الحداثيون العرب.. أعداء الإسلام وأنصار التبعية
29 ربيع الثاني 1431
عبد الباقي خليفة

لا يقدم الحداثيون أي مشروع لتحرير الأراضي المحتلة، بل هم يعملون على فصل الأقطار العربية والإسلامية بعضها عن بعض عملياً فهم لا يزالون أسرى الدولة الوطنية في الغرب حتى خمسينيات القرن الميلادي الماضي بالرغم من تشدقهم بمقولة الحضارة الإنسانية والثقافة الكونية (التغريب). وإذا كان اليساريون الثوريون سابقاً قد عملوا لقيام الدولة الاشتراكية العالمية (الأممية الاشتراكية) الخيالي فإن الحداثيين في العالم الإسلامي لا يملكون مثل هذا المشروع، لأن المراكز الشيوعية السابقة في موسكو وبكين أوهمت أتباعها في عالمنا الإسلامي بمثاليتها اليسارية، المتمثلة في النداء الماركسي " يا عمال العالم اتحدوا " مع أن العمال في تلك المراكز لم يكونوا أسعد حالا من نظرائهم في الغرب الرأسمالي بل أتعس حظاً وأشد معاناة. وساهمت تلك المراكز في دعم حركات التحرر في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وقدمت السلاح والدعم السياسي للحركات الثورية اليسارية في العالم الإسلامي، مما حقق بعض التمدد اليساري على مستوى الحركة الطلابية والثقافية وحتى الشعبية في بعض الأقطار، ثم انكمشت وتجمدت وتحللت بسقوط الكتلة الشرقية. وهذه النشاطات للمراكز السابقة للاشتراكية، لا يوجد لها نظائر في الحالة (الحداثوية) ومراكزها في واشنطن وباريس ولندن وروما، ومدريد وغيرها. لذلك لا تجد في الخطاب الليبرالي أي حديث عن تحرير فلسطين، أو الإصلاح السياسي، أو وحدة الأمة، مما ساهم في غربة الحداثويين حتى غدت (الحداثة) مجرد عصا في يد الشرطي، وقرار بيد الحاكم، ونعيق إعلامي لم يعد يُقنع أحداً.

 

لقد فشل الحداثويون أولا: عندما تماهوا في الخطاب الاستعماري بل الصهيوني، واعتبروا المقاومة من أشد أعدائهم. وسلوا أقلامهم، وطوعوا وسائل إعلامهم المرئية والمكتوبة في محاربتها خدمة لأعداء الأمة.

 

ثانيا: عندما نصبوا أنفسهم معاول هدم لثقافة شعوبهم وأمتهم، وانتقصوا من تراثهم، وحاكموه بمعايير عصرنا لا بالمعايير التي كانت سائدة في ذلك الوقت. وهو تجنٍّ يحمل مغالطات كثيرة وعلى أكثر من مستوى.

 

ثالثا: عندما عملوا من حيث علموا أو لم يعلموا على خدمة الأهداف الاستدمارية للآخرين، في بلادنا الإسلامية. يهادنون من تهادنه الامبريالية الغربية، ويحاربون من تحاربه وتبنوا مقولاتها حتى فيما يتعلق بنمط الحياة الذي يجب أن يسود في مجتمعاتنا. واليوم نجدهم يدعون للمثلية الجنسية، وللعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، ولتدمير العلاقات الاجتماعية والأسرية القائمة على أساس الثقافة الإسلامية، وتجريم المبادئ الإسلامية في هذا الإطار، كما لو أنها هي المسؤولة عما يجري من انحرافات أسرية. بل اتهموا الإسلام بشكل مباشر وغير مباشر بالمسؤولية عن العنف الذي تعاموا عن أسبابه الحقيقية، ودور السياسات الداخلية والخارجية في تأجيجه، ومن بين ذلك مقولاتهم ودعواتهم وسياساتهم وما يتخرصون به ضد الإسلام ومبادئه.

