مكتبة الإسكندرية ومهمة سياسية مشبوهة: التطبيع مع العدو، والكيد للإسلام
2 ربيع الأول 1431
علا محمود سامي

من وقت لآخر، تثير مكتبة الإسكندرية العديد من أشكال الجدل حول أنشطتها والمشاريع التي تقيمها، فتارة تستضيف شخصيات صهيونية، بدعوى أنها أكاديمية، وتارة أخرى تستضيف علمانيين وقحين يعرضون تجاربهم، يصبون فيها جام أفكارهم البالية على الإسلام، بدعوى تحفيزهم على الإبداع.

 

والحالتان لا تفسير لهما عند كل من يدقق في أنشطة المكتبة سوى أنهما استعداء لكل ما هو إسلامي من ناحية، وترويج للتطبيع مع دولة الاحتلال من ناحية أخرى، تحت شعار ترفعه المكتبة وهو أنها "صورة مصر على العالم، وصورة العالم على مصر".

 

هذا الانطباع تجسده المكتبة قولا وفعلا، فمن خلال مؤتمراتها الأكاديمية كثيرا ما تستضيف شخصيات تحمل جنسية الكيان الصهيوني فتدعي أنها شخصيات علمية، وما هي إلا شخصيات تشارك ضمن مؤتمرات شرق أوسطية ليس لها من غاية سوى كسر الحواجز بين الدول العربية والدولة اليهودية العدوانية.

 

وتنسى المكتبة أو تتناسى أن هؤلاء ليسوا إلا منظرين لسلطات الاحتلال ومفكرين لهم يعدون لها العدة لاختراق دولنا تارة، ولاستخدام السلاح ضد شعبنا الأعزل في فلسطين تارة أخرى.

 

تنوير مزعوم

ليس هذا من قبيل المزايدة على أنشطة المكتبة أو النيل منها، خاصة وأنها في نسختها الحديثة – وهى الجديدة بعد احتراق المكتبة القديمة قبل 2500 عام- تزعم أنها تعمل على نشر التنوير والاستنارة بين روادها، ولكنه واقع تجسده المكتبة من وقت لآخر، بأن هذا التنوير ما هو إلا حشد لكل ما يعادي الإسلام، وما يقوي شوكة العلمانيين في عدائهم له، واستعداء كل من يرغب في التمسك بدينه.

 

علاوة على ذلك، فالمكتبة وفي محاولة لمغازلة الجهات الأجنبية الداعمة لها في الدول الغربية فإنها من وقت لآخر تدعو شخصيات عبرية، لتبدو أمام الجهات المانحة لها بأنها لا تتخذ موقفا عدائيا من الكيان التوسعي، وكأنها بذلك ترغب في تجسيد دور جديد لها وهو التطبيع ومد الجسور بين الدول المتوسطية، بين الدول العربية، وخاصة المتوسطية منها وبين الكيان الإسرائيلي، وتغافلت عن أن الدولة العبرية لا تزال نتوءا غريبا ومستهجنا في المنطقة، بفعل ما ترتكبه سلطات الاحتلال من وحشية ودموية ضد الشعب الأعزل في فلسطين المحتلة.

 

على هذا تتجاهل مكتبة الإسكندرية دورها الذي يوجب عليها أن تكون صرحا لنشر التنوير والاستنارة الفعليين، فلا تخالف الإسلام في صغيرة ولا كبيرة، وأن تكون كذلك وسيلة معرفية وثقافية في الأساس، وليست وسيلة هدامة، تسعى إلى تدمير ثقافة هي في الأساس تنتمي إليها، وهى الثقافة العربية والإسلامية لوقوعها في دولة إسلامية.

 

واللافت في الأمر أن المكتبة لا تكتفي ببث التغريب فقط، بل والنيل من كل ما هو إسلامي، بتنظيمها مؤتمرات تسعى بالأساس إلى تلويث الفكر الإسلامي، والدوس على مشاعر المسلمين والسخرية من عقيدتهم، عندما نظمت مؤتمرا عن "الحياة والموت" دعت إليه أكاديميين يابانيين، ليتحدث أمثال هؤلاء من عباد التماثيل عن الموت والحياة الآخرة، فكانت أطروحاتهم بلسان وثني وفكر الحادي، انطلق من صرح يفترض فيه أن يكون إسلاميا، وعلى أرض هي في الأساس تنتمي للأمة العربية والإسلامية.

 

على هذا النحو تبدو مكتبة الإسكندرية غير عابئة بكافة الانتقادات التي توجه إليها من جانب العديد من الكتاب الغيورين على أمتهم ودينها وفكرها، انطلاقا من الغيرة على فكر الأمة في ظل محاولات إدارة المكتبة ضم العديد من الكتاب العلمانيين في كنفها ضمن لجانها الاستشارية، وهم الذين لا يتركون شاردة أو واردة إلا ونالوا خلالها من الإسلام والطعن فيه، والذود عن علمانيتهم وأفكارهم البالية.

 

وعلى الرغم مما يرفعه كثير من أمثال هؤلاء العلمانيين وغيرهم من إبداء عداءهم النظري للعدو الصهيوني، فإن موقفهم يفضحه صمتهم إزاء ما تفعله المكتبة من وقت لآخر باستضافة شخصيات صهيونية بدعوى أنها أكاديمية لتمرير مفهوم "الشرق أوسطية" في المنطقة، وتعزيز هذا المصطلح في داخل العالم العربي،الأمر الذي يعيد إلى الأذهان حديث "شيمون بيريز"، وقت أن كان رئيسا لوزراء الدولة العبرية منتصف التسعينيات ودعوته وقتها لترويج هذا المصطلح، والمطالبة بضم دولة الاحتلال إلى جامعة الدول العربية.

 

أمثال هؤلاء لايزالون صامتين إزاء ما يمارسه الاحتلال بحق شعبنا في فلسطين، ومساندين لمحاولات تدويل المكتبة، وإقحامها في هاوية التطبيع والوقوع في حبال بني صهيون ومفكريهم ومنظريهم، بدعوى مد الحوار وجسور التعاون المشترك، والسعي إلى التعاون بين الثقافات.

 

مؤسسة لتعزيز التطبيع

وكان الغطاء في ذلك مؤسسة أنا ليند للحوار الأورو - متوسطي، والتي تتخذ من المكتبة مقرا لها , وهى المؤسسة التي عادة ما تستضيف شخصيات صهيونية , بدعاوى الحوار مع الدول المتوسطية.

 

ولذلك، فإن المراقبين يتخوفون من أن تتسع دائرة مشاركة الشخصيات اليهودية, أو من يسميهم مسؤولو المكتبة , "مفكرين", إلى استضافة شخصيات سياسية , بدعوى دراسة الحوار , وبحث آفاقه , في الوقت الذي يتعهد فيه مسؤولو المكتبة بتوفير كافة إمكاناتها وعناصر البنية التحتية والمقومات الإدارية من اجل إنجاح المؤسسة" التي تقتبس اسمها من اسم وزيرة خارجية السويد السابقة , التي تم اغتيالها قبل عدة سنوات.

 

من هنا تقع مسؤولية على المكتبة ينبغي أن تستحضرها، وخاصة فيما يتعلق بالأهداف التي نشأت عليها، وهى أن تصبح منارة حقيقية للفكر والثقافة، وليست صرحا للتطبيع أو الهجوم على الإسلام والنيل منه.