د.محمد جميح: يتحتم إعمار صعدة وتثقيف شبابها دينياً..سيظل الحوثيون يسببون المشاكل للسعودية واليمن..الأثر العقدي لهم محدود
13 ربيع الأول 1431
موقع المسلم

بعد انتهاء المعارك بشكل رسمي في صعدة ومباشرة هدنة بين الحكومة اليمنية والحوثيين وقبول الأخيرين لشروط المملكة العربية السعودية لوقف المعارك، كان علينا أن نستوضح الصورة أكثر على الساحة اليمنية، ما يتعلق منها بالمسألة الحوثية، ومن بين أبرز من درسوا العقل الجمعي المحرك للحوثيين لجهة الأيديولوجية المتحكمة في القرار الحوثي، يبدو الدكتور محمد جميح عضو هيئة التدريس في جامعة صنعاء والكاتب والباحث والأديب؛ فكان لنا معه هذا الحوار الخاطف استشرافاً للمستقبل، ورؤية للواقع، والذي توقع فيه السلوك المتوقع للحوثيين مستقبلاً، وأجاب فيه عن حجم النشاط الدعوي للحوثيين في الوسط الزيدي، وعن انطباعاته حول المسألة الحوثية من واقع مناظراته مع بعض الرموز القريبة منها في قناة المستقلة خلال الشهور الماضية..
نص الحوار:

نبدأ سياسياً، حيث هل تتوقع صمود الهدنة بين الحكومة اليمنية والحوثيين؟
من معطيات حروب خمس سابقة يصعب التكهن بصمود هذه الهدنة، الحوثيون يراوغون ويتلونون ولكنهم يظلون على مواقفهم، ما أشبه حواراتهم مع الحكومة اليمنية بحوار الإيرانيين مع الغرب مع الفارق بالطبع.
هؤلاء أصحاب فكرة ويعتقدون أن الوقت مناسب وأنهم في أفضل الأحوال على المستوى الإقليمي، حيث حلفاؤهم الإيرانيون ممسكون بعدد من أوراق القوة في الوقت الذي لم يولِ العرب بعد أهمية للبعد الإيراني في النزاع.
يقول الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب المؤمن والذي تركهم بعد أن اتجهوا إلى إشهار تمردهم العسكري، يقول إن الحوثيين ما لم يضربوا ضربة يشعرون معها أنه من الصعب تحقيق طموحاتهم فإنهم لن يكفوا عن محاولاتهم.
على الحكومة اليمنية في فترة الهدنة عدم السماح لهم بإعادة ترتيب أوراقهم ومراقبة تحركاتهم ومتابعة التحويلات المالية والتنسيق مع الأشقاء في السعودية أمنياً وسياسياً لرصد تحركات هذه الجماعة، ومن جهة أخرى يتحتم الإسراع بوتيرة إعمار صعدة والبدء بحملة دينية وثقافية شاملة في أوساط الشباب للتعريف بانحرافات هذه الأفكار لضمان عدم انجراف الشباب إلى الإعجاب بها ومن ثم اعتناقها.

 

هل كان التراجع الحوثي ناتجاً عن هزيمة حقيقية مثلت انكساراً له أم أنها نوع من التكتيك المنظم لمعاودة الكرة في اعتقادك؟
أعتقد بصحة الإجابتين. الحوثيون لم يكونوا يتوقعون حجم الكارثة التي ستحيق بهم جراء تهورهم بالقتال على جبهتين. لا شك أن الخسائر المادية والبشرية التي أصابتهم في الحرب الأخيرة تمثل انتكاسة للمكتسبات التي حققوها خلال السنوات الماضية. ومع ذلك فإنني أعتقد أن هذه الحركة ستظل تسبب المتاعب لليمن والسعودية في قادمات الأيام، أعتقد أن هذه الحركة لا تزال تحتفظ بعتاد عسكري غير قليل، كما أعتقد أنهم سيستغلون انشغال الحكومة اليمنية بملف الجنوب لإعادة رص صفوفهم والاستعداد لمعركة قادمة.

