الإعلام الإسلامي.. مشكلات في خط المواجهة! (3-3)
12 محرم 1431
خباب الحمد

يمكن إجمال المشاكل الخارجية التي تواجه الإعلام الإسلامي، في ما يأتي:

•    تراجع الاستقلاليَّة الفكريَّة وسيطرة:(الحكومات) على بعض المؤسسات الإعلامية.

بعض المؤسسات الإعلامية الإسلامية تستطيع أن تقول إنَّها المؤسسة أو القناة الخفيَّة التي تدعم ذلك النظام الحاكم العربي، وتسوغ بعض أفعاله الخاطئة أو المنحرفة، وذلك بسبب مسارعة بعض العاملين فيها إلى إرضاء هوى الحاكم الفلاني أو حماية القناة من أذاه، أو نتيجة شراء بعض الحكومات ذممَ بعض العاملين في تلك المؤسسات لكي تتحدث بالروح التسويغية لتحركات ذلك النظام.

 

كما أنَّا نجد أنَّ هنالك قنوات فضائية إسلامية كان لها دور جيد في كشف بعض الحقائق وإماطة اللثام في تصحيح بعض المفاهيم، وتعرية التصورات الفاسدة، وتكون قلباً وقالباً نبضاً لقلب هذه الأمة المحترق على وضعها العقائدي والسياسي، ما أدَّى ببعض الحكومات إلى إغلاق هذه القنوات الفضائيَّة ومحاربتها باسم:(مكافحة الإرهاب)!

 

•    الهجمة الشرسة الإعلامية الغربية على الإعلام الإسلامي.

الإعلام الإسلامي من مواقع إنترنت أو قنوات فضائية وغيرها، يعاني بشتَّى مؤسساته هجمة شرسة من المؤسسات الإعلامية الغربية والمستغربة.

 

لكن هنالك نقطة جوهريَّة، وهي أنَّ الإعلام الإسلامي عليه رقابة شديدة تحاول قدر الإمكان أن تصده وتمنعه وتحجزه عن أي عمل يقوم على التكتل والوحدة، حتى لا يتفاعل مع قضايا الأمة، بل هنالك احتكار واضح واستعمار (استخراب) فكري في شتَّى الوسائل الإعلاميَّة الإسلامية للتضييق عليها، وإذا كان الأمر قد وصل إلى أن يقول وزير العدل الفرنسي (Jack tobon):(إنَّ الإنترنت بالوضع الحالي شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر) وهذا يقوله كافر غربي يمثل إحدى الدول الكبرى المسيطرة على العالم أجمع والتي تسمَّى بدول المركز، فما البال إذا كنَّا في ظل دول عربية تعدُّ من الدول المتخلفة وبلدان العالم الثالث، وحسبنا أن نعلم أنَّ نسبة 70 ـ 80% من الأخبار والتقارير العالميَّة المبثوثة في أخبارنا ووسائل إعلامنا مستقاة من وكالات الأنباء الغربية، ومع هذا فإنَّ الكثير من وسائل إعلامنا حتَّى الإسلامية تتلقف هذه الأخبار أحياناً دون تثبت أو تبيُّن، ويمكننا حصر هذه الوسائل الإعلاميَّة وذكرها في معرض التذكير والتنبيه على خطورتها في صياغة الأخبار التي تسيطر على العالم وتحتكر المعلومات بما يتناسب ومصالحها، وهي وكالة الأنباء الفرنسية (AFB)، وكالة الأنباء الانجليزية (رويترز)، وكالة الأنباء الأمريكية اسوشيتدبرس (AP)، وكالة الأنباء الأمريكية يونايتد برس انترناشيونال (UPI).

 

ومن الواجب علينا أن ندرك أنَّ من يتربَّصون بنا الدوائر وعلى رأسهم بنو صهيون يلحظون تأثير إعلامنا الإسلامي، ولهذا فإنَّهم يسعون جاهدين لمحاربته، وتقطيع أواصر الوشيجة والعلاقة بينه وبين الجمهور المسلم وخصوصا فئة الشباب منهم، ولا أدلَّ على ذلك من دراسة أعدتها جامعة تل أبيب ونشرتْ صحيفة "لوبون" الفرنسية مقتطفات منها، ذاكرة أنَّ ((هناك نموًا دينيًا وتربويًا للشباب المصري أصبح ظاهرا للعيان خلال الفترة الأخيرة، ما اعتبرته يشكل "خطرًا كبيرًا" على ما يسمَّى بـ: (إسرائيل).

 

وذكرت أن الشباب في الفترة العمرية ما بين 16 إلى 25 عامًا يكونون في مرحلة تكوين عقلي وتتسم عقولهم بالانفتاح ويتأثرون بالعاطفة، ومن هنا رأت الدراسة خطورة متابعتهم للفضائيات الدينية التي استطاعت التأثير عليهم بشكل كبير.

 

وأوضحت أن تلك الفضائيات لعبت دورًا مؤثرًا في نفوس الشباب بدعوتها إياهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والعبادة والالتزام بمبادئ دينهم وتلاوة القرآن وبخاصة الآيات التي تتحدث عن اليهود وحياتهم وطبائعهم، وهو ما يعني زيادة العداء ل"إسرائيل" الذي ربما يصل إلى حد العنف، وفق الدراسة.

 

ولفتت الدراسة إلى أن هناك عددًا من القنوات الإسلامية استطاعت جذب الشباب إليها وأهمها "الناس" و"المجد" و"الرسالة" و"اقرأ"، بالإضافة إلى أاسطوانات دينية تباع بأسعار زهيدة ويتبادلها الشباب.

