الإعلام الإسلامي.. مشكلات في خط المواجهة! (1-3)
26 ذو الحجه 1430
خباب الحمد

يواجه الإعلام الإسلامي مشكلات خطيرة في طريق عمله الشاق لتوعية العقول، وصياغة الأفكار، وتشييد البناء العقائدي والثقافي والحضاري للأمَّة المسلمة، ويمكن القول: إنََّ هذه الإشكاليات أو المشكلات بعموم ألفاظها اللغوية الجائزة، ليست عامة على وجه الإطلاق في إعلامنا الإسلامي بل قد تكون هنالك مشاكل لدى بعض الوسائل الإعلامية المتاحة فتختلف هذه المشاكل من وسيلة إعلامية إلى غيرها من ضروب الإعلام باختلاف أنواعه.

 

والإعلام بعامة سلاح خطير للغاية، وقد سمَّاه كثير من أهل الشأن بالسلطة الرابعة، بل كان (هيغل) يقول معظِّماً لشأن الإعلام: (الصحيفة هي الصلاة العلمانية الصباحية للإنسان الحديث!)؛ وهو حديث شخص ملحد، إلاَّ أننا نلحظ أنَّ غالبية المسلمين اليوم يقومون في الصباح الباكر وبعد أداء صلاة الفجر؛ بمطالعة الصحف والجرائد، أو مشاهدة مواقع الإنترنت، أو متابعة القنوات الفضائيَّة لسماع الأخبار، والاهتمام بجديد اليوم من خلال هذه الوسائل الإعلامية.

 

ولأنَّ الإعلام فتح كبير في زمن العولمة؛ فإنَّ على روَّاده من المسلمين استغلاله للتأثير على الناس ومواجهة التحديات المعاصرة، وعليهم أن يستصحبوا معنى كلمة: (الإعلام الإسلامي) لكي يفلحوا وينجحوا، ولكي لا يكونوا عرضة للتنازلات والضغوط التي تهوي بهم إلى جرف هار!

 

وبما أنَّ الأصل في الإعلام الإسلامي أن يستقي جميع أموره وتعاليمه من الشرع الإسلامي، ومقاصد الشريعة، مع فقه الواقع الحياتي وخبرات الناس وتجاربهم بما لا يتناقض و ثوابت الإسلام عقيدة وقيما؛ فإذا كان ذلك كذلك لزم صناعة بديل حيوي وفعَّال وإيجابي يجذب الأبصار لمشاهدته ومتابعته.

 

إنَّ من الممكن أن نؤكد من خلال متابعتنا للمسيرة الإعلامية للإعلام الإسلامي أنّهَ يتطور يوماً بعد يوم، ويكتسب الخبرات، ولنتحدث على مستوى الفضائيات والإذاعات والصحف، فقبل ثلاثة عقود من الزمان، كانت المجلات الإسلاميَّة تعد على الأصابع، وكذا الإذاعات الإسلاميَّة، وأمًّا الفضائيات فلم يكن هنالك إعلام فضائي إسلامي ملتزم ومحافظ!

 

ومع هذا كله فإنَّ مسيرة الإعلام الإسلامي محفوفة بالمخاطر، وأمامها عقبة كؤود، فالإعلام الإسلامي يمشي في طريق مؤلم وشاق مع تعرضه للمخاطر، ولكنه بجهود الصالحين، وعمل المخلصين من أبناء الأمَّة، وملازمة الرقي والإبداع وصناعة الأفكار الجميلة والرائعة يتحسن الحال، ويصلح الوضع وترتقي المنظومات الإعلاميَّة الإسلامية بكينونتها الفكريًَّة.

 

لقد قال (بيل جيتس) رئيس شركة مايكروسوفت وأحد كبار المشتغلين بالتقنية في مجال الحاسب الآلي: (من يسيطر على الصورة، يسيطر على العقول)، وما دام أنَّ الإعلام الإسلامي يريد التأثير على العقول وجذب الناس إليه، فعليه أن يكون على مستوى التحديات التي تواجهه، ويصنع من الأزمة مخرجاً، ومن الصعائب حلولاً.

 

لنضرب مثالاً واقعياً على ذلك فقد كشفت صحيفة(كريستيان ساينس مونيتور)الأمريكيَّة في مقال لكاتبها (هوارد لافرانشي) وذلك في يوم الخميس الموافق 6/8/1429هـ أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أغلقت ملف: (تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكيَّة في الخارج) وبدأت في تبني سياسة جديدة تعتمد على إبراز صورة المسلمين في صورة "المتطرفين" كمحاولة من الإدارة لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، مع استخدام ألفاظ أكثر تشدداً تجاه المسلمين وتصويرهم دائمًا في صورة "المتطرفين" كمحاولة من إدارة بوش لتبرير حروبها ضد المسلمين في العالم، وتقضي الخطة البديلة بالإعلاء من شأن محاربة ما يسمى بالتطرف الديني على حساب الحوار.

