الخبير السياسي يايموت: الإسلام مزج العرب والأمازيغ.."الإسلاميون" أربكواعلم الاجتماع المعلمن..النموذجان التركي والسوداني متناقضان
10 جمادى الثانية 1431
همام عبدالمعبود

الإخوان فشلوا في إيجاد فرع لهم بالمغرب!
60% من الشباب المغربي يحافظون على الصلاة
72% من الشعب المغربي يؤدون الواجبات الدينية بانتظام
الحركات الإسلامية هي حركات اجتماعية وليست تنظيمات عقدية
ليس هناك في المغرب تنظيم إسلامي يؤمن بالعنف وسيلة للتغيير السياسي
الحركات الإسلامية بالمغرب هي تنظيمات تعمل ليكون الدين هو محور الحياة
أدبيات الإسلاميين المغاربة بعيدة عن الخط الإخواني في التنظير والممارسة السياسية
الدعوة الإخوانية فشلت في فك الخلط القائم عند إسلاميي المغرب بين التنظيم وزعيمه
الحركة الإسلامية بالمغرب امتداد طبيعي وعضوي للحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي

 

أوضح الباحث السياسي المغربي خالد يايموت؛ الخبير بمركز خالد الحسن للدراسات والأبحاث السياسية بالمغرب أن "الحركة الإسلامية في المغرب نشأت كامتداد طبيعي وعضوي للحركة الوطنية التي حاربت الاستعمار الفرنسي، وأن الخلفية الدينية كانت مؤطرة للفعل الجهادي المقاوم"؛ مضيفًا أن "آخر الدراسات الإحصائية تفيد بأن 72% من سكان المغرب يؤدون الواجبات الدينية بشكل منتظم، وأن 60% من الشباب يحافظون على الصلاة، كما تشهد الأوساط الشعبية منذ حوالي 6 سنوات عودة قوية في الارتباط بالقرآن الكريم".
وقال يايموت المتخصص في شئون الحركات الإسلامية بالمغرب في حوار خاص لـ"المسلم": إن "الحركة الإسلامية بالمغرب لها موقف واضح من النظام السياسي المغربي، والدارس لأدبياتها يستنتج أنها تؤمن بالملكية والوحدة الترابية للمغرب، وبالدين الإسلامي، فهذه الثلاثية هي ثوابت النظام الدستوري المغربي"؛ مستدركًا بقوله: "لكن.. النظام السياسي المغربي لا يطلب مجرد الاعتراف به بل التسليم بأن الملك أمير المؤمنين

 

وكشف يايموت عن أنه "رغم أن زعامات إخوانية لها ثقلها في العالم العربي كانت تزور المغرب باستمرار وبعضها استقر لسنوات طوال بالمملكة إلا أن جماعة الإخوان فشلت في إيجاد موطئ قدم لها بالمغرب، كما أن أدبيات الإسلاميين المغاربة بعيدة عن الخط الإخواني في التنظير والممارسة السياسية"؛ مرجعًا هذا إلى أن "هذه الزعامات استوعبت منذ بداية احتكاكها مع النخبة الدينية والسياسية المغربية خصوصية النظام السياسي المغربي".
وأشار يايموت إلى أن "كتاب "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب.. انحراف استصنامي في الفكر والممارسة"، للدكتور فريد الأنصاري؛ يمثل وجهًا للصراع بين رجل الفقه ورجل السياسة داخل التنظيمات الإسلامية، كما يجسد وعي الفقيه بالخصوصية الدينية المغربية ودفاعه عنها في وجه المشرقة والتصوف الخرافي والحلولي.

