أنت هنا

الاختلاط وحش لا يمكن ترويضه
14 محرم 1431
يحيى البوليني

ربما تختلف الأطروحات التي يقدمها المربون حول موضوع مثل المنافع والمضار التربوية في الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات وغيرها , وربما تختلف وجهات النظر بحسب زاوية الرؤية والتناول وبحسب مرجعية الثقافة .

 ولكن الثابت أن كل منصف محب لوطنه ولأمته طامع في تقدمها العلمي والفكري يجب عليه دوما أن يعيد تقييم وجهة نظره وأن يحررها من التعصب للرأي , فربما يرى بعد مضي الوقت ما لم يكن قد رآه من قبل.
 
فعندما يختلف المربون وتتضارب رؤاهم حول قضية ما , يصير واجبا الاحتكام لحكمين أساسيين , أولهما مراجعة النصوص الضابطة والثابتة والحاسمة ومن ثَم التوقف عندها والعمل بمقتضاها , وكذلك بحث المثال السابق لنا تطبيقيا لموضوع البحث واستخلاص العبرة من تجربتهم والاسترشاد بها في تقدير أحكامنا فليس من العقل إطلاقا أن نبدأ من حيث بدأ الناس .
لقد كثر الحديث حول نتاج الاختلاط التربوي السلبي منه والايجابي , وتعددت مفاهيم الأفكار بين مؤيد ومعارض وكل يرى أن له حجته وأدلته وقناعاته وخاصة عند وجوده في كثير من المؤسسات التربوية والمحاضن العلمية في وطننا العربي والإسلامي , وسعي مؤسسات أخرى طالما منعته وحاربته لإقراره والعمل به .
 ففي حين ينظر البعض للاختلاط المفتوح على أنه وسيلة تربوية من وسائل منع الرذيلة , بحجة أن كل ممنوع مرغوب , فإذا أبحنا الاختلاط فسوف ينشأ الشباب في جو علمي صحي بعيد عن العقد النفسية والكبت والحرمان وكذلك بعيدا عن الممارسات السرية التي تُظهر المجتمع بصورة زائفة مغلفة بكل ما هو حسن في حين أنه يحوي في داخله كل ما هو سيء .

 

 

 ولما كانت وجهة نظرهم تلك قد علقت النتاج التربوي الايجابي للاختلاط على شروط وموانع محددة وكثيرة لكنها بالفعل غير واقعية , والحياة اليومية تشهد باستحالة تحقيقها وبالتالي سوف تختفي تدريجيا ونهائيا كل حسنة للاختلاط مع انتشار سيئاته وغلبتها .

على جانب آخر هناك رؤية مختلفة لكتاب وإعلاميين وجدو في الظرف الذي يمر بأمتنا مرتعا خصبا لأفكارهم وعقائدهم الوافدة , ألا وهم دعاة التغريب والمنبهرون بتقليد كل ما هو غربي غير إسلامي الذين يريدون هدم المجتمعات الإسلامية ممن تأثروا واستمدوا عقائدهم من قيم وأفكار غربية غير إسلامية ترى أن كل ما هو إسلامي يجب أن يُحارب ويُستأصل من الوجود , وأنه لا نجاة لهذه الأمة إلا بالانبطاح خلف الركب والسير كالقطيع خلف كل ناعق دون إعمال أي عقل أو نظر أو الاستماع لصوت عقل أو دين
ولنا أن ننظر إلى مخاطر الاختلاط من عدة زوايا :
- من وجهة النظر الشرعية التربوية يقول ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية: محذرا من مساوئ الاختلاط " ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة "
- إن هذا الاختلاط حتى وإن اشتمل على بعض المنافع القليلة إلا أن مضاره وخيمة جدا على نفسية الشباب وخصوصا في تلك المراحل السنية التي تستفرغ منهم جل طاقاتهم وتصرفهم من العمل النافع الجاد إلى العمل الهزلي الذي يضيع فيهم كل ملمح للنجابة بل ويؤدي إلى انهيار الأخلاق عامة وضياع الدين
- لا علاقة بين قضيتين منفصلتين تماما وهما  قضيتا الاختلاط وتعليم المرأة , فكل منهما قضية لها معطياتها المختلفة والتي قد يتفق أو يختلف فيهما كل صاحب فكر , ولكن الربط بينهما يوجد نوعا من الإرهاب الفكري النفسي غير المقبول الذي يريد دوما فرض رأيه ومحاصرة آراء غيره

 

فلماذا يُهاجم دائما من يقول بعدم الاختلاط بسيف تعليم المرأة ؟ ولماذا يتم دائما الزج بالقضية الثانية عند مناقشة القضية الأولى في أي محفل كي يظهر الأمر وكأن القائلين بمنع الاختلاط يقولون بعدم تعليم المرأة ؟, فالجميع متفق على أن الإسلام لم يمنع المرأة من العلم أو من العمل , ولكنه ما قرن بين خروجها للعلم واختلاطها بالرجال , ولا كان الاختلاط في يوم من الأيام ضرورة لازمة لنيل العلوم المختلفة وخاصة إن كان المختلطون شبابا في مرحلة المراهقة التي يصعب على أي إنسان -إلا من عصم الله سبحانه-  أن يتحكم في مشاعره فيها مع وجود المؤثر ليل نهار.

