزيني، (المصريون): بتاريخ 6/10/2009م.