 

مزيد من التفاصيل في نص الحوار:

 

في البداية؛ ماذا عن خصوصية الإسلام في المغرب على المستوى الشعبي والرسمي؟ 
بالنسبة للمغرب فهو عبر التاريخ دولة إسلامية لها صلة مرجعية بالخلافة الإسلامية. ومنذ عصر الصحابة كان الإسلام بالمغرب عقيدة العرب والأمازيغ ولم يحدث في التاريخ المغربي أي نزاع إثني إلى اليوم بفضل التماسك الديني القائم. على المستوى الشعبي دائما، يعرف المغرب حاليا موجة عالية من التدين حيث تفيد آخر الدراسات أن 72% من سكان المغرب يؤدون الواجبات الدينية بشكل منتظم، وأن 60% من الشباب يحافظون على الصلاة، كما تشهد الأوساط الشعبية منذ حوالي 6 سنوات عودة قوية في الارتباط بالقرآن الكريم من خلال دور القرآن والجمعيات المدنية الناشطة في هذا المجال.
على المستوى الرسمي، ومنذ قيامها في عهد الأدارسة بالغرب الإسلامي، تميزت الدولة المغربية عن "الخلافة المشرقية"، منذ هارون الرشيد، على مستوى الألقاب الخلافية، والوقائع السياسية. فقد أصدر مجلس للفقهاء ببغداد برئاسة أبي حامد الغزالي فتوى تمنح للسلطان المغربي يوسف ابن تاشفين لقب "أمير المسلمين"، وتطور الأمر في عهد الموحدين ليأخذ السلطان لقب "أمير المؤمنين".
ومنذ 1962م، كان للوثيقة الدستورية سماتها الخاصة المميزة لها عن نظيراتها في الشرق العربي- الإسلامي وحتى المغاربي، وأصبح لإمارة المؤمنين مكان داخل بنود الدستور، باقتراح من كل من عبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية، والعلامة علال الفاسي، ويحافظ الملك مثل أسلافه داخل النسق السياسي المغربي على السلطتين الدينية والسياسية، بل ويجعل من إمارة المؤمنين سلطة فوق الدستور، وسلطة تمنحه الحق في التقنين لجميع المجالات السياسية والدينية.
وعموما، يمكننا التأكيد على أن التدين الشعبي بالمغرب متنوع وتخترقه عدة مكونات متمايزة، فالثقافة الدينية الشعبية أميل للتدين الصوفي لما لعبته الزوايا من دور مهم في تاريخ المغرب، بينما نجد في المدن الكبرى وعند النخبة المتعلمة ميلا للتدين الحركي، مع بروز ظاهرتين جديدتين الأولى تتعلق بالسلفية على الشاكلة الشرقية، حيث تنحو منحى ظاهريا وحرفيا في التعامل مع النصوص الشرعية، والثانية يمكن أن نطلق عليها "بالتدين اللبرالي" وينتشر خاصة في أوساط العائلات البرجوازية المغربية.
وإذا كان التعدد سمة المستوى الشعبي، فإن التوحد هو خاصية الجانب الرسمي، فالملك بصفته أميرا للمؤمنين هو سلطة دينية وسياسية، وهو رئيس المجلس العلمي الأعلى الذي يصدر الفتوى الرسمية الملزمة لكل مؤسسات الدولة. وكما هو معلن فالدولة المغربية تحدد مرجعيتها الدينية في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف على طريقة الجنيد السالك.

 

نود أن نعرف قراءنا الكرام على طبيعة نشأة الحركة الاسلامية بالمغرب، ومكوناتها؟
نشأت الحركة الإسلامية بالمغرب كامتداد طبيعي وعضوي للحركة الوطنية التي حاربت "الاستعمار" الفرنسي، فقد كانت الخلفية الدينية مؤطرة للفعل الجهادي المقاوم كما كان جامع القرويين هو المنبع والمنبت الحقيقي للحركة الوطنية، وهذا ما يفسر كون عبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية الإسلامي- المغربي من زعماء جيش التحرير، وزعيم السلفية المغربية علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال، وكون عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال من مناضلي الإتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل أن يؤسسا الشبيبة الإسلامية سنة 1972م.

