النصرانية وثقافة الاستئصال والإبادة!!
13 شوال 1431
منذر الأسعد

هذا الكتاب صغير الحجم-84صفحة بما فيها مقدمتا المؤلف والناشر-، إلا أن له قيمة تاريخية كبرى، إذ هو عبارة عن شهادة شاهد عيان على وحشية الغزاة الإسبان المتعصبين لنصرانيتهم، عقب اكتشاف أمريكا على يد كريستوف كولومبوس.
ولعل ما يضاعف من أهمية الكتاب أن مؤلفه رجل دين نصراني-مطران-فلا يمكن اتهامه بالتحيز ضد الكنيسة وبخاصة في العصور الوسطى-القرن السادس عشر الميلادي-، فصلاً عن كونه شاهد العيان الوحيد الذي سجّل شهادته، ولولاها لانطمست حقيقة فظائع القوم الرهيبة، إذ بلغ عدد ضحاياها عشرات الملايين من السكان الأصليين في القارة الجديدة. وبالرغم من التضارب الشديد في تقدير عدد الضحايا –بين مئات الملايين لدى بعض الباحثين ومليار شخص وفق برتولومي نفسه-تبقى الحقيقة المريرة، وهي أن الاستئصال هو الأصل في اعتقاد هؤلاء المجرمين.

 

المطران برتولومي دي لاس كاز-مؤلف الكتاب-هو أول راهب تعيّنه الكنيسة رسمياً في تلك الأصقاع في عام1502م، فهالته همجية بني جلدته التي يصرون على أنها نشر لرسالة المسيح عليه السلام. وسعى الرجل ذو الضمير اليقظ إلى التخفيف من تلك المظالم لكن دون جدوى، فاضطر أخيراً إلى التخلي عن امتيازاته الهائلة لكي يقف ضد الجور البشع والذي تزداد بشاعته قبحاً حين ينسب دمويته الفظيعة إلى نبي الله عيسى بن مريم.
ومتن الكتاب ذاته عبارة عن رسالة تنضح بالصدق كتبها المطران المتمرد على إرث الصليبية البائس، وبعث بها إلى أمير إسبانيا حينئذ دون فيليب، يسرد فيها ما شاهده بعينيه من مذابح يندى لها جبين الصليبية أبد الدهر، ضد أناس مسالمين بسطاء طيبين-كما يصفهم في رسالته الطويلة المؤثرة-.

 

وهنا تتضح سذاجة الرجل التي قد يتجاوزها المرء الموضوعي إذا أخذ في اعتباره ظروفها وزمانها والملابسات المحيطة بالبشر والنظم السياسية ووسائل الاتصال في تلك الفترة من الزمن. فهو يظن أن أمير بلاده يجهل الممارسات الفظيعة التي يرتكبها قادة جنده وأعوانه بعيداً عن ناظريه. فلا يسعنا أن نطلب من رجل عاش قبل 500عام أن يعي أن الأصل في السياسات العامة أنها تصدر عن صانع القرار وليست مجرد خطأ تنفيذي أو خلل عابر قام به الأعوان من دون علمه.
وإلا فما الدافع وراء تلك الحملات الصليبية الرهيبة التي تزامنت مع مذابح نصارى إسبانيا في حق المسلمين أو تنصيرهم قهراً أو تشريدهم بعد الاستيلاء على أموالهم ومساكنهم ومتاجرهم ومزارعهم. . . .
إن المهم في هذه الوثيقة التأريخية النادرة، ما اشتملت عليه من وقائع وحقائق، وليس تصورات كاتبها أو حسن نيته المبالَغ به إزاء ملوك مجرمين من قبل ومن بعد.
وحسناً فعل الناشر-المعهد الدولي للدراسات الإنسانية-الذي اختار للكتاب/الوثيقة عنواناً معبّراً هو: المسيحية والسيف، وأضاف إليه عنواناً فرعياً شارحاً، هو:وثائق إبادة هنود القارة الأمريكية على أيدي المسيحيين الإسبان-رواية شاهد عيان.