18 رجب 1431

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على الموقع وهو معروف بالفائدة
وأريد أن أستشيركم في موضوع أهمني، أولاً كيف أكون مربياً لزوجتي التربية الصالحة؛ حيث إنها ملتزمة، ولكن أريد أن أرقى بها إلى أفضل مستوى!
والموضوع الثاني: زوجتي عمرها 19 عام، وهي عنادية وجدلية وأي شيء أطلبه منها لا تقوم بسرعة وتحب تعاندني، ثم بعد ذلك تقوم!!
أفيدوني.. بارك الله فيكم.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
نشكر لكم أخانا الفاضل ثناءك على موقع المسلم وإدارته، ونسأل الله سبحانه أن يكون الموقع دوماً في خدمة دين الله سبحانه، كما نسأله القبول والثواب.
ونبدأ بما بدأتَ به؛ فزوجك كما تحدثتَ عنها – بارك الله لك فيها وبارك لها فيك – ملتزمة وتريد أن ترقى بها إلى أفضل مستوى، وتسأل كيف تكون مربياً لها ؟
وحسنا فعلت أخي الكريم في سؤالك هذا حيث أن كل مسلم متزوج مسئول عن علاقة أزواجه وأبنائه بربنا سبحانه فضلا عن مسئوليته عن نفسه فقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ} ويقول علي بن أبي طالب في تفسير هذه الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير أي علم الدين. فقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} أي احفظوا أنفسكم وأهليكم من هذه النار. ويروي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ويَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
وللقيام بتلك المهمة وذلكم الواجب بعض النقاط الهامة التي لابد وأن تؤخذ في الحسبان عند التعامل مع النفس البشرية عموماً وعند التعامل مع المرأة وخاصة الزوجة في الدعوة إلى الله ومنها:
- لابد أولا أن تعلم انه لا يستطيع داعية إلى أية دعوة أن يصل إلى قلوب الناس وإلى التأثير فيهم حتى يكون مطبقاً لما يقول عاملاً به ملتزماً بالسير على نهج تلك الدعوة، إن أية دعوة إلى أمر لا تطبقه على نفسك لن يصل صداها إلى المدعو ولن تؤثر فيه، ففعلك يؤثر تأثيراً قوياً ومباشراً في المدعو قبل قولك.
- وهذا ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه حين جمعهم على الصفا وقال لهم أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا ببطن هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا قط فقال لهم إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
ولعل من أصدق المعايير التي تخبرنا بنجاح النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته أن أول من آمن به هم المحيطون به الأعلم بباطن حاله وهم زوجته وصاحبه وخادمه وابن عمه الذي تربى في حجره.
- ثانيا لابد لك أن تعلم أن النفس البشرية قد لا تستجيب للتغير بسهولة، فما نشأ عليه الإنسان في سابق عهده وماضي سنين عمره لا تستطيع التخلص منه دفعة واحدة، لذا ينبغي الصبر عليها وعدم سرعة الاستثارة والغضب ورد الفعل إذا لم يتحقق المطلوب، فقد أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أهله بالصلاة وأن يصطبر فقال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طـه:132] ومعلوم أن فعل "يصطبر" فعل مزيد من فعل يصبر وهو ما يتطلب المزيد من الصبر وتجرع مرارته وانتظار ثمرته.
- ثالثا لابد لكل داعية أن ينوع في وسائل وأساليب دعوته، ولك متسع كبير في دعوتك لزوجتك - حيث إن هذا لا يتوفر لكل داعية مع كل مدعو من الناس - فيمكن بالكلمة الطيبة والابتسامة العذبة والملاطفة والتقرب والترغيب حينا والزجر حينا آخر إن تطلب ذلك، فلا تقتصر على أسلوب دعوي واحد، ولا تعتبر أن الوسيلة الوحيدة للدعوة إلى الله هي الأوامر التي ينبغي الالتزام بها فقط، بل حسنها وزينها وحببها وقربها لكل المدعوين وأولهم زوجتك، فما أشد فقر العباد إلى الله وما أغناه عنهم وعن طاعتهم سبحانه ورغم ذلك فقد زين لهم الإيمان وحببه إلى قلوبهم فقال سبحانه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} فكيف بالدعاة إلى الله وكيف بالزوج إن أراد أن يرقى بزوجه إلى أعلى المقامات؟!!
- تقرب إليها بقلبك أخي الكريم فهي زوجتك وموضع مودتك، وتعامل معها معاملة الفارس لا معاملة التابع أو المتبوع، فإن أغضبتك فاصبر عليها وإن كررت ذلك فبيِّن لها حزنك بالصمت والبعد، وإن كررت ذلك فعظها وشدد عليها في حزمك، وإن تمادت فزِد مقدار الحزم والعتاب.. وإن أصلحت فاقبل صلحها وأجزل لها العطاء.
نسال الله أن ييسر لك، وأن يذلل لك الصعاب، وأن يرزقكما البر والتقوى ومن العمل ما يرضى.