الأزهر ومشيخته بين عصرين!!
23 شوال 1430
منذر الأسعد

"المؤسسة الدينية"مصطلح مستورد من الغرب اللاديني (العلماني بحسب الشائع)،فالدين هناك ضد الدنيا،وهي ثقافة منحرفة ذات جذور كنسية!!وهنا تكمن المفارقة،فالعلمانية كانت ثورة على تسلط الكنيسة،وعندما نجحت في سحب سلطاتها عن السياسة وأزاحت قبضتها عن العقول،رسخت الفصل الحاد بين الديني والدنيوي.وهي في الحقيقة ألزمت القسس بما سبق لهم أن نسبوه إلى المسيح عليه السلام في الأناجيل المحرفة: دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر!!

 

هذا التوضيح ضروري جداً لكي يكون عامة الناس على بينة من أنه ليس في الإسلام مؤسسة دينية بالمعنى الشائع على يد التغريبيين لأسباب لا تخفى على أهل الرأي.
وهو احتراز مهم في القضية التي نناقشها هنا،وهي مكانة الأزهر في العالم الإسلامي،ولا سيما بعد حادثة الأسبوع الماضي،عندما ثار شيخ الأزهر د.محمد سيد طنطاوي على طالبة في المرحلة الإعدادية من التعليم الأزهري،لأنها منتقبة،وأجبرها على نزع نقابها،ومع ذلك استمر في سورة غضبه فقال له: " أنا أفهم في الدين  منك ومن اللي خلفوكِ".وأهان الفتاة الغضة وجرح إنسانيتها بقوله"لما إنتِ كدا متنقبة أمال لو كنتِ جميلة شوية عملتِ إيه"!!!!!!!!!!!
والمعنى بالفصيحة: أنتِ غير جميلة وتنتقبين  فلو كنتِ جميلة قليلاً ماذا تفعلين!!

 

وقد أثارت هذه التصرفات العجيبة من الرجل غضباً واستهجاناً واسعين في المجتمع المصري بمختلف شرائحه،بل إنها استفزت بعض العلمانيين من دعاة حقوق الإنسان الذين دافعوا عن التلميذة المسكينة من باب الحرية الشخصية التي لا يحترمها الشيخ-في ما يبدو-إلا إذا كانت سفوراً وتهتكاً.

 

والمتأمل في الموقف،يستفظعه لمجرد أن يبدر من مدرس،فكيف بشيخ الأزهر،الذي يُفترض به أن يكون قدوة في قوله وفعله .ولو افترض المرء جدلاً أن النقاب محرم شرعاً حرمة مغلظة،لوجب في مثل هذه الحالة أن يكون الإنكار على فاعلته بالكلام الطيب والوعظ الحسن!!فكيف وعلماء مصر مختلفون فيه ما بين الفرض والاستحباب في أضعف الإيمان؟

 

لكن المرء ذا الذاكرة المعقولة لا يدهشه نفور طنطاوي من النقاب،لأنه يذكر "تطوع" الشيخ قبل سنوات لتأييد ساركوزي في حربه على الحجاب-حتى للا غطاء للوجه-عندما كان الرئيس الفرنسي وزيراً للداخلية في بلده ومتخصصاً في إيذاء المسلمين من دون مواطني فرنسا والمهاجرين إليها من كل صنف ولون!!

 

لقد كان الأزهر على مدى ألف سنة منارة للعلم ومنطلقاً لقوافل الدعوة إلى الله،حيث كان جامعة علمية رائدة،وكان العلماء الكبار هم الذين يختارون أفضلهم علماً وأعطرهم سيرةً لمنصب شيخ الأزهر.ولذلك كان الأزهر يومئذ منطلق الجهاد ضد الغزاة والظالمين.

 

لكن هذا الصرح البهي بدأ يذبل منذ اعتبره الحكام العلمانيون جزءاً من "مؤسسة دينية"،جعلوها في خدمة أغراضهم،وحولوا قياداتها إلى موظفين يأكلون من مطبخ السلطان ولذلك وجب عليهم أن يضربوا بسيفه!!!وما يؤلم أكثر أن النظم التغريبية التي استأسدت على الأزهر،لم تستطع أن تقترب من الكنيسة القبطية التي ما زال رهبانها هم الذين ينتخبون رئيسها"البابا"،وليس للدولة غير اعتماده من الناحية الشكلية فحسب!!

 

والمؤسف أن الأزهر لم يهبط إلى الوضع الحالي،حتى بعد تأميمه في عهد عبد الناصر واغتيال دوره.فقد ظل لشيخ الأزهر مكانة محترمة وظل سمت أكثر شيوخه سمتاً معقولاً ولو في نطاق السلوك الشخصي على الأقل.

 

فالشيخ الحالي يتصف بسلاطة اللسان وسرعة الهياج واستعمال ألفاظ غير لائقة، فضلاً عن مصافحته عدو الله شيمون بيريز واستقباله حاخامات يحملون جنسية كيان الصهاينة الغاصب لفلسطين. ويأخذ عليه مخالفوه قوله في ذروة العدوان اليهودي على غزة: هو غزة فيها إيه؟