الإسلاميون والنقد الذاتي..
18 ذو القعدة 1431
منذر الأسعد

كثيراً ما نعى أعداء الفكر الإسلامي على الفصائل والحركات والجماعات الإسلامية ندرة النقد الذاتي الذي تقوم به المؤسسات الفكرية والتيارات السياسية لمسيرة عملها، لتتقصى مواضع القصور ونقاط الخلل فتسعى إلى اجتنابها، وتتأكد من عوامل قوتها فاعمل على تعزيزها والإضافة إليها والبناء فوقها.

 

الزميل الإعلامي المصري :السيد أبو داود نهض بهذه المهمة، ولكن من داخل الدائرة ومن موقع المنتمي المحب لا من زاوية الحاقد أو الشامت أو الباحث عن الأخطاء دون الحسنات والإنجازات.فالرجل عضو فاعل في العمل الإسلامي منذ ما يربو على ثلاثة عقود، وهو مقتنع بضرورة النقد الذاتي، فأقدم عليه من خلال كتابه الجديد ( الإسلاميون والمستقبل-رؤية في تخطي الحواجز)، الصادر عن مكتبة جزيرة الورد، ويتألف من 240صفحة، موزعة على ثمانية أبواب تشتمل على زهاء 30فصلاً، حرص فيها على تقويم علاقة الإسلاميين بعضهم ببعض في الجماعة الواحدة ثم على صعيد الجماعات مجتمعة، وصلتهم بالمجتمع وقواه المختلفة ومواقفهم من النظام السياسي القائم.

 

ينطلق أبو داود من أن تغييب النقد الذاتي أضعف الحركات الإسلامية، وكرّس أخطاءها، الأمر الذي يراه المؤلف سبباً رئيسياً لفشل برامج الإسلاميين على مدى عقود من السنين.وهو يعيد ذلك الخوف من النقد إلى تضخيم مكانة الحركة أو الجماعة وافتراض حصانتها ضد النقد،  فتراكمت الأخطاء وتعطلت مسيرة التطوير والارتقاء بالأداء.. وهذا ما شجعه على إجراء هذه المراجعة النقدية الشاملة لميادين السياسة والفكر والحراك الاجتماعي والساحة الإعلامية في الوقت عينه.

 

يلحّ أبو داود على أهمية انفتاح الإسلاميين على مجمل الحركة الثقافية في مجتمعهم، والتفاعل معها من موقع الثقة بالنفس، والقدرة على الإقناع، والمحاورة من غير عُقَدٍ وتشنجات، والقبول بالنقد البنّاء بلا خوف ولا استعلاء.
ويأخذ المؤلف على الحركة بعامة انغلاقها التنظيمي، واعتماد بعضها على أذرع شبه عسكرية أخافت المجتمع، وعززت من حجج خصوم الحركة أمام الجمهور العريض.ومما ضاعف من تأثير هذه النقطة السلبية الجوهرية، إصرار كثير من التيارات على الطابع السري لعملها، وهو ما يستفز الحكومات ويثير ريبتها.

 

وهو ينصح  الإسلاميين بالسعي إلى اجتناب تكرار تجربتهم المريرة مع العلمانيين حيث ينهضون  بالمهمات الكبرى-مثل تحرير البلاد من المحتل الأجنبي سابقاً-ثم يسرق التغريبيون ثمار تلك الجهود.والسبيل إلى الوقاية من تكرار مآسي الماضي القريب تلك، يعتقد أبو داود أن على الحركة الإسلامية  أن تقود عملية تأسيس وعي سياسي وطني عام في المجتمع على أسس جديدة لمواجهة التزييف الذي تقوم به النظم العلمانية الاستبدادية القائمة،  لئلا يجري  التغيير المتوقع على أرضية غير إسلامية، تحت شعارات غائمة ومفاهيم ملتبسة.وهذا مشروط بتقديم الأمة على النظام، ومنح الثقافة  الأولوية على السياسة، والفصل الدقيق  بين ثوابت الأمة ومتغيرات الجماعة، فكل اشتباك بينهما يؤذي أصحابه ويضعف تأثيرهم في الجمهور الواسع.
وإذ يحذّر من المبالغة المعتادة في اعتناق نظرية المؤامرة، يوصي بالعناية بالعمل في الحقل الاجتماعي لخدمة المجتمع وليس لاختراقه، ويستشهد هنا بنجاح حركة حماس الفلسطينية الباهر لأنها قدمت خدمات اجتماعية متميزة لمحيطها فتفوقت على حركة فتح، بالرغم من قدرات الأخيرة مالياً وتنظيمياً وسيطرتها على وسائل الإعلام وصناعة القرار السياسي سنوات طويلة قبل ظهور حماس.

 

ولا ينسى المؤلف أن يعنى بالجانبين التربوي والإعلامي، وإنما يعقد لكل منهما باباً خاصاً،  يعرض فيه رؤاه وحصيلة خبراته.ثم يختم كتبه بقراءة نماذج تطبيقية على نقده، هي الجماعة الإسلامية التي راجعت فكرها وممارساتها بجرأة، وتنظيم الجهاد  الذي انشق نصفين أحدهما نقد ذاته بنجاح،  في حين تابع الجناح الآخر سيره الأعمى وراء الظواهري، وحركة الإخوان المسلمون التي ما زالت تأبى أي نقد ذاتي أو خارجي لفكرها ولمسيرتها الحركية.
وبإيجاز شديد، يمكن وصف الكتاب بأنه جدير بالقراءة والمناقشة، فمن حق الجميع إن يدلوا بدلوهم وبخاصة المنضوون في العمل الإسلامي العام، ولا سيما أن الكاتب يتبنى مواقف جدلية مثل اعتماد المشاركة السياسية في الانتخابات سبيلاً يتيماً للنشاط السياسي للفصائل الإسلامية...