 

لقد مارس الحداثيون كاليساريين تماماً سياسة الإقصاء ضد الآخر الإسلامي، واحتكروا الحقيقة، وهي التهمة التي يوجهونها للفكر الإسلامي!!!. فالحداثيون منغلقون على أنفسهم، ولا يسمحون لأحد باقتحام معاقلهم التي لم يصلوا إليها بجدارة، وإنما وسد لهم الأمر بطريقة غير شرعية فهم لم يصلوا لأي منصب بانتخاب حر، أو تفويض جمعي، أو عبر مبادئ اختيار الأقدر.

 

وإلى جانب افتقادهم لمشاريع تحرير وتنمية،على خلاف مدارس فكرية أخرى (القومية والأممية الاشتراكية) والإسلامية، يفتقد الحداثيون لمشاريع أو حتى رؤى بل رغبة في الالتحاق بركب التصنيع. وحظهم من الحداثة هو أن يكون في الأمة شواذ جنسياً، وحرية جنسية، وأن تصبح أقطارنا مثل دولة كفرنسا، ليس في أن يكون لنا مصانع مثل رينو، وبيجو، وميراج، وغيرها، وإنما أن تبلغ نسبة أطفال الزنا 56 في المائة من بين المواليد الجدد. وأن نكون مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وليس في أن يكون لنا مراكز علمية عظمى مثل، وكالة ناسا، وجامعة جورج تاون، ومصانع شيفروليه، وإنما في إقامة مطاعم ماكدونلد، ولباس الجينز، وأكل الهمبرغر. كما ليست لديهم طموحات لتكون شعوبنا حرة، مثل (العالم الحر) سوى في التمرد على القيم، والخروج على ثقافة الحلال والحرام، إلى البهيمية والحيوانية التي يعمل الغرب على الخروج منها بالعودة إلى الأخلاق، وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما في كتابه "أحلامي" بأن قوة أمريكا ليست في تفوقها العسكري ولا قوتها الاقتصادية ولا في نظامها السياسي وإنما في الرفع من أخلاق شعبها".

 

إن الحداثيين يختارون باستمرار الأسهل، فليس هناك أسهل من أن يستجيب الإنسان لغرائزه وشهواته، وليس هناك أسهل من أن يتجرد من القيم، وليس أسهل من أن يقوم الإنسان بصبغ شعره، أو ارتداء هذا اللباس أو ذاك، أو تناول هذا الطعام أو ذلك المشروب، فهذا يتوقف فقط على السعر وما إذا كان متوفراً لدى الشخص. أما الحلال والحرام فهو ثقافة علوية العقل على الجسد، بتعبير علي عزت بيغوفيتش، رحمه الله، في كتابه، الإسلام بين الشرق والغرب، مع التصرف الشديد.

 

إن الإسلام لا ينكر حاجات الإنسان العضوية، وإنما ينظمها، والله هو خالق الإنسان ويعلم أنه يخطئ فشرع التوبة ومنع المجاهرة بالمعصية، حفظاً للقيم الكلية للمجتمع. والحاجة الجنسية ليست مثل الطعام والشراب مثلاً، وبالتالي لا يمكن مقارنتها بالحاجة للأكل والشرب. فهناك أناس قضوا حياتهم بدون ذلك ولم يموتوا لكن عكس ذلك سيحدث لو امتنعوا عن الأكل والشرب.

 

ومع ذلك فإن الحداثيين ليسوا سوى أحد الانعكاسات السلبية للاحتلال الغربي لديار المسلمين، وهيمنة الثقافة الغربية على ديارنا في فترة الاحتلال غير المباشر الذي ترزح تحته الكثير من بلادنا الإسلامية. ولذلك لم يصدر عن أي حداثي - كبيراً كان أم صغيراً - أي دعوة للتحرر من الهيمنة الغربية، وفي أي شكل من أشكالها. ولهذه الأسباب وغيرها مما ورد في السطور السابقة فشل الحداثيون، وسيتلاشون كما انتهى أمر اليسار إلى أطلال.