 

لم يكن الترحيب الزيدي بقرار الرئيس اليمني مستغرباً فالكل تقريباً رحب بوقف الحرب، لكن هل يشتم منه تعاطفاً للبعض مع بعض مطالب الحوثيين أو شعور البعض بالرغبة في عدم تجييش الحوثيين في خانة التمرد المنافية للوطنية؟
هناك دوائر زيدية للأسف مؤيدة للحوثيين في السر في الوقت الذي تعلن فيه ولاءها لمباديء الجمهورية اليمنية.

 

الحوثيون في الحقيقة هم زيدية جارودية متشددة وهناك في الوسط الزيدي من يعول عليهم لإرجاع حكم الإمامة لليمن ليس بالضرورة بالشكل الذي كان عليه هذا الحكم في الماضي ولكن بشكل يجعل مراكز السلطة في يد سلالة معينة ترى أنها مفوضة بحق إلهي لتولي الحكم لا لشي إلا لأنها تنتسب إلى بيت النبي صلى الله علية وآله وصحبه وسلم، وهذا يفسر سر سعي دوائر عديدة في الزيدية (الهاشمية) للضغط باتجاه إيقاف الحرب، ليس حباً في حقن الدماء ولكن حفاظاً على ما تبقى من حركة التمرد هذه. أعتقد أن بعض المراكز الزيدية التي تتبنى فكرة أن الإمامة لا بد أن تكون في البطنين، هذه المراكز هي الجناح السياسي للحوثيين وإن ادعى أصحابها أنهم يختلفون عنهم، مع العلم أن هناك غالبية زيدية تختلف معهم ولا تقر بأفكارهم وقد أصدرت بيانات عديدة بينت فيها ضلالاتهم وانحرافهم عن الزيدية المعتدلة.

 

إلى أي مدى كانت حركة التشييع الإمامية ناجحة في الوسط الزيدي؟
للأسف الشديد فإن بعض الأسر العلمية الزيدية قد تحول بعض أبنائها إلى الخمينية، وهذا ما يهدد في حال استمراره الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي في اليمن.
كان لبعض الأساتذة العراقيين الذين درَّسوا في المدارس والجامعات اليمنية دور في ذلك في فترة التسعينيات من القرن الماضي، كان للسفارة الإيرانية دور التمويل أيضاً، سعت السفارة الإيرانية أيضاً إلى فتح قسم اللغة الفارسية في بعض الجامعات اليمنية وقد كان هذا القسم عبارة عن غطاء لممارسات أخرى تصب في الاتجاه ذاته.

 

المنح الثقافية والتسهيلات التي حصل عليها بعض الطلاب اليمنيين في إيران سهلت تحول عدد منهم إلى الخمينية.
ومع كل ذلك فإن الأثر يبقى محدوداً على المستوى العقدي على الرغم من أن التأثر على المستوى التنظيمي واضح للعيان.

 

هل تعتقد أن العقيدة وحدها هي من يحرك الحوثيين ويدفعهم أحياناً لقتال يائس؟ وهل ينسحب التأثر العقدي لأسرة الحوثيين على مناصريهم، وتتطابق حوافزهما للقتال؟

في الواقع هناك شبكة معقدة من العوامل التي حركت جولات هذه الحرب، الجانب الطائفي له دوره، والأهم من ذلك في تصوري هو الجانب السلالي، فالحوثيون يعتقون أن الهاشميين (للعلم ليس كل الزيدية ولا كل الهاشميين يؤيدون الفكر الحوثي) أولى بحكم اليمن من غيرهم وبالتالي فإن الحكم لابد أن يعود إليهم بعد أن حكموا ما يزيد عن الألف عام وهم يستغلون البسطاء من الناس للزج بهم في الحرب ولو لم يكونوا من الهاشميين.

