ثلاثة أخبار وخيط رفيع!!
3 رمضان 1431
منذر الأسعد

هي أنباء ثلاثة، ليس بينها رابط ظاهر، أولها: تفاقم كارثة الفيضانات في باكستان حيث وصلت آثارها السلبية المدمرة إلى 12مليون نسمة، واندلاع حرائق كبرى في العاصمة الروسية موسكو بتأثير الارتفاع غير المسبوق في درجات حرارة الطقس هناك، وإقدام طالبان الأفغانية على قتل 10 من المنصرين الغربيين في شمال شرقي حركة أفغانستان!!

 

فلكل من هذه الأخبار خصوصيته التي تميزه عن الخبرين الآخرين، بما يجعل من العسير إقامة أي رابط بين الوقائع المذكورة، فهي مختلفة جغرافياً مثلما هي متباينة في أسبابها وفي نتائجها...

 

لكن الخيط الرفيع الذي يجمع تلك الأنباء هو الخيط السياسي/الإعلامي!! وبعبارة أشد وضوحاً ودقة: التعامل السياسي والإعلامي مع كل حدث من هذه الأحداث.

 

فالبلدان الصناعية الثرية تظاهرت بالعمى والصمم إزاء محنة باكستان الإنسانية، التي تُبكي الحجر.ولم يشفع لهؤلاء المكلومين أن دولتهم حليفة تقليدية للغرب بل إن حكومتهم التابعة دمرت مصالح باكستان الإستراتيجية لإرضاء واشنطن في حربها على ما تسميه"الإرهاب".

لكن استغاثات آلاف الغرقى وملايين المشردين لم تبلغ أسماع القوم، لمجرد أن الضحايا مسلمون!!

 

ولم يكن الإعلام الغربي بأحسن حالاً من ساسته، فمن ينشر شيئاً عن محنة باكستان يضعه في موقع هامشي، ويعرضه بأسلوب يجعله أقل أهمية لدى المتلقي من ولادة هرة لأحد الأثرياء أو نفوق كلب لإحدى الممثلات!!

 

أما حرائق موسكو فقد استنفر لها الغرب بأساطيل جوية لإسهام في إخمادها، بالرغم من أن ضحاياها نفر قلائل، وروسيا دولة نووية كبرى، ولديه جيش عرمرم، وتمتلك صناعة طيران عريقة ومتطورة!!

 

وقد تصدر الدخان المحيط بموسكو نشرات الأخبار في التلفزة الغربية والعناوين الرئيسية في صدر الصفحات الأولى للصحف الكبرى في عواصم أمريكا وأوربا.. وكان تهييج المشاعر والحض الضمني على التعاطف صريحاً إلى حد المباشرة التي يختلط فيها الخبر بالرأي!!

 

أما مصرع المنصرين الصليبيين العشرة في أفغانستان فكان قنبلة الموسم، وحديث الخبراء، مع تركيز محموم على نفي صفة المنصرين عن القتلى، والإصرار على أنهم أطباء يقدمون "خدمات إنسانية محضة" لفقراء الأفغان ومرضاهم!! وغضت أبواق الغرب بصرها عن الهوية التنصيرية المعلنة التي يعمل هؤلاء الهالكون تحت رايتها!! وتجاهل القوم ضرورة إيراد رواية كل طرف من دون تبني أي منهما، ما دام التثبت منها متعذراً بعد سويعات من وقوع الواقعة!!

 

أوليس من الحماقة الكاملة أن يصدق امرؤ ذريعة العمل الإنساني من منظمة تنصيرية في بلد غزاه الصليبيون وما زالت جيوشهم تفتك بالعزل من أهله؟ أو لم يفتضح قبل شهور قليلة قيام ضباط وجنود أمريكيين بتوزيع أناجيل باللغات المحلية بين بسطاء الأفغان؟

 

وكيف يتعامى تجار الشعارات الإنسانية أولئك عن مأساة مروعة وضخمة في باكستان المجاورة فلا يجد لها الإنسان أدنى اهتمام؟

 

وأخيراً: فهل نأتي بجديد عندما نلحظ أن الانحيازات الإعلامية الصليبية ذاتها كانت سمة التعامل معها من طرف وسائل الإعلام التغريبية الناطقة باللغة العربية؟!

 

وهل لذلك من اسم غير التبعية المطلقة؟ وإذا كان الغرب ذا الغلاف العلماني يؤازر مهمات التنصير بين المسلمين أفليس من الشائن للأتباع في ديار الإسلام أن يكون لهم الموقف نفسه؟ ثم ألا يسمى ذلك –بالمقاييس الموضوعية المجردة- خيانة مكتملة الأركان؟!!