المحرقة "المقدسة" في الغرب!!
21 ربيع الثاني 1431
منذر الأسعد

من لا يعرف الغرب على حقيقته، قد يقف حائراً أمام وصف مجتمعاته بأنها تزدري عالَم الغيب جملة وتفصيلاً، ولا تبالي بما تسميه "الكتاب المقدس"، لكنها شعوب صليبية بصلف وصلابة!!

فهو يرى في الوصفين معاً تناقضاً يتعذر فهمه. وفي ذلك شيء من الوجاهة، لولا الثنائيات العريقة التي يجمع الغرب بينها على تصادمها، لأنه شديد التطرف في بنيته الموروثة التي لا تتبدل مهما تقدم العلم المادي هناك، كما أنه يقيم جسوراً عجيبة بين النقائض بحسب الفترة التاريخية وما يتوقعه من مكاسب دنيوية هي أصل فكره وجوهر عقائده على مر العصور.

 

فهذا الغرب حارب نصرانية المسيح عليه السلام وألقى بأتباعه وهم أحياء طعاماً للسباع الجائعة في ميادين السباق، في حضور الأباطرة وعلية الرومان!! وبعد أن أثخن فيهم بضعة قرون، يقتّل أبناءهم ويستحيي نساءهم، رأى الإمبراطور قسطنطين مصلحة سياسية لإمبراطوريته الاستعمارية فاعتنق النصرانية ولكن بعد تعكير توحيدها الصافي بموروثه الوثني العفن، وأخذ الروم يضطهدون كل جماعة نصرانية تمسكت بالتوحيد النقي الذي بعث الله به نبيه عيسى بن مريم.

 

وبعد فترة مديدة من الظلم والبطش، تحالف الغزاة الرومان مع القسس الذين قبلوا بتشويه دينهم، فأصبح للدولة سيطرة سياسية واقتصادية جائرة تؤيدها الكنيسة المخترعة، وبات لرجال الدين المحرّفين هيمنة فكرية تدعم الجهل والجور، وذلك كله تحت شعار نسبوه إلى الأناجيل بعد تحريفها يقول فيه المسيح-بزعمهم-: دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر!!

 

وأسهمت الرهبانية المبتدعة في تثبيت ثنائية العداء المفترى بين الدين والدنيا، وانتشر النفاق بسبب ازدواجية تخالف الفطرة الربانية، وعمّ الفساد الأخلاقي في علاقة الرجل بالمرأة...

 

وفي ظل هذه الانحرافات الضخمة تحول النصارى –وبخاصة في الغرب- إلى أداة اعتداء ضد المسلمين تغذيهم ثقافة بغضاء ملفقة تقدم الإسلام مشوهاً، فجاءت حروب الفرنجة -التي سماها القوم أنفسهم- بالحروب الصليبية الرهيبة باعتراف المنصفين القلائل من متأخريهم.

 

ثم ثار الغربيون على قيود الكنيسة المتناقضة مع قسمة السلطة بين القيصر والرهبان، ومع تقسيم دينهم ذاته شطرين متصارعين شطر ديني وآخر دنيوي!! أي أن المفكرين الساخطين أعادوا الكنيسة إلى اختراعها العلماني بالضبط. وخمد الشعور الديني بعد افتضاح تناقضات كتابهم المقدس مع مكتشفات العلم الحديث، وأصبح شأناً شخصياً لا يهتم به سوى الشيوخ الطاعنون في السن، وهجر النصارى في أكثريته معابدهم... لكن القوم حافظوا على الإرث الصليبي تجاه الإسلام والمسلمين فقط. ولذلك تجدهم اليوم غير مبالين باعتناق أبنائهم للبوذية أو الهندوسية أو أي ملة وثنية أخرى، لكنهم لا يغفرون لهم الدخول في الإسلام وحده دون سواه.

 

ولم يَبْقَ في الغرب أمرٌ مقدس باستثناء مصالحه العليا القائمة على استعباد الآخرين إن لم يمكن استئصالهم، وأصبح الغربي متحرراً من كل القيم الأخلاقية، لكنه رضخ لمقدس يتيم هو مناقشة -مجرد مناقشة- أرقام ضحايا المحرقة النازية لليهود (الهولوكوست). وكأنها الخطيئة الغربية الوحيدة، وكان اليهود الذين اضطهدهم الغرب قروناً عديدة هم الشعب الوحيد الذي تعرض للظلم!!

 

أما المحرقة الغربية الماثلة للعيان بشهادة عدسات الفضائيات العالمية كلها فوق أرض فلسطين، فإن الغرب لا يراها ولا يسمع أنين أهلها ولا يسمح بكلام حقيقي مؤثر عنها!!

 

غير أن تلك المخازي مجتمعة لم تعد كافية في نظر الغرب المنافق، فهو يسعى انعدام تام للضمير إلى إجبار ضحايا محرقته الراهنة والمستمرة منذ ستة عقود وزيادة من السنين، على تدريس محرقته المقدسة والمنتهية، بالمحتوى المفروض من قِبَلِه معطياتٍ وأرقاماً لا تقبل أدنى مساءلة منطقية!!

 

نحن لا نؤلف عليهم هنا ولا نتكلم بعموميات غائمة، فها هو مشروعهم المسمى "مشروع علاء الدين" لتدريس أسطورة الهولوكوست إلزامياً للطلبة برعاية فرنسا وتحت رداء منظمة اليونسكو-!!!-، وقد نجحت مؤامرتهم حتى الآن في تونس والمغرب!!!

 

تونس التي يرتفع صوت ديكتاتورها زين العابدين بن علي بشعار السيادة الوطنية، فقط عندما يحتج بقايا الشرفاء في الغرب على ممارساته اللا إنسانية ضد أبناء شعبه من مفكرين ومثقفين وإعلاميين.....

 

أما اليونسكو فقد أثبتت مرات ومرات أنها تحترم كل الأديان حتى لو كانت خرافية يعتنقها شخصان، لكنها مناوئة للإسلام تحديداً!! وليس يدري عاقل سر تمسك العرب والمسلمين بعضويتهم المؤذية فيها، بل بدعمهم المادي لبعض برامجها الخبيثة!!