 

هل من الممكن أن تقدموا للقراء خريطة توضح الحركات الإسلامية المغربية؟ 
تتكون الحركة الإسلامية المغربية اليوم من فصيلين مهمين، وآخرين هامشيين على المستوى الاجتماعي والسياسي:
جماعة العدل والإحسان تأسست سنة 1981م بزعامة الشيخ عبد السلام ياسين تتميز بمميزات تجعلنا نؤكد أنها حركة إسلامية فريدة من نوعها على مستوى العالم العربي؛ فهي جماعة إسلامية تأسست بعد تجربة صوفية طرقية لمرشدها امتدت من سنة 1965 إلى 1973م. فقد كان الأستاذ ياسين ملازما لشيخه العباس بن المختار بودشيش، وبعد موت هذا الأخير، نشب نزاع بين الشيخ الوارث للزاوية البودشيشية وزعيمها الحالي الشيخ حمزة، والأستاذ ياسين؛ حيث وصل الطرفان إلى العداء التام، خاصة لما دعا ياسين الزاوية "للجهاد والنهوض للدفاع عن الإسلام".
والجماعة هي تنظيم صوفي يؤمن بكرامات الشيخ وبركته، ويسخر هذا الإرث الثقافي الصوفي في تجنيد وتعبئة التنظيم للتنافس السياسي الديني، وتعتبر هذه الجماعة حسب غالبية الباحثين في الحركة الإسلامية أكبر تنظيم إسلامي بالمغرب.
حركة التوحيد والإصلاح: تأسست سنة 1996م بعد وحدة اندماجية بين جماعتين ، هما الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، فالأولى تشكلت إثر قرار بعض القيادات خاصة عبد الإله بنكيران وعبد الله باها والحاج علال العمراني ومحمد يتيم وسعد الدين العثماني... الانفصال التام عن الشبيبة الإسلامية وتأسيس الجماعة الإسلامية في أبريل 1981م.
أما رابطة المستقبل الإسلامي، التي تأسست سنة 1992م، انتخبت الدكتور أحمد الريسوني أول رئيس لها، وكانت بدورها تتكون من جماعة التبين التي انفصلت عن الشبيبة أيام ما عرف عند الإسلاميين المغاربة "بفتنة مطيع والسداسيين"، وكان يتزعمها المرحوم عبد الرزاق المروري وأحمد مشتالي، وغيرت اسمها فيما بعد لتعرف باسم جمعية الشروق.
ومن مكونات الرابطة كذلك جماعة التوحيد، وهو فصيل إسلامي أهملته جل الكتابات المؤرخة للحركة الإسلامية بالمغرب، وتزعمه الدكتور عبد السلام بلاجي وخالد الغربي، أما المكون الثالث للرابطة فهي جمعية الدعوة الإسلامية بفاس التي تكونت بزعامة الدكتور الشاهد البوشيخي والدكتور عبد السلام الهراس.
ونشير هنا أن كثير من قيادات هذه الجمعية خرجت من التوحيد والإصلاح بعد وحدتها مع الإصلاح والتجديد، ويعتبر الدكتور فريد الأنصاري أخر المقربين من الجمعية الخارجين من التوحيد والإصلاح؛ أما الفصيل الرابع المكون لرابطة المستقبل الإسلامي فهي الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير التي تزعمها العلامة المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني، والتي تفرعت بدورها عن جماعة الدعوة والتبليغ منذ 1976م.
حركة البديل الحضاري، ويعود أصولها إلى الشبيبة الإسلامية، تأسست سنة 1995م من طرف مصطفى المعتصم ومحمد الأمين ركالة، على إثر انشقاق ما كان يسمى تنظيميا بالاختيار الإسلامي.
الحركة من أجل الأمة، أعلنت عن نفسها في شهر نوفمبر سنة 1998م، بزعامة محمد المرواني. حصلت الحركتان الأخيرتان على حقهما في تكوين حزب سياسي إلا أنه سرعان ما تم حل الحزبين معا، واتهمت السلطة قيادة التنظيمين باستعمالهما لقلب النظام واختراق الحقل السياسي، كما حوكمت قيادات التنظيمين بتهمة الإرهاب في القضية المعروفة بقضية بليرج. 

