قناة الحرة.. نموذج الإعلام المضلِّل
15 ربيع الأول 1431
منذر الأسعد

كل من اطلع على شيء من بديهيات الإعلام من ناحيته النظرية وقواعده العلمية، يعلم أن إرشاد المتلقين يأتي في صدارة وظائفه ومهماته. كما يعلم أن الموضوعية ركن جوهري من أركان الإعلام الصحيح، وشرط الشروط لكسب الجمهور الواعي.

 

هذا التذكير ضروري بين يدي قراءة نزيهة في ممارسة قناة الحرة، التي يقدمها الأمريكيون على أنها نموذج للإعلام الحر، الذي يرفعون رايته ويتفاخرون بأنهم سادته بل محتكروه!!

 

والمتابع الحصيف في غنى عن تقويم قناة الحرة من الناحية السياسية، لأنها مكشوفة إلى درجة العري، إذ تقدم الأخبار بالألوان التي ترغب فيها الإدارة الأمريكية جهاراً نهاراً، وكذلك دأبها مع البرامج والتقارير المتصلة بالشأن السياسي الخارجي!! والاستثناء الوحيد -ويا للمفارقة- هو أن يكون موضوع النبأ أو الرأي متعلقاً بالسياسة الأمريكية الداخلية، فهناك تجد صوت خصوم البيت الأبيض حاضراً بقوة، ليقول في أوباما وبرامجه وسياساته ما لم يقل مالك في الخمر.

 

لذلك نكتفي بشاهد حي وطازج، ألا وهو برنامج (تقرير خاص)، في حلقته التي بثتها القناة في يوم الأربعاء 11/3/1431  (24/2/2010م)، وقد خُصّصتْ لمناقشة فيلم كرتوني للأطفال، بثته قناة الأقصى، المؤيدة لحركة حماس، وخلاصته كشف عمالة أجهزة القمع التابعة لسلطة محمود عباس لمصلحة العدو الصهيوني.

 

وتقضي أبسط أساسيات المهنة الصحفية بحتمية وجود ضيف واحد على الأقل يدافع عن وجهة نظر حماس أو قناة الأقصى، لأنها الطرف المعنيّ مباشرة بموضوع الحلقة. لكن الحرة كعهدنا بها، مارست المحاكمة الغيابية الأُحادية، فالضيفان هما: اللواء عدنان ضميري الناطق الإعلامي باسم شرطة رام عباس، وعماد الإفرنجي الصحفي المستقل من مدينة غزة الصامدة.

 

وفي الحلقة الدعائية الفجة، صال اللواء وجال، وعبّر عن شخصيته القمعية ونرجسيته، وسعى إلى ترهيب الضيف الآخر، لأنه لم يؤيد أكاذيب ضميري في حق حماس الغائبة عن الحضور حتى في قفص الاتهام!! وتألق عماد الإفرنجي وأحرج بوق عباس المذكور، إذ عَرَضَ جملة من الشواهد الموثقة عن دجل الإعلام الرسمي الصادر عن عصابة رام الله!! وكم بُهِتَ الذي فَجَرَ عندما قام الصحفي الجريء بتذكيره بفضيحة قناة فلسطين التي تسيطر عليها عصابة الخونة، في فترة إقدام حماس على طرد سائر العملاء من الأجهزة الأمنية في قطاع غزة. يومذاك بثت قناة عباس لقطات مرعبة زعمت أنها تثبت ممارسات حماس الهمجية في أعضاء حركة فتح، ثم تبين أن اللقطات منقولة عن مسلك فرق الموت الرافضية في العراق الأسير!!!!!!

 

وهنا أعلن على مسؤوليتي أن عماد الإفرنجي لن يظهر في الحرة بعد الآن، وبخاصة في أي موضوع فلسطيني، فلعل الذين رشحوه للمشاركة في حلقة الانحياز نفسها، قد ورطوا القناة من حيث لا يشعرون، فقد كان الرجل مفاجأة صاعقة لهم، لأنهم في الأصل يفهمون معنى الصحفي المستقل فهماً ذاتياً معتلاًّ. صحيح أنه انتقد بعض سياسات حماس، لكنه كان نزيهاً وشريفاً ويحترم قلمه، فأبى أن يقوم بدور شاهد الزور أو الشيطان الأخرس -الساكت عن قول الحق-!!

 

بيد أن خيانة الحرة لشرف المهنة يتجلى في القضايا الفكرية أشد كثيراً من تجليه في الموضوعات السياسية!! فهي لا تستضيف سوى الملحدين والزنادقة المفترين على الإسلام الكذب البواح، وإذا عثرت على ضيف لا يخص الإسلام بهذه البغضاء فيكفيها لاستضافته، أن يتطاول على الدين بعامة، فمصطلح الدين في عقول الجمهور المتلقي هو الإسلام!!

 

ولذلك نتحدى القناة وجوقة الكذابين المدافعين عن باطلها، أن تكون قد استضافت شخصاً واحداً على مدى بضع سنوات نصرانياً يزدري التثليث أو يسخر من الكنيسة -أيّ كنيسة-!!

 

لكنها في المقابل، استضافت المدعوّ: عبد الحميد الأنصاري في يوم الثلاثاء غرة شهر ربيع الأول الجاري (23/2/2010م)، المعروف بافترائه على الإسلام ورجالاته وتاريخه، لكي يبث مزيداً من أراجيفه الواهية. وربما تظن الحرة الصليبية هنا أن عمل المذكور أستاذاً للشريعة في جامعة قطر يمثل ساتراً مقبولاً لسياستها المفضوحة!! أفلم تعثر في مصر والخليج والشام وبلاد المغرب كلها على أستاذ للشريعة يؤمن بها؟

 

وإذا كان هذا العلماني الأشر لا يستحيي فيقوم بتدريس شريعة لا يؤمن بها -بل إنه يهزأ بها-فكل العتب على جامعة قطر التي تبقيه في موقع كهذا!! ولنتصور أن جامعة تنصيرية تسمح لشيخ مسلم بتدريس النصرانية لطلبتها!!!!