ولكم في الانكليز عبرة!
3 جمادى الثانية 1431
د. احمد محمود عجاج

اقتضت مشيئة الله أن يتدافع الناس في الأرض، وكانت قدرته أن يفتشوا عن الحكمة يُديرون بها حياتهم ويُقيَّمُون بها اعوجاجهم. المسلم حري به اتباع الحق، وتلبس الحكمة مِنْ أينَ أتت، ورسولهُ علَّمه ذلك: " الحكمة ضآلة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها".
أمس القريب، انتخب الانكليز، الذين يعيشون أسوأ أزمة دين في حياتهم، برلمانهم، وشاؤوا أن لا يُمكِّنوا حزبا بعينه، فوزعوا أصواتهم على هذا وذاك، فنال المحافظون أكثر من غيرهم، ولكن عجزوا عن نيل ما يريدون لتشكيل حكومة بمفردهم. حزب العمال الحاكم لم ينل اصواتا كثيرة بل جاء في المرتبة الثانية، وتلاه الديمقراطيون الأحرار. طبعا، الدستور يُمكِّن أيَ فريق من تسلم الحكم طالما انه قادر على تشكيل ائتلاف يحوز على أكثرية مطلقة في البرلمان. ومع ذلك، قرر زعيم حزب العمال غوردن براون، الاستقالة، واعتبر أن التصويت كان تصويتا ضده شخصيا، وقرر الخروج من السلطة، والعودة إلى الحزب كعضو عادي. أمام مقر رئاسة الوزراء، قال: "سأخرج من السلطة. أنا عمالي، وعماليا سأبقى".

 

بالمقابل، مدح زعيم حزب المحافظين، كامرون، الذي أصبح رئيسا للوزراء بعد تحالفه مع الأحرار، مدح غوردن براون، واثني على خدماته، لكنه قال أيضا عبارة هامة: " نحن هنا لخدمة البلاد والناس". أثناء الحملة الانتخابية كان كل زعماء الأحزاب يجولون البلاد، من أعلاها إلى أدناها، يطرقون البيوت، يجالسون الناس في المقاهي، يزورون المستشفيات والمدارس، يستجدون أصوات الناخبين، وكانوا يلقون العنت، وأحيانا الضرب بالبيض، وأحيانا، ينالون لكمات عابرة، تدمي انف بعضهم، وتوقع بعضهم أرضا. هؤلاء السياسيون يعرفون أنهم خدام الشعب، ويعرفون لو أنهم غيَّروا أخلاقهم، وتجبروا، لكان مصيرهم اسود. لقد عرفوا حدودهم، وعرف الشعب حدوده، فمشى كلٌ لغايته.

 

أين نحن من هؤلاء؟ هل يا ترى لدينا عينات من تلك الأنواع في بلادنا؟ وهل الحكمة غابت عن أرضنا، وانكسفت أشعتها، فحل الظلام؟ لا زلنا نلعن الديمقراطية، ولا زلنا نطبقها؛ وفي كلتا الحالتين ما فلحنا، ولا تقدمنا. ثمة نماذج كثيرة في عالمنا العربي، ولنأخذ العراق، ونرى انتخاباته التي لم تتوان دولة إلا ودست يدها فيها، ولم يبق دولار إلا وطرب له قلب ناخب، ولم يأنف احد من لعبة الطائفية، ولم يتردد بعضهم الضرب بالنار وحتى القذائف.
نوري المالكي، رئيسا للوزراء، لم ينل الأكثرية، لكنه رفض التراجع، وأصر على أن ثمة تزوير، طالب بإعادة العد. أُعيد العد، فلم يحصل على أكثرية. أصر على البقاء وهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور.
مهلا...!! الم يكن المالكي طيلة حياته ينادي بخيار الشعب وسب الاستبداد، فما سبب تغيره؟ أليس هو الفساد والجهل، والعزوف عن تحري الحكمة والاتعاظ بسنن الكون، والبعد عن التبصر؛ فهلا نعود، ولو مرة، ولتكن لنا، يا عرب، ومسلمين، في الانكليز عبرة!