 

وبغض النظر عن صحَّة هذه الدعوى من عدمها-رغم ترجيحي لصحتها- فإننا نرى زخماَ إعلامياً غربياً ضخماً في محاربة الرموز الدينية والمقدسات الإسلاميَّة والمصطلحات الشرعيَّة الإسلامية من قبيل(الجهاد ـ الولاء والبراء ـ قوامة الرجال على النساء) وغيرها ، ولكنَّنا في حالة كهذه ينبغي أن نفترض أنَّه سيكون هنالك توجه إعلامي بناء على هذه الخطة بحرب إعلاميَّة كبيرة من المؤسسات الإعلامية الغربيَّة والمستغربة ضدَّ المسلمين علماء ومجاهدين ودعاة، وإبراز وتضخيم السقطات والأخطاء وما إلى ذلك، والمبتغى الأكيد تجاه هذه الحرب الإعلاميَّة الكبرى أن يكون هنالك خطَّة إعلاميَّة إسلاميَّة متبادلة بين المؤسسات الإعلامية لمواجهتها لتكون على مستوى التحدي والمواجهة، وإلاَّ فلنعزِّ أنفسنا بضعف إمكاناتنا وهذا ما لا نرتضيه ولا نتوخاه من إعلام إسلامي صادق!

 

ينبغي أن ندرك في واقع الأمر أنَّ الإعلام فتنة وذلك لالتباس ما يعرض فيه بين الحق بالباطل، ولعلَّ واقعه يفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح الإمام البخاري عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أنَّه قال: أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ اَلسَّاعَةِ، مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَانِ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ اَلْغَنَمِ، ثُمَّ اِسْتِفَاضَةُ اَلْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى اَلرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي اَلْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اِثْنَا عَشَرَ أَلْفًا).

 

فلعلَّ ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ اَلْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ) أن يكون تفسيرها: هذه الأقمار الصناعية التي تلتقط منها القنوات الفضائية جميع المحطات في العالم أجمع، وتنقل للناس في أصقاع الدنيا وأقطار المعمورة ما يحدث في كل مكان، وهي بحقيقتها تحمل الكثير من الشر والقليل من الخير، فتكون فتنا للكثير من المسلمين، ولعلَّ ما يزيد ذلك ترجيحاً ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: (7/482) بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: (ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى يبلغ الفيافي، قيل: وما الفيافي؟ يا أبا عبد الله قال: (الأرض القفر).

 

ولهذا قد نجد أناساً في البادية يعلمون عن أخبار أمم الشرق والغرب من خلال الأطباق اللاقطة للفضائيات والتي تجلب الخير والشر، فكان من اللازم لقادة العمل الإعلامي الإسلامي أن يحفظوا عقول وأذهان المسلمين من أن تلتقط أفكاراً مخالفة، ويحاولوا قدر الإمكان بث الأفكار الإسلامية ونشرها؛ لإعطاء الناس حصانة فكرية وشرعية لكل ما يخشى أن يتأثروا به من إعلام القنوات المخالفة وغير المحافظة والتي تبث الفتن بنوعيها: الشبهات أو الشهوات، ومن ضمن ما يمكن المناداة له لصناعة إعلام إسلامي قوي متين، أن تكون هنالك باقة خاصة للقنوات الإسلامية أو المحافظة على الأقل، لكي يكون فيها استبعاد للقنوات السيئة ومصانع الرذيلة، ولكي يستطيع المشاهد العربي المسلم مشاهدتها دون تشفير قنوات أخرى تعكر باله ويفوق عددها عن ألف قناة.

ألا يمكن التحادث في هذا الشأن بهذه اللقاءات الدورية بين الإعلاميين الإسلاميين، ومحاولة إيجاد قمر يستقبل هذه القنوات فقط أو يكون خاصاً بها.

 

لقد قال أحد أعلام الفلسفة: (كن رجلاً ولا تتبع خطواتي) ونحن نقول للمؤسسات الإعلامية كوني على قدر المسؤولية وحاولي قدر الإمكان أن تسايري هذا العصر بروح التكامل والتوازن، وأدوات الجودة التي لا يمكن الاستغناء عنها في ظل ما يمكن أن نسميه: (الصراع الإعلامي) بين الحق والباطل.

 

هذا الإعلام الإسلامي يواجه الآن وسيواجه كذلك عدَّة عراقيل تضاده وعقابيل تحجزه أو تمنعه عن مواصلة سيره في دربه الذي اختطه ويعمل لأجله؛ ولأجل ذلك فقد أحصيت بعضاً من المشكلات التي تواجه القائمين على المؤسسات الإعلامية، لكي نعرفها على الأقل في البداية ونحصرها، حتى نفكر في الحلول المجدية التي يمكن تلافيها في المستقبل القريب أو الحد من هذه المشكلات التي تواجهنا، ولقد قال تشارلز ليزنج: (إنَّ المشكلة حين ندوِّن تفاصيلها نكون قد حصلنا على نصف حلِّها). الإعلام الإسلامي