نزار السامرائي: الأحزاب الطائفية انشغلت بإرضاء "مركز التوجيه" فخسرت.. التقليد حول الشيعي إلى كائن منقاد
7 جمادى الأول 1431
سارة علي

مع تتابع ظهور نتائج الانتخابات العراقية والتي تشير نتائجها الأولية إلى تراجع كبير للأحزاب الطائفية على خلاف ما شهدته الانتخابات السابقة ,ترى ما أسباب هذا التراجع وهل يختلف الأمر من حزب يمثل طائفة معينة إلى حزب آخر وهل للتجربة العراقية تفرد عن تجارب الأحزاب الطائفية التي اعتلت السلطة في المنطقة..؟؟ وتساؤلات أخرى حملها موقع المسلم للحوار بها مع الباحث الأستاذ نزار السامرائي الكاتب والباحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية .

 

تشير نتائج الانتخابات العراقية إلى تراجع الأحزاب الطائفية سواء كيف تفسرون ذلك ؟
ارتكبت الحركات التي تطلق على نفسها صفة ( الإسلامية ) أكبر خطأ إستراتيجي حينما تنكرت لموروث الإسلام الجهادي الذي يرفض أي اصطفاف مع أعداء الأمة وفي أي ظرف ، وجعلت من نفسها جسرا عبرت عليه قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق ، وبذلك فقد وقفت ضد محكم التنزيل الذي قال بوضوح لا لبس فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم ، يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ، بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، صدق الله العظيم ) ، وتحركت الحركات الطائفية قبل الاحتلال إلى عواصم الغرب دون رادع ديني أو أخلاقي ، محرضة ومستعدية دول الاستكبار العالمي ، على بلد مسلم دون الالتفات إلى حكم الشرع من جهة أو نتائج مثل هذا الاصطفاف من جهة أخرى على أبناء العراق وإضعافه وتدمير الركائز الأساسية في البلد ، من أجل إطفاء شهوة الحكم ، وربما تمكنت تلك الحركات خلال السنوات السبع الماضية ، من تضليل البسطاء من المواطنين ودفعهم لتبني خطابها السياسي ، ولكن مع الوقت بدأ المواطن يسترد وعيه التدريجي ويستعيد هويته الوطنية التي حاولت تلك الحركات أن تجعل منها نقيضا للمشاعر الدينية ، فالإسلام لا يتقاطع مع حب الوطن ، فالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم خاطب مكة بقوله: "إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت". (..)

 

هل وراء تراجع شعبية بعض الأحزاب الطائفية ارتباط بعضها بأجندات خارجية واقصد الائتلاف الشيعي وارتباطه بالأجندة الإيرانية , هل يعني ذلك الوعي الشعبي العراقي لما كرسته تلك الأحزاب من طائفية أم وراء ذلك مصالح أمريكية بحيث تأتي بأحزاب وكتل جديدة لتطبيق إستراتيجية جديدة في العراق والمنطقة؟
معروف أن الأحزاب الدينية السنية تعمل دون مرجعيات سياسية أو دينية خارجية ، حتى بفرض علاقة الحزب الإسلامي العراقي مع حركة الإخوان المسلمين ، إلا أن هذه الحركة لم تكن ذات نظرية تنظيمية عابرة للحدود ، وربما ينحصر نطاق تأثيرها في التوجهات العامة ولهذا نرى أن الحزب الإسلامي العراقي حينما شارك بمؤتمرات المعارضة العراقية في الخارج قبيل الاحتلال ، ما كان بإمكانه الحصول على موافقة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أو أي تنظيم قطري للإخوان ، أما الحركات الشيعية والتي استخدمت الإسلام شعارا سياسيا من أجل الوثوب إلى السلطة دون التزام بالمعايير الشرعية أو الأخلاقية ، فقد كانت تتحرك على هدي توجهات أو توجيهات مراجعها الدينية والتي تتخذ من قم وطهران مراكز للتوجيه والإرشاد ، وعندما تحقق لها ما كانت تحلم به من وجاهة السلطة ، سقطت في اختبار المسؤولية عندما أخفقت في التقدم خطوة واحدة على طريق تحقيق أهم هدفين لأي شعب من شعوب الأرض ، الخبز والأمن ، وهو ما جسدته بإعجاز رباني ، سورة قريش والتي جاء فيها "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " ، لقد انشغلت الحركات الطائفية الشيعية في إرضاء مركز التوجيه في إيران ، بدلا من البحث عما يتطلع إليه الشعب العراقي ، وأظن أن آليات حركة الأحزاب الشيعية الملتصقة بالرغبات والمصالح الإيرانية ، هي التي عزلتها عن الجماهير التي زعمت أنها جاءت من أجل الدفاع عن مصالحها وتحقيق طموحاتها .