 

 وما هي – في نظركم – علاقة الحركة الإسلامية المغربية بالمشرق العربي؟
تجمع الكتابات المؤرخة للحركة الإسلامية على التأثر بنظيرتها المشرقية، خاصة في الفترة الناصرية، فقد أدى الاصطدام الإخواني الناصري إلى زيادة الاهتمام بكتابات سيد قطب خاصة كتابي (في ظلال القرآن) و(معالم في الطريق)، وساعد قيام قيادة حزب الاستقلال المغربي بطبع "معالم في الطريق" وتوزيعه بالمغرب للتعرف على الفكر القطبي، والذي كانت الشبيبة الإسلامية في عهد مطيع تتبنى جزءًا كبيرًا منه.
لكن في المرحلة الثانية كانت كتابات العلامة محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي، والمفكر الدكتور خالص جلبي، والدكتور فهد النفيسي أكثر رواجًا وتقبلا في أوساط الإسلاميين المغاربة. والمثير للانتباه أن حركة الإخوان المسلمين لا يوجد لها فرع بالمغرب، كما أن أدبيات الإسلاميين المغاربة بعيدة عن الخط الإخواني في التنظير والممارسة السياسية.
وفي هذه النقطة؛ لابد من الإشارة أن هناك نوعا من الاختلاف بين العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح في التعامل مع الأدبيات المشرقية، فالعدل والإحسان أكثر انغلاقا عن نفسها رغم أن المرشد عبد السلام ياسين يتبنى بعض أفكار سعيد حوى في كتابه جند الله، وكتابات المودودي خاصة كتاب الحكومة الإسلامية، إلا أن الشيخ يؤطر جماعته بتنظيره الخاص، حيث كتب أربعين كتابا في المجال السياسي، والتربوي، والاقتصادي....
أما حركة التوحيد والإصلاح، فتوصف بكونها حركة منفتحة على التجارب المشرقية والسودانية والخليجية (الكويتية) والتركية، لكنها تتميز بقوة تنظيرية ووجود نخبة عالمة مختلفة معتبرة ضمن قيادتها كما هو الحال بالنسبة للدكتور أحمد الريسوني، ومحمد يتيم، وأبو زيد المقرئ الإدريسي... 

 

 وماذا عن علاقة الحركة الاسلامية المغربية بالدولة والنظام السياسي، من حيث المحددات والواقع؟
الحركة الإسلامية بالمغرب لها موقف واضح من النظام السياسي المغربي، والدارس لأدبياتها يستنتج أنها تؤمن بالملكية والوحدة الترابية للمغرب، وبالدين الإسلامي، فهذه الثلاثية هي ثوابت النظام الدستوري المغربي. لكن هناك أمر مهمة، فالنظام السياسي المغربي لا يطلب مجرد الاعتراف به بل التسليم بأن الملك أمير المؤمنين كما ينص على ذلك الدستور المغربي في الفصل 19.
وهذه النقطة الأخيرة محط خلاف النظام السياسي مع جماعة العدل والإحسان فهي لا تعترف للملك بإمارة المؤمنيين، كما أنها تعتبر البيعة التي تقول بها الملكية والتنظيمات الإسلامية الأخرى مزيفة ولم تكن تعبيرًا عن إرادة الأمة. 

 