 

 والغريب أن ينساق البعض ويتهاون عن الحديث عن آفات الاختلاط وآثاره التربوية المدمرة خوفا من إظهار المنهج الإسلامي بصورة المنهج المنغلق أو الانعزالي الذي يريد عزل المرأة عن المجتمع , وبالتالي يحاول أن يدافع عن الدين فيسهب في إبانة أن الإسلام أعطى كل الحقوق للمرأة بلا ضابط أو مانع ولا قيد ولا شرط ويتساهل كثيرا وهو يريد الخير ولكن صدق ابن مسعود رضي الله عنه " كم من مريد للخير لا يبلغه "
- لا علاقة أيضا بالتقدم والتأخر العلمي بموضوع الاختلاط , فمن أرادوا الربط بينها أرادوا محاصرة الإسلاميين في زاوية ضيقة جدا وهي إما تقبل بالاختلاط أو الرضا بالتخلف وعدم التطور ,
وهذا ما يكذبه الواقع العملي حتى في بلاد الغرب نفسها فتثبت دراساتهم القياسية والإحصائية انخفاض التحصيل الدراسي للطلاب والطالبات في المؤسسات المختلطة عن أقرانهم في المؤسسات المنفصلة , إذ يكون جل الاهتمام في المؤسسات المختلطة بالجانب العاطفي الذي يستهلك الكثير من الوقت والقوة الذهنية التي لا تتجه نحو تحصيل العلوم أو الاهتمام بها ويصير الشاب محور اهتمام الشابات وتصير الشابة محور اهتمام الشباب ولا يقتصر الأمر على الطلاب فقط بل يمتد للمدرسين والمدرسات الذي يكثر بين الطلاب المراهقين الإعجاب بالمعلم , ففي أستراليا أجرى المجلس الأسترالي للبحوث التربوية دراسة لمدة ست سنوات لمقارنة أداء أكثر من 270.000  طالب وطالبة، تبين من خلالها أن طلاب وطالبات التعليم المنفصل تفوقوا أكاديمياً وسلوكياً على طلاب وطالبات التعليم المختلط
وفي عام 1998م قدمت السناتور الأمريكية كي بيلي قانون المدارس والجامعات غير المختلطة، ومما قالت فيه: "أداء الأولاد يكون جيداً في البيئة التي يوجد فيها الأولاد وحدهم، وذلك نتيجة لعدم انشغالهم بالبنات، وبنفس القدر يكون أداء البنات جيداً وتزداد ثقتهن بأنفسهن".

 

.
 لو اعتبرنا بعاقبة المئال لوجدنا أن الأمم الغربية تعاني من آثاره المدمرة على أخلاقيات شبابها وتحاول الآن أن توجد نوعا من الانضباط وفصل الذكور عن الإناث في مراحل التعليم المختلفة, ففي بريطانيا أشارت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين إلى أن التعليم المختلط   أدى إلى انتشار ظاهرة الطالبات الحوامل وأعمارهن أقل من ستة عشر عاماً، كما أثبتت الدارسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة.
 وعلى هذا النهج الغربي سارت جامعاتنا في عالمنا العربي والإسلامي , فلو نظرت إلى أية جامعة عربية مختلطة فلن تعرف للوهلة الأولى أين وقعت عيناك , وهل أنت في جامعة للعلم أم في دار للهو ؟ وهل أنت في عاصمة عربية ترفرف عليها المآذن أم في بلدة لا تعرف لها ربا ولا دينا ؟ 
فأين التقدم العلمي الذي رجونا نيله والاختلاط موجود في جامعات كثيرة في الوطن العربي والإسلامي منذ عقود ..؟!!
أين التقدم المنشود ولا توجد جامعة عربية واحدة في التصنيفات العالمية للجامعات ضمن أول خمسمائة جامعة ؟
ماذا قدم لنا الاختلاط غير الانحراف الخلقي والسلوكي وتغيير النمط المجتمعي إلى العلاقات التي أخبرنا الله بها وهي علاقات الأخدان ؟
ماذا سيقدم لنا الاختلاط في ظل لاءات مؤتمر الصحة والسكان الذي وافقت عليه كثير من دولنا  !