 

تراجع الأحزاب الطائفية في الانتخابات البرلمانية وقبلها في المجالس المحلية ترى برأيكم لماذا لم تتعظ تلك الأحزاب من تلك الانتخابات ولماذا لم تسعَ برأيكم لتصحيح مسارها ؟
يجب التوقف عند حقيقة أساسية في التعامل مع موضوع حرية الاختيار ، فالمسلم السني غير ملزم في عباداته أن يقلد أحدا من المراجع الأحياء كما هو سائد في المذهب الجعفري ، الذي لا يجوز فيه للشيعي أن يجهل المرجع الذي يقلده ويدفع إليه "الحقوق المالية الشرعية"، وربما هنا يكمن أخطر مفصل في مسألة العبادات وربطها بالمال ، والتقليد ربط الشيعي في أوساط النخب وحتى عند القوى ذات التوجه اللاديني ، مع استثناءات ضيقة في هذا النطاق ، بمرجع التقليد ربطا محكما وحوله إلى كائن منقاد ، بحكم البناء العقيدي الذي ارتبط في أعماق الضمير الجمعي بحيث لا يستطيع الإفلات من فلكه ، مما يترك بصمات من السلوك فيها ثنائية وازدواجية يعبر عنها على شكل ردود فعل غاضبة ، قد يكون ما جرى في الانتخابات الأخيرة أحد تعبيراتها ، لقد طرح الائتلاف العراقي الموحد بعد الاحتلال شعار فدرالية الجنوب ، واعتبره قارب النجاة للتشيع من الغرق في المحيط السني ، وكان من بين أسباب إخفاقه في انتخابات مجالس المحافظات ، وحاول نوري المالكي ركوب موجة المطالب الشعبية بعراق واحد أرضا وشعبا ، وسحب البساط من تحت أقدام حلفائه الذين أوصلوه إلى كرسي رئاسة الوزارة ، ومع أن نتائج انتخابات مجالس المحافظات قدمت الدليل القاطع على سقوط الخطاب الطائفي إلا أن القوى المرتبطة بالخيار الطائفي مصيريا لم تكن لتقدر على مغادرة هذا الخندق ، لذلك جاءت الانتخابات النيابية لتؤكد أن مبدأ المحاصصة حتى وإن لم يسقط تماما بالانتخابات الأخيرة ، إلا أن المعول الأول منها قد أحدث تصدعا واضحا في جدرانها.

 

تراجع الأحزاب الطائفية في العراق هل يعني أن هذه التجربة يمكن أن تنعكس على واقع المنطقة أم أن لكل دولة خصوصيتها وتجاربها التي لا يمكن أن تنطبق على الدول الأخرى ؟
رغم أن المنطقة تعيش وراء حدود سياسية صلبة جدا وربما تفوق بكثير ما رسمته بنود اتفاقية سايكس بيكو ، إلا أنها ( المنطقة ) ورغم هذه الفواصل المفتعلة ، كانت تتفاعل بقوة مع ما يجري أجزائها الأخرى ، ولنأخذ مثلين يفصل بينهما نصف قرن من الزمان ، الأول هو العدوان الثلاثي الذي تعرضت له مصر عام 1956 ، والهبة الشعبية العارمة التي شهدتها المنطقة كلها وبخاصة شعوب البلدان الصديقة لكل من بريطانيا وفرنسا ، وقد ألهبت وقفة الشعب المصري ضد الغزاة المشاعر العربية التي تخطت الحدود السياسية ، والثاني العدوان "الإسرائيلي" على غزة وقبله بعامين العدوان على لبنان ، والذي أعاد إلى الذاكرة تلك المشاعر العصية على اللجم أو السيطرة ، لقد خرجت تلك المعركة عن إطارها الضيق كمواجهة بين حماس أو "المقاومة اللبنانية" من جهة والجيش "الإسرائيلي" الذي حاول أن يكرس لنفسه صفة الجيش الذي لا يقهر ، هنا يجب أن نضع بالاعتبار قضية أساسية ، وهي ثورة الاتصالات التي قلصت حجم الكرة الأرضية وقربت المسافات البعيدة ، فما يحصل في أي مكان في العالم سيكون بوسع المتابع أن يطلع على أدق تفاصيله وقت حدوثه ، إذن أرى أنها أحداث العراق ستترك بصماتها على دول المنطقة وبدرجات متفاوتة ، وعندما تتمرد قطعة دومينو واحدة على أصابع اللاعبين فإن القطع الأخرى ستشهد حالة إغراء جارفة لفعل الشيء نفسه.