 كيف تدار إشكالية العلاقة بين الدعوي بالسياسي في الحركة الاسلامية المغربية؟
بيدو أن هذه الإشكالية تعرف نوعا من الحل عند التوحيد والإصلاح، فالحركة الآن تركز نشاطها على العمل الدعوي التربوي، فيما يلعب حزب العدالة والتنمية دور الحزب في الحقل السياسي، كما أن التنظيرات الجديدة عن الحركة والحزب تأخذ بنظرية التميز بين الدعوي والسياسي، فهي لا تؤمن بالخلط بين الديني والسياسي ولا بالفصل بينهما، وتقول بالتقاطع لا الهيمنة والاحتواء للسياسي من طرف الديني؛ من الناحية التنظيمية فالحزب يعتبر مستقلا استقلالية تامة عن الحركة ويتخذ قراراته بعيدا عن عيون مؤسسات الحركة.
بالنسبة لجماعة العدل والإحسان، فهي تقول حسب أدبيات مرشدها بعلو مكانة رجال الدعوة على رجال الدولة، وهو ما يجعل الديني يهيمن ويحتوي المجال السياسي، إذ لا بد من الرجوع في القرارات المصيرية إلى رجال الدعوة، وفي ذلك يقول الشيخ ياسين" السيادة للقرآن، وعلماء الأمة الخاشعون لله هم أهل القرآن لهم السيادة والكلمة الأولى ولرجال الحكم نترك نظام الحكم وأبهة البروتكول ومراتب الدولة وداواوين الإدارة لينصرفوا إلى شغلهم تحت النظر والمراقبة والتوجيه والسيادة والفعلية والخلقية" (عبد السلام ياسين: الإسلاميون والحكم ص 132). ففي حقيقة الأمر السلطة لا تستمد حسب المرشد من الأمة كمصدر للسلطة بل من الفئة الساهرة على السيادة باعتبارها أهل القرآن. 

 

 في كتابه "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب.. انحراف استصنامي في الفكر والممارسة"، رصد الدكتور فريد الأنصاري، أخطاء منهجية نالت من واقع التدين والدعوة بالمغرب، سواء في جانبه التنظيمي الحركي أو السلفي، فما تعليقكم على هذا الطرح الجرئ؟ 
من الناحية المبدئية والواقعية فإن كثير مما تطرق له المرحوم فريد الأنصاري يستند على معلومات ووقائع صحيحة، لكن ما لم ينتبه له الكثير من المعنيين بالظاهرة الإسلامية أن الفصول المهمة من الكتاب كتبت سنة 2000م لكنها لم ترَ النور إلا بعد خمس سنوات، لذلك نجد أن الأحداث التي عرفتها التوحيد والإصلاح وهي تعمل على بناء تنظيم جديد حاضرة وبقوة، كما أن حضور فريد الأنصاري الذاتي كان واضحًا؛ حيث أن بناء التنظيم وفي تلك الأجواء التي امتدت من سنة 1996م إلى 2000م؛ شابها الكثير من التجاوزات المرتبطة بالديمقراطية وأخلاقية الشورى.
أما من الناحية النظرية، فالكتاب لم يضف أشياء جديدة على المستوى التنظيري، بل وصف الوقائع كما كانت بطريقة غاضبة وبروح ردة الفعل، تجاه التيار السياسي داخل التوحيد والإصلاح الذي لم يمنح لأمثال العلامة فريد الأنصاري في تلك الفترة المكانة اللائقة به تنظيميا. وربما يكون قرار (وصية مكتوبة) المرحوم فريد الأنصاري الخاص بعدم إعادة نشر هذا الكتاب يحمل أكثر من دلالة.
وعموما فالكتاب لمس بعض القضايا التنظيمية والأخلاقية والعلمية التي تتخبط فيها الحركة الإسلامية بالمغرب، وهو وجه للصراع بين رجل الفقه ورجل السياسة داخل التنظيمات الإسلامية، كما يجسد وعي الفقيه بالخصوصية الدينية المغربية ودفاعه عنها في وجه المشرقة والتصوف الخرافي والحلولي. 

 

 إذا كانت الحركة الإسلامية المغربية تقدم نفسها للمجتمع على أنها الدواء، فإن خصومها يصفونها بأنها الداء، وبأنها في أحسن الأحوال نتاج للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.. فما تعليقكم؟
الحركات الإسلامية هي حركات اجتماعية وليست تنظيمات عقدية، فهي تخضع للشرط التاريخي والاجتماعي وليس لها أية ميزة هنا على غيرها من التكتلات المدنية والسياسية، إنها تنظيمات تعمل ليكون الدين هو محور الحياة وليست هي الدين في صورته المرجعية؛ وهذه الصور التي تحدثنا عنها هنا تربك الباحثين في علم الاجتماع المادي المُعَلْمن، والصورة التحيزية لعلم الاجتماع الغربي جعلته في المرحلة الأولى يقول أن الحركات الإسلامية ناتجة عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة، وهذه النظرة أسس لها فلسفيا في القرن التاسع عشر بمدرسة سميت économistic.
غير أننا اليوم نعيش مرحلة أخرى ينظر فيه إلى الحركة الإسلامية بكونها ناتجة عن الحداثة وتفاعلاتها داخل الدولة الحديثة بالعالم العربي الإسلامي، وشخصيًا أعتبر هذا القول أكثر علمية وتفسيرية للظاهرة من النظرة الإقتصادوية التي اختفت تقريبًا عند الدارسين للظاهرة؛ باستثناء بعض اليساريين والليبراليين العرب؛ المتمسكين بالإيديولوجية العلمانية الفرنسية.