 

وقالت إن الشباب أقبلوا على هذه القنوات، لأن وعاظها تقربوا للشباب بعقولهم وتحدثوا لغتهم فأصبحت لغة الخطاب الديني في تناول القضايا تتسم بكثير من المرونة.

 

وأوضحت الدراسة أن أكثر من 85 من الفتيات المصريات أصبحن يرتدين غطاء الرأس، و60% من الشباب يحملون المصاحف باستمرار وتتسم تصرفاتهم بقدر كبير من العقلانية والتروي بخلاف ما كان عليه الشباب قبل عشر سنوات حيث كان يظهر عليهم التوحش الجنسي والإقدام على الخطايا والانغماس في الذنوب.

 

وأوصت الدراسة، الشباب اليهود الذين يستخدمون شبكة الإنترنت بأن يؤدوا "واجبهم" لإلهاء الشباب المصريين عن حياتهم الجديدة الدينية، واقترحت قيام الفتيات والشواذ بإرسال صورهم وهم في أوضاع مخلة على الإنترنت وطلب التعارف والصداقة على مصريين شباب عسى أن يكون لهذا نتيجة "إيجابية")) ما بين القوسين نقلا عن جريدة المصريون الالكترونية.

 

أحببت أن أذكر هذا لأبين مدى خطورة ما تواجهه مؤسساتنا الإعلامية من مشكلات، والدواعي التي تجعلنا ندرك ضخامة هذه العقبات والعراقيل التي تعترض سبيلها، أو التي تريد إيقاف عملها وإنتاجها.

 

•    حقد الليبراليين والعلمانيين على المؤسسات الإعلامية الإسلامية.

يسعى التغريبيون جميعاً إلى تحجيم المؤسسات الإعلامية الإسلامية وتجفيف منابعها المالية، وساعدهم في ذلك ما أطلق عليه اتفاقية البث الفضائي التي يمكن بموجبها محاصرة القنوات الفضائية الداعمة للمقاومة وينتظر أن يتم التوصل إلى ما يمكن به محاصرة المواقع الإلكترونية كذلك.

 

وفي موازاة ذلك نجد أخباراً قد ضخِّمت حتى تكون في واجهة الأخبار، أو محل الصدارة في التقارير الإخبارية، للنيل من المؤسسات الإسلامية الإعلامية ورميها بالتطرف والإرهاب والرجعية.
بل وصل الحال لدى بعض الأنظمة العربية الحاكمة على حد التضييق على الصحفيين غير المنافقين وكبت حريتهم، فضلاً عن اعتقالهم وحبسهم ظلماً وعدوانا.

 

•    سيطرة رؤوس الأموال المالكة للقنوات ومحاولة التدخل في شؤونها.

إن انعدام الاستقلالية في الموارد المالية والدخل المادي، يجعل بعض المؤسسات الإسلامية عرضة للمزايدات والتدخلات من أصحاب رؤوس الأموال، والتأثير عليها بإدخال ما لا يرضي الله تعالى، أو إعاقة مسيرتها الإعلامية الهادفة بأي شكل من الأشكال الملتوية، فإذا نشب خلاف أو اختلاف في الرؤى توقف الدعم المالي لهذه المؤسسة الإعلامية (فضائية كانت أو مجلة أو جريدة) فإمَّا أن تكون هذه المؤسسة سائرة في هوى الداعم المالي لها، وإما أن تتوقف عن الصدور، وكلا الأمرين أمرّ من الحنظل!

 

هذه نبذ من الإشكالات والعقبات التي تواجه الإعلام الإسلامي، والتي نرجو أن تدركها هذه المؤسسات الإعلامية، وأن تستفيد من تجاربها السابقة، ويكون لها نظام عام يحكمها بشكل دقيق ومخطط له، وينظر للمستقبل نظرة أوضح صورة وأجلى بصيرة.

 

•    تساؤل مشروع:

هذه المشكلات التي عرضناها تحتاج لحلول واقعية بمجموعة عمليات تقوم بها المؤسسات الإعلامية مستخدمة المعلومات والمعارف التي سبق تعلمها، والمهارات التي اكتُسِبَت في التغلب على أي موقف خطر بشكل جديد، وغير مألوف من خلال احتوائه، والوصول إلى حل له.

 

فالمؤسسات الإسلامية الإعلامية حقيق بها أن تضع في حسبانها مراجعة ذاتها مرة بعد أخرى، وأن يخلص أصحابها نياتهم لله تعالى، وأن يكون عملهم مشروعاً ومتجدداً وتتجسَّد فيه حقيقة المهارة الإعلامية، والمعالجة المستدامة، تجاه المشكلات التي تواجه الإعلام الإسلامي ومؤسساته.

 

ومع هذا فنحن لو عذرنا مؤسساتنا الإعلاميَّة على ما تعانيه من محاصرة وعقبات وعراقيل، فإننا نؤكد أن من حاول شيئاً وعالجه بالمجاهدة والصبر ووضع الحلول والخطط والطرق لمواجهة هذه العقبات فحتماًَ، سيكون هنالك شعور بالانتصار...

إني رأيت وفي الأيـام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثــر
وقل من جد في أمر يُطالبـه *** واستصحبَ الصبر إلا فاز بالظفر

لعلي في مقال آخر وقادم أحاول تقديم بعض الحلول لهذه المشكلات التي تطرقنا إليها، ولغيرها ممَّا يواجه الإعلام الإسلامي، والموفق مَن وفَّقه الله تعالى، والله يأجر كل العاملين لهذا الدين، ويقينا وإياهم سبل الانحراف أو الانجراف عن سنن الهدى، ويوفقنا وإياهم ويهدينا لسبل التقى.