 

لا يمكن إغفال العامل القبلي الذي جعل بعض من لا يعتقدون بأفكار الحوثيين يقاتلون إلى جانبهم بداعي العصبية القبلية، وهناك عوامل أخرى تتمثل في تفشي الجهل والفقر وتباطؤ وتيرة التنمية في هذه المناطق، كل ذلك شجع الحوثيين على تجنيد الشباب وإغرائهم بالأموال التي لا شك أن لديهم منها الكثير بعد أن حصلوا عليها من أطراف خمينية في إيران وبعض دول الخليج.

 

لكم نقاشاتكم الطيبة في قناة المستقلة مع ناشطين قريبين من الحوثيين فكراً، ما الانطباع الذي خرجت بها من تلك النقاشات والحوارات؟
عدة انطباعات:
الأول أننا مسؤولون عن نشوء وتطور هذه الحركة حين غفلنا عن التحركات المشبوهة لعناصر محلية وإقليمية سعت لبناء هذه الحركة المتمردة.
الثاني أنه لابد من برنامج عمل شامل للرقي بالوعي الديني لدى الشباب وتحصينهم ضد الطروحات الحوثية التي تكشف سعيهم الحثيث للسلطة في اليمن.
الثالث أن هناك جناحاً سياسياً للحوثيين قوي ومؤثر في الساحة اليمينة وهو الذي يهيئ لهم الدعم المعنوي والسياسي ويعطيهم المظلة الفكرية ويسعى لإخراجهم من المآزق كلما دخلوا فيها.
وعلى الحكومة اليمنية والحكومات العربية الأخرى وبالذات في السعودية والخليج التنبه إلى الخطر الداهم المتمثل في هذه الطلائع الإيرانية في العمق العربي التي تسعى باسم آل البيت لتنفيذ أجندة إيرانية لا علاقة لها بالبيت ولا بأهله.

 

كيف تقوم الإعلام المتمرد في اليمن؟ وهل نجح في أن يحشد أنصاراً لأفكاره في الداخل اليمني على مستويي النخبة والجماهير أو يحظى بقدر منها في الخارج؟

استعمل الحوثيون كل وسيلة ممكنة لإيصال صوتهم أثناء الحرب، من الإنترنت والموبايل بالصوت والصورة وغير ذلك وقد نجحوا إلى حد ما في إيصال أصواتهم إلى أكثر من جهة محلية وعربية ودولية.
وبعض القنوات الفضائية وبعض وسائل الإعلام كان لها اهتمام بالصوت الحوثي، بعضها سعياً للإثارة والبعض نكاية بالحكومة والقليل سعياً وراء الحقيقة. والحوثيون بالطبع استفادوا من بعض التناقضات في الصف العربي لصالحهم حتى على المستوى الإعلامي. القنوات الإيرانية والممولة إيرانياً في لبنان والعراق ودول أخرى قاتلت بالطبع إلى جانب الحوثيين مما وفر لهم فرصة أوسع لإبلاغ صوتهم.

 

ومع ذلك فإن الخطاب الحوثي لم يحدث الأثر المطلوب في تصوري على الرغم من بعض التفاعل مع هذا الخطاب، هذه التفاعل الذي جاء نتيجة للمماحكات السياسية على مستوى الداخل بين الحكومة المعارضة والذي جاء أيضاً نتيجة للرغبة في توجيه رسائل سياسية للحكومة اليمنية من بعض الأطراف العربية والإقليمية على مستوى الخارج.

 

وما الأخطاء المقابلة في الصف الآخر؟
أعتقد أن الإعلام الحكومي في اليمن كان له معركته الداخلية على المستوى السايسي والفكري، والحقيقة أن البرامج الفكرية التي سعت لكشف حقيقة الفكر الحوثي كان لها دور إيجابي في هذه الصدد. غير أن الطرح الإعلامي السياسي للداخل والخارج كان يعاني من وجود أصوات إعلامية أخرى معارضة تكاد بفعل المماحكات السياسية تقترب من الصوت الحوثي على الرغم من اختلافها عنه فكرياً ومذهبياً.
كما لوحظ أيضاً وجود بعض النمطية والتقليدية في الخطاب الحكومي حرمته من شريحة لا بأس بها من الجمهور في الداخل والخارج. 

 

 نشكركم جزيلاً.
الشكر لله