 

البعض يوجه اتهامًا للحركات الإسلامية المغربية بأنها تعتمد العنف آلية رئيسية لها، وأن حديثها عن الديمقراطية ليس إلا ادِّعاءً، فما تعليقكم؟ 
الإسلاميون المغاربة لم يمارسوا العنف طول مسارهم، باستثناء مقتل الزعيم الاتحادي عمر بن جلون؛ من طرف بعض عناصر الشبيبة الإسلامية سنة 1975م، وهذا الحدث نفسه استثناء يؤكد القاعدة، ولم يعد العنف على أسس دينية إلى المغرب إلا سنة 2003م في حدث ربطته الدولة بما سمته السلفية الجهادية؛ وعلى كل حال فليس هناك في المغرب تنظيم إسلامي يؤمن بالعنف وسيلة للتغيير السياسي. 

 

 غالبية الحركات الإسلامية في المغرب، تؤكد إيمانها بالديمقراطية، بمعنى الحريات العامة والتداول على السلطة، ويطرح بعضها مواثيق للعمل المشترك، تدعو إليه كافة أطياف المشهد السياسي، غير أن خصومها يقولون إن الحركات الإسلامية التي فازت بالسلطة في بلدانٍ أخرى، لم تقدم مثالاً يحتذى لتطبيق الديمقراطية. فما حقيقة موقف الحركة الاسلامية المغربية من مفهوم وممارسة الديمقراطية؟ 
في الواقع وبغض النظر عن الحمولة الإيديولوجية لهذا الإدعاء فإنه يحمل بعضا من الحقيقة، فالنموذج السوداني يؤيد التخوف القائم حول سلوك الإسلاميين في السلطة، فمن الواضح أن قيادة الحركة الإسلامية تحكمت في مفاصل السلطة، لكن سرعان ما تغير الوضع فتغلبت الذهنية العسكرية على ما سواه من الأفكار، ونموذج الدولة القائم فكك الحركة الإسلامية نفسها، وجعل منها كيانًا وهميًا، وهذا مؤشر كاف للخوف من الإسلاميين غير الديمقراطيين.
طبعا النموذج التركي مناقض للسوداني، لكن لا يجب النظر هنا للاختلاف بعيدًا عن الأسس الفكرية، فالاختيار العسكري السوداني غير الاختيار المدني السلمي في تركيا، والمشهد الماثل أمامنا اليوم يكشف عن تناقض صارخ للدولة المتمركزة حول نفسها بالسودان، والحراك المتواصل للعدالة والتنمية التركي لبناء دولة المواطنين.
في المغرب لا تتبنى التوحيد والإصلاح والحركة من أجل الأمة والبديل الحضاري الديمقراطية في أدبياتها فقط، بل في تسيير شؤونها الداخلية وتعاملها مع باقي الفرقاء المدنين والسياسيين. ونشير هنا أن أحمد الريسوني أصدر كتابين يناقش فيهما لماذا يتبنى الديمقراطية فتناولها من الزاوية الأصولية في كتابه حكم الأغلبية في الإسلام دراسة أصولية، و تحدث في الثاني عن الشورى والديمقراطية، وأكد ألا فرق بينهما في القصد والغاية.
ففي حين يؤكد الريسوني أن الديموقراطية هي التطور التطبيقي للشورى التي لم تنتج تاريخيًا مؤسسات تعني بالمجال العام، يستحضر الجانب الأخلاقي للشورى التي يجب أن تعم كل جوانب المجتمع بوصفها واجبًا دينيًا.
أما زعيم العدل والإحسان فلا يزال موقفه من الديمقراطية ملتبسًا، ومن أقواله في ذلك: "لن تكون الديمقراطية الحرة النزيهة اللائكية طبعًا وصنعًا إلا محوًا تدريجيًا حتميًا لتاريخنا وهويتنا وخصوصية كينونتنا وشرف وجودنا الذي هو أننا حملة رسالة الإنسان" (عبد السلام ياسين حوار مع الفضلاء الديمقراطين ص 70).

