في زمن جحر الضب التغريبي.... هل بدأ الغربيون يعودون إلى ضميرهم؟
23 ذو الحجه 1431
خباب الحمد

- 1 -

بين فينة وأخرى تطالعنا الأنباء من خلال الصحف والإعلام المرئي، وكذا تتقافز في أذهاننا عدد من التراكمات الإخبارية حول عودة بعض الغربيين إلى ذواتهم وضمائرهم في جوانب تتفق مع المنهج الإسلامي، بل نسمع بإعلان إسلام كثير منهم بعد حياة إلحادية علمانية ماديَّة بعيدة عن الإيمان بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه.

 

وفي قبالة ذلك نلحظ الكثير من الشرقيين التغريبيين والعلمانيين لا يتعلمون من سادتهم في هذه المجالات من العودة إلى الذات ومصارحة النفس ومكاشفتها بالأخطاء التي تنتج عن الحياة الماديَّة، بل يتعلمون منهم فقط ما يزيد بلادنا العربية والإسلاميَّة فساداً على فساد، وانغماساً في حمأة الرذيلة، وانتهاجاً لسبيل المجرمين...

 

ويظنُّون أنَّ الإصلاح كل الإصلاح هو في اتباع سنن الغرب، والعيش معه وملاحقته حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه معهم وظنُّوا أنَّ الدخول في جحر ضب لربما يأتي للأمَّة الإسلاميَّة بالنهضة والتقدَّم، وصدق الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11-12].

 

فنرى العلمانيين العرب في داخل البلاد الإسلامية يزيدون الأوار لهيباً فيشتعل نارًا، بتصريحاتهم حول (رجعيَّة) أو (تخلف) المفاهيم الإسلامية، وضرورة العودة إلى الإصلاح والتغيير ـ على طريقتهم التغريبية ـ للكثير من مناهجنا وطرائق تفكيرنا وقيمنا وثوابتنا المنطلقة من أصول التشريع الإسلامي، ومصادر التلقي لدى أهل السنة والجماعة.

 

ولن أخوض في غمار ولجج هذا الأمر فيكفي الإشارة لأهل الفهم والجدارة، ولست معنيَّاً في هذه المقالة بمناقشة أقوال هؤلاء فلهم مساحات أخرى، كما أنِّي لا أقصد في هذه المقال حشد العديد من الأخبار والمواقف والمقولات التي صدرت عن المجتمع الغربي، من بعض المفكرين أو المثقفين أو القانونيين في عملية إعادة البناء الاجتماعي أو الاقتصادي في الداخل الغربي الميِّت!!

 

فلقد سجَّل عدد منهم مدى التخبط والضلالة التي يعيشونها في عالمهم الجهنمي، وألَّفوا في ذلك كتباً لعلَّ من أفضلها كتاب (موت الغرب) لصاحبه بات بوكانان Pet Buchanan وهو مرشح لرئاسة الولايات المتحدة في انتخابات الرئاسة 1992 و1996م، ولعلَّ في مطالعة هذا الكتاب ما يكفي ويشفي ويفي بالحديث من ألسنة الغربيين أنفسهم عن انهيار حضارتهم الغربيَّة بل موتها!

 

ومع هذا كان لنا وقفة تأمل، وعقد مقارنة لما تحمله لنا بعض الأخبار من عودة قلَّة من الغربيين إلى ضميرهم، بعد التأمل في مآلات ما يقومون به من حالات مغرقة في حلقة الفساد والإفساد، وحمأة الرذيلة والسقوط الأخلاقي والاقتصادي، حيث تباروا فيما بينهم لتحديد أيِّ الدول أكثر إباحية وانحلالاً ومجوناً وإفساداً؟!!

 

وإذ أتحدث عن ذلك فلا يعني بالمرَّة أنَّ الغرب بالفعل تغيَّر، أو أنَّ الصلاح والإصلاح بدأ يفشو ويظهر فيه بشكل واضح، فليس ذلك مقصوداً إطلاقاً، ولكنَّه شيء يُذكر وبه يُعتبر، ليفكر المرء ويُقدِّر، لمن شاء من التغريبيين أن يتقدم أو يتأخر!!

 

وتنبيه مهم قبل أن ألج في صلب الموضوع فإني أعلم أنَّ الحياة الاجتماعية والتربوية وكذا الاقتصادية في الدول الغربيَّة حياة كاسدة فاسدة، ولكنَّ الملاحظ أنَّ هنالك من بدأ منهم ينتبه لهذا الفساد ويحاول أن يصلحه، في الوقت الذي لا زال فيه العلمانيون في البلاد الإسلاميَّة يجعلون قبلتهم الغرب وكل ما نتج عنه، ويستبعدون مع ذلك حلقات الإصلاح والتغيير من الغربيين الموافقة للحق وإن كانت ضئيلة بل ضئيلة جداً.