 

برأيكم هل ستراجع تلك الأحزاب مسارها وما وصلت إليه من خلال تجربة السنوات الخمس الماضية أم أنها ستستمر على نفس المنوال؟
لم يكن بوسع الأحزاب الطائفية استيعاب الدروس القاسية التي أفرزتها انتخابات مجالس المحافظات ، على الرغم من التزوير الواسع الذي تم ضبط فصوله خلالها ، فالمال السياسي والتحكم بأجهزة الأمن ، حلا محل "الفتوى الدينية" وإن كانت الأخيرة لم تختف من المشهد تماما ، فالكثير من المتعكزين على دور المرجعية الشيعية في النجف ، كان يحشرون اسمها بموافقة ضمنية منها أو على استحياء ، ولكن تراجع الخطاب الطائفي في الانتخابات الأخيرة جاء بعد أن تأكد لكل إنسان يمتلك قدرا من الوعي أن إيران أسفرت عن وجهها الحقيقي في سعيها لإلحاق العراق بحديقتها الخلفية ، ولم يكن ذلك لتراجع الأحزاب عن برامجها ، لذلك فمن لم يتمكن من تعديل مساره رغم الخسارة الجسيمة التي لحقت به ، فإنه سيكون الخاسر الأكبر على المديين المتوسط والبعيد ..

 

تراجع شعبية الحزب الإسلامي العراقي ومتمثلا بالنتائج الانتخابية, ما هو أسباب ذلك وهل كان من أخطائهم أنهم أولوا جميع الشعب أهمية واحدة ولم يكونوا لخدمة مكونهم السني الذي انطلقوا منه ولذا جاءت تلك النتائج , وعلى نقيض ذلك الائتلاف الشيعي قدم كل ما يخدم المكون الشيعي على أقل تقدير في محافظات الجنوب؟
أنا لا أعتقد أنهم مثلوا السنة حقا في مجلس النواب السابق ، وجد الحزب الإسلامي نفسه إزاء انتخابات حصل فيها التخندق على أساس المحاصصة ، فركب عربتها الأخيرة (..) أما المكون الشيعي فأعتقد جازما أن الضرر الذي لحق به من الممارسات الخاطئة للكتل والأحزاب الشيعية ، كان أكبر بكثير مما لحق به طيلة أربعة عشر قرنا من مزاعم المظلومية .

 

ألا تعتقدون أن تلك الأحزاب وأخص منها الحزب الإسلامي العراقي تعرض لضغوطات وأجندات خارجية لإفشال مشروعه السياسي والقصد من ذلك البيان للعالم أن الحزب "الديني" لا ينفع أصلا للحكم وبالتالي ستكون المصلحة لخدمة التوجهات العلمانية , ومن برأيكم المستفيد من تشويه سمعة تلك الأحزاب؟
الحزب الإسلامي الذي تأسس عام 1960 ، وكان مؤسسوه من زعامات حركة الإخوان المسلمين ، لم يتمكن من احتلال موقع بارز في الخارطة السياسية العراقية في أي وقت من الأوقات ، وهنا لا نريد البحث عن تفسير ذلك فهذا أمر آخر ، ولكن وبعد الاحتلال فعلى نطاق واسع خسر الحزب الإسلامي كثيرا بانخراطه في العملية السياسية ، بل أن مشاركة إياد السامرائي الذي يعتبره الكثيرون محركه الأساسي ، في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي انعقد قبيل العدوان الأمريكي على العراق بوقت قصير ، أفقدت الحزب مصداقيته وذلك لانخراطه في مشروع أشرفت عليه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، مما يجعل منه حركة تؤمن بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، وهذا يتنافى مع قيم الإسلام.