 

الحركات الإسلامية- مثل سائر التيارات السياسية في عالمنا العربي- تقع في تناقض صارخ بين ما ترفعه من شعارات وما تمارسه على أرض الواقع، فهي مثلاً تطالب بالتداول على السلطة، لكنها تحتفظ بقيادات تاريخية لا تبارح مقعد القيادة إلا بمفارقتها الحياة، وهي تتحدث عن مكانة المرأة في المجتمع، لكنها تقوم بتهميش أدائها السياسي.. فما تعليقكم؟ 
ما تحدثتم عنه لا يمكن تعميمه على سائر الحركات الإسلامية المعتدلة، ويبدو أن نظرية الزعيم الملهم لم تعد تقنع بعض القيادات والقواعد الحركية، والنقاش الذي وقع حول الانتخابات الاخوانية الأخيرة إثر تقديم المرشد السابق السيد مهدي عاكف لاستقالته دليل على ذلك، ففي المغرب الجمع العام هو من يرشح شخصًا معينا لرئاسة الحركة عند التوحيد والإصلاح، حيث غيرت رئيسها مرتين في ظرف ثماني سنوات، ونفس الشيء عند حزب العدالة والتنمية المغربي الذي غير أمينه العام قبل سنة، حيث فاز عبد الإله بنكيران على سعد الدين العثماني في انتخابات عامة وبحضور الصحافة.
أما بالنسبة للعدل والإحسان فقد ظل الشيخ ياسين منذ تأسيس الجماعة على رأسها، ذلك أن الثقافة الصوفية للجماعة تؤمن بنظرية المرشد الذي يحدث له الكشف فيرى ما لا يراه غيره من المريدين، وليس معروفا بعد كيف يمكن للجماعة عمليا تدبير أمر الزعامة بعد مرشدها الحالي، خاصة وأن مرشدها من مواليد 1928م.
أما مسألة المرأة في صفوف الحركة الإسلامية، فالأمر يتعلق بالوضع السياسي العربي المأزوم، وجمود العقلية الفقهية، وانعكاس ذلك على الجوانب الفكرية الدينية والتنظيمات المدنية، فالمرأة تعاني أكثر داخل العالم العربي لكنها معاناة لا تنفصل عن معاناة الرجل بل هي جزء من معاناة المواطن في دولة غير ديمقراطية تخلق ترابية في المواطنة وتختزل نفسها في الزعيم أو العائلة أو الحزب الحاكم.

 

