29 صفر 1431

السؤال

أنا شاب ملتزم والحمد لله انتقلت إلى حي آخر عن حينا الذي عشت فيه ولي الآن سنتان، وجدت أن هذا الحي لا توجد فيه أنشطه ولا كلمات ولا دعوة ولا شباب ملتزم يتحرك بأي شيء رغم أن الحي هذا قديم، حاولت أن أتقرب من أهل الحي وأختلط بهم وبالأخص إمامنا، وجدت الإمام يريد أن يصلي ويذهب، ولا يسلم على أحد إلا إذا بادرت أنت بالسلام عليه إلا ما ندر، فتحت معه أموراً كثيرة كإلقاء الكلمات أو صلاة الكسوف فلم يستجب لي طيلة السنتين، وأحسست بأني لا بد أنا من يقوم بذلك لكن ليس هناك شباب ملتزم سوى الإمام وبعض الشباب يصلي معنا مرة ويغيبون مرات، لا أعلم هل هم من هذا الحي أم لا؟
أود أن أُكوِّن مجموعة من أهل الحي لكي نزور الذين لا يشهدون الصلاة أو تكون هناك كلمات وعظية أو تذكيرية فكيف العمل والحال كهذه، أنا حتى الآن لا أجيد إلقاء الكلمات وأنا وضعت لنفسي برنامجاً لذلك.. أريد مشورتكم كي أقوم بواجبي تجاه هذا الحي؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
نحمد الله ثم نشكرك أخانا السائل الكريم على ثقتك بإخوانك في موقع المسلم كما نسأله سبحانه أن يرزقنا جميعا حسن القول والعمل وبعد:
فإن الدعوة إلى الله سبحانه هي من أعظم القربات وأشرف الغايات فقال الله سبحانه لنبيه الكريم " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " فكانت مهمة الأنبياء أشرف خلق الله وعلى رأسهم خير خلق الله اجمعين فقال له ربه " أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ".
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهمته خير قيام فبلغهم وانذرهم سالكا كل وسيلة بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى حتى لانت له القلوب فكان كما قال عنه سبحانه في كتابه " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ "
وفي سؤالك أخي الكريم ذكرت أنك - بفضل من الله ومنة - شاب ملتزم ولله الحمد، نسأل الله لنا ولك الثبات على دينه حتى نلقاه، وذكرت أنك ممن يحملون هم الدعوة إلى الله ممن يحملون الخير للناس بدعوتهم إلى معرفة دينهم والتمسك به في زمن كثرت فيه مسببات البعد عنه
وحسنا فعلت أخانا الكريم حينما انتقلت من الحي الذي تسكن فيه إلى الحي الآخر مصطحبا نفس الغاية الكريمة والمهمة النبيلة ولكنك ما وجدت مُعينا على ذلك فلا أنشطة ولا دعوه ولا شباب ملتزم يتحرك بأي شئ كما قلت، وهكذا حال عدد غير قليل من الأحياء، وهذا مما يجسد الغربة التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود -كما بدأ- غريبًا، فطوبى للغرباء" وفي رواية حسنة صحيحة للترمذي يفسر فيها رسول الله ما يعنيه بالغرباء فقال " فطوبى للغرباء الذين يُصلِحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي".
وحسنا فعلت أخنا الكريم إذ تقربت إلى أهل الحي وتوجهت إلى الإمام إذ أنه هو المسئول الأول عن ذلك الأمر فهو راع ومسئول عن رعيته وذلك عملا بواجب النصيحة عليك إذ هي قوام الدين فالدين النصيحة كما تعلم.
وإليك أخي الكريم بعض الأمور التي تعينك - بإذن الله - على أداء واجبك الدعوي
- أولا يجب عليك اخلاص التوجه والقصد لله سبحانه في هذا العمل حتى تنال أجره العظيم فلا عمل بلا قصد ونية " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ "
- ثانيا اعلم ان الدعوة بالقول هي إحدى وسائل الدعوة فقط، وليست هي كل الدعوة، وهي أقل الوسائل تأثيرا، ولك أن تعلم أن أعظمها تأثيرا هي الدعوة العملية بالفعل قبل القول، فحينما تكون مجسدا لرسالة الاسلام في سلوكك وتعاملاتك وبيعك وشرائك وعند رضائك وغضبك ستصبح ذا تأثير عظيم دون الحاجة إلى حسن البيان وصياغة الكلمات وتنميقها.
- ثالثا اعلم أن نجاح الدعاة والدعوات لا يقاس كميا كما تقاس أعمال الدنيا إنما يقاس بالجهد والإخلاص دون النظر للثمرة العاجلة المتحققة من ذلك العمل، فكم من دعاة صادقين لم ينجحوا في التأثير الكبير إلا بعد سنوات طويلة من العمل ومنهم من مات دون أن يرى ثمرة جهده ولكنه عند الله لا يضيع.
- رابعا اعلم أن الهداية بمشيئة الله وحده فهو القائل لأعظم وأخلص داعية وُجد على وجه الأرض " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " فاستعن بالله ولا ترضي الخلق بمعصية الخالق ابتغاء هدايتهم - كما يفعل بعض الدعاة هداهم الله – فمن حسنت بدايته حسن سيره واستقام ومن ساءت بدايته خُشي عليه من آفات الطريق
- استعن بعد الله سبحانه برسائل العلماء والمتخصصين التربوين في الرسائل المكتوبة خصيصا مشتملة على أفكار عملية للنهوض بأنشطة الحي فهي ولله الحمد كثيرة ومنها على سبيل المثال رسالة " نشاطات مركز الحي..برامج عملية مقترحة " للدكتور " محمد العتيق " وفيها برامج نافعة لك باذن الله وهي منشورة متاحة
- أشرك إمام المسجد في هذه الأنشطة ولا تخالفه واحرص على حسن صحبته وحسن الحديث عنه حتى عند الشكوى منه ولا تمل من كثرة حديثك إليه فمن أدام الطرق أوشك أن يُفتح له الباب
وفقك الله أخانا الكريم لما يحب ويرضى ونفعك الله ونفع بك وجعلك من أتباع المرسلين الدعاة المخلصين وأبشر بقول الله سبحانه: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (فصلت:33).