 

بعد كل ذلك هل ستقرر الأيام القادمة رفضا كليا لتلك الأحزاب خاصة وان النتائج التدريجية تؤكد قلة شعبية تلك الأحزاب وان كان البعض منها حصل على مقاعد بالجنوب بفعل التزوير أو تدخل قوى خارجية واقصد إيران ليكون لها موضع قدم في الحكومة القادمة متمثلا بالائتلاف الشيعي ؟
ربما نحتاج لدورة انتخابية أخرى كي تظهر القوى الفاشلة في حكم العراق طيلة السنوات السبع الماضية عارية أمام من كانت تزعم احتكار تمثيله ، فما زال هناك الكثير مترسب في الانقياد الأعمى لبعض المسلمات والتي أخذت تهتز تدريجيا ، هناك رفض مؤكد ويتوسع مع الوقت ، ولكنه ليس كاملا ، الآن على الأقل للحركات والأحزاب الطائفية.

 

هل تعتقد أن هناك تناقضا في ذلك بين الأحزاب السنية والشيعية لأن الشيعية تقوم في العراق على ولاية الفقيه وهذا غير موجود في فكر الحزب الإسلامي؟
نعم لم ترتق الأحزاب الطائفية في العراق إلى حالة الفهم الحقيقي لجوهر الإسلام بل حاولت توظيفه سياسيا وبلا مبادئ لتحقيق كسب آني أو الوصول إلى السلطة ، وبدا الإسلام صعبا على الفهم في بلد نشأت فيه أوسع وأعمق حركة للفكر والفقه والتشريع في تاريخ الإسلام ، وأدى الصراع الذي شهده العراق وخاصة منذ وصول الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979 ، إلى إدخال البلد في دوامة عنف وصراعات وحروب محلية وإقليمية نتيجة أحساس مريض عند الخميني أنه قادر على ضم العراق لمملكته ، واعتمد الخميني على مبدأ القياس الذي يرفضه التشيع كواحد من مصادر التشريع ، عندما اعتقد أنه قادر على إسقاط صدام حسين كما تمكن من إسقاط شاه إيران ، باختصار شديد ولاية الفقيه لم تحدث شرخا بين السنة والشيعة فقط بل أحدثت أعمق شرخ في تاريخ التشيع ، وتأكد إخفاق التجربة بتداعي ركائزها الفكرية في إيران نفسها ، حتى بات البعض يقارن بين تمسك البعض من غير الإيرانيين بنظرية ولاية الفقيه بعد تداعيها في إيران ، وبين استمرار بعض الأحزاب الشيوعية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي .

 

بماذا تفسر تراجع الأحزاب الطائفية العراقية رغم أنها لا تطرح أجندة أيديولوجية تتصدرها مقولات الدولة الإسلامية والشريعة كما في خطاب كثير من الحركات الإسلامية؟
تراجعت "الأحزاب الإسلامية"، لأنها ببساطة ليست إسلامية ، هي إسلامية بالاسم فقط ، تاريخ الأحزاب "الإسلامية" الشيعية مثل الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري ، تاريخ تبعية مغمضة العين لإيران بصرف النظر عمن يحكم فيها ، لا فرق بين الشاه أو الخميني ، والحزب الإسلامي العراقي ، لم يتمكن من تبرئة نفسه من العمل مع الولايات المتحدة ضد العراق ، لا يستطيع أن يقدم البرهان على عدم مسؤوليته القانونية والأخلاقية عما حل بالعراق من دمار وقتل ويتم وترمل ، فالموضوع لا صلة له إذن بجوهر العقيدة الإسلامية السمحاء ولكن بمن يسعى لعبور هذا الجسر السماوي ، ولكن ليس من أجل تطهير النفس ، وإنما لتحقيق أغراض دنيوية عارضة.