*تتميز الحركة الإسلامية المغربية أنها (كلها) ترغب في العمل من داخل النظام السياسي المغربي، وليس من خارجه، بمعنى لا نجد جماعة ترفض الاعتراف بالنظام السياسي القائم، بل كلها تسعى إلى الحصول على الشرعية القانونية.. فما مدى صحة هذه المقولة؟ وبماذا تفسرها؟ 
نعم هذه المقولة صحيحة، لكن دعنا نميز بين اتجاهين: الاتجاه الذي شارك فعلا، والمستنكف عن المشاركة.
الاتجاه الأول: يقوده حزب العدالة والتنمية، وهو حزب له تحالف استراتيجي مع حركة التوحيد والإصلاح، وهذه الأخيرة دخلت الانتخابات البلدية بلوائح اللامنتمين سنة 1997م؛ وشاركت عبر حزبها (العدالة والتنمية) منذ 1998م وفاز بـ12 مقعدًا بالبرلمان؛ انتقلت سنة 2007م إلى 42 مقعدًا. أما البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة، فقد شاركا في انتخابات 2007م، لكن لم ينجح أي من التنظيمين فى ولوج قبة البرلمان المغربي.
الاتجاه الثاني: يخص العدل والإحسان، فالجماعة لا تعارض المشاركة السياسية من الناحية المبدئية، لكنها تقول أن شروطها غير متوفرة حتى الآن، فهي تعتقد أن استئثار الملك بالسلطة يجعل من المشاركة غير ذات جدوى.
وإذا كان قرار العدل والإحسان مرتهنا بالدرجة الأولى لموقف مرشده المعارض للنظام الملكي، فإن نزوع الأطياف الإسلامية الأخرى للمشاركة كانت نتيجة، لحوارات مع السلطة منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي، والتي أسفرت عن نوع من الانفراج السياسي عمل الإسلاميون على استغلاله خاصة في السنوات الأخيرة للملك الراحل الحسن الثاني وبداية عهد محمد السادس. 

 

 الجماعات الإسلامية في المغرب تجتمع.. أو تشترك في شيء أساسي هو رفضها العنف، لا نجد على مستوى التنظير وعلى مستوى الخطاب جماعةً تدعو إلى العنف.. ما مدى صحة هذه العبارة ولماذا؟
على مستوى الحركات الإسلامية التي تحدثنا عنها قبل قليل فإنها تنبذ العنف ولم تمارسه على مستوى الدائرة الاجتماعية والسياسية، لكن موجات العنف الديني المعولم وصلت إلى المغرب كما هو الشأن في الأحداث الإرهابية ليوم 16 مايو 2003م بمدينة الدار البيضاء التي راح ضحيتها 42 مواطنًا مغربيًا، ومن بين 10 ألف معتقل على خلفية هذه الأحداث هناك أفراد قلائل يؤمنون بالعنف تحت المسوغات الدينية، لكنهم لا يشكلون تنظيما بالمعنى السوسيولوجي للكلمة.

 

الحركة الإسلامية نشأت متأخرة، لأن أول تعبير تنظيمي عن الحركة الإسلامية في المغرب يرجع إلى سنة 1969 بإنشاء أول تعبير تنظيمي للحركة الإسلامية ممثلاً آنذاك في حركة الشبيبة الإسلامية التي يقودها عبد الكريم مطيع، بينما ترجع الحركة الإسلامية في المشرق إلى بداية 1928 مع جماعة الإخوان المسلمين، ونجد أن تأثير الإخوان المسلمين في المغرب كان محدوداً بمعنى إنه لم يستطع الإخوان المسلمون أن يؤسِّسوا فرعاً لهم في المغرب، وإن كانت هناك محاولة في بداية الخمسينات. فما تعليقكم؟ وما تفسيركم لأسباب ذلك؟ 
فشل الإخوان في إيجاد موطئ قدم بالمغرب حدث يستحق الدراسة، فزعامات إخوانية لها ثقلها في العالم العربي كانت تزور المغرب باستمرار وبعضها استقر لسنوات طوال بالمملكة، لكنها لم تبن تنظيمًا إخوانيًا مغربيًا، وحسبما أفادنا به بعض القيادات الحالية للفعل الحركي الإسلامي، فإن هذه الزعامات استوعبت منذ بداية احتكاكها مع النخبة الدينية والسياسية المغربية خصوصية النظام السياسي المغربي.
كما أن الحركة الإصلاحية المغربية للقرن الـ19م تميزت عن نظيرتها المشرقية رغم الاستفادة منها، وذلك ما يفسر كون النقاشات التي كانت مع الزعامات الإخوانية استحضرت كل هذا التراث الفكري الذي يراعي الشرط التاريخي والسياسي، من جانب آخر فشلت الدعوة الإخوانية في فك الخلط القائم عند إسلاميي المغرب بين التنظيم وزعيمه مثل عبد الكريم مطيع بالنسبة للشبيبة، وعبد السلام ياسين بالنسبة للعدل والإحسان.