استشارات أون لاين.. حلول علمية أم فضائح علنية! 1-2
26 ذو الحجه 1431
جمال عرفة

عندما ظهر الإنترنت بشكلها الذي نعرفه الآن في عام 1995 – أي سهولة الاتصال بها عبر الهاتف - وتحولت لشبكة كمبيوترات ضخمة متصلة بعضها مع بعض، ويمكن لأي فرد في العالم أن يدخل عليها ويستعلم عن أي معلومة، سارع العديد من المواقع الاجتماعية لاستغلال هذا التطور الكبير في ثورة الاتصالات اجتماعيا عبر خدمات الشات أو المحادثة، وسارع آخرون لتلقف الفكرة في إنشاء أبواب للاستشارات الدينية أو الزواجية، ومع مرور الوقت تطورت هذه الاستشارات بعد نجاحها لتظهر عشرات من مواقع الاستشارات الاجتماعية والدينية وغيرها.

 

بدأت الاستشارات كفتاوي دينية فقط، ولكنها توسعت تدريجيا وجرى تصنيفها لتصبح عشرات الأنواع من الاستشارات أبرزها: الاستشارات الدينية (إفتاء) – الاستشارات الدعوية (موجهة للدعاة لتحسين أدائهم بغية النجاح في الحقل الدعوي) – الاستشارات الطبية (وصفات علاج طبية) – الاستشارات الأُسَرِية (الخاصة بتوجيه الأطفال والأسرة) – الاستشارات التربوية (تربية الأبناء وكيفية توجيههم) ـ الاستشارات النفسية والاجتماعية (حلول لمشاكل نفسية أو عاطفية) – استشارات الزواج (خاصة بالعلاقة بين الزوجين بصورة أكبر والمتزوجين حديثا) – الاستشارات الشبابية (لمشاكل المراهقين بصفة خاصة).. وغيرها، والطريف أن الاستشارات امتدت الآن لتشمل مجالات تتعلق باستشارات تصليح السيارات أو الاستشارات القانونية أو وصفات الطبخ أو استشارات صيانة الأجهزة وغيرها...!.

 

ويمكن القول: إن أكثر ألوان هذه الاستشارات رواجاً هي مواقع الاستشارات الزواجية أو الشبابية للمراهقين ومواقع الاستشارات الدينية أو الفتاوى، فقد سمحت الإنترنت لكل شاب –من الجنسين- أن يجلس في حجرته متخفيا وراء بريد الكتروني غامض باسم مستعار لا أحد يعرفه، ويرسل شكواه أو مشكلته أو فضيحته بمعنى أصح وخصوصا فيما يتعلق بمشاكل الخيانة الزوجية أو العلاقات الآثمة بين الشباب والفتيات ويستفيض في الشرح بدون خجل – بشكل يفيد في تشريح المجتمع والسقوط على أبرز مواجعه وأمراضه، ولكنه من زاوية أخرى يشبع رغبات شباب آخرين غير أسوياء يجدون في هذه الروايات أو الاستشارات - المائعة أحيانا – ما يرضون به توجهاتهم العليلة بشان العلاقات غير الشرعية أو الإباحية.

 

فلم تعد تحتار هل تذهب إلى طبيب أو مختص نفسي أم لا خشية افتضاح مركزك أو شك أهلك أو زوجك فيك.. ولا حاجة لأن تذهب إلى مركز متخصص في الاستشارات وتجلس منكسر الرأس والعين تنتظر دورك وتخشى انكشاف أمرك أو هويتك، وقد يكلفك الأمر مالاً كثيراً وربما لا تواتيك الشجاعة أن تخبر المختص بحقيقة شكواك لخجلك منها.. لم تعد هناك حاجة لكل هذا بعدما كفتنا التقنية الحديثة ومواقع الاستشارات معاناة الخروج من المنزل والحرج من احتمال كشف أمرنا أمام غيرنا ووفرت علينا المسافات والأزمنة بحيث أصبحت بضع نقرات على لوحة المفاتيح (الكيبورد) كافية لنقل همومنا عبر الأثير آلاف الكيلومترات من شرق الكرة الأرضية إلى غربها أو العكس ويأتينا الرد ونحن في بيوتنا مرتاحين وآمنين.

 

فقد تحتاج فتاة مسكينة أن تعرف حقيقة ما حدث لها في صباها من اعتداء أحد أقاربها مثلاً، وقد يرغب زوج حديث عهد بزواج في معرفة السر وراء اضطراب علاقته الخاصة بزوجته من الناحيتين البدنية والنفسية....والأمر ذاته ينطبق على الشاب المقبل على الزواج ويود الحصول على معلومات حساسة –فلا حياء في الدين-ولكن من مصدر مشروع وموثوق فيه وغير مبتذل، ويفضل أن يتم ذلك بغير المواجهة الشخصية حياء وخجلاً...

 

وتخيلي نفسك فتاة تشكو من مشاكل نفسية أو سلوكية أو واقعة في مشكلة عويصة تتعلق بالعلاقة مع زوجك، وترغبين في استشارة خبيرة، ولكنك تتحرجين من البوح بمشكلتك أمام أي أحد حتى لو كانت أختك أو أمك وتفضلين الموت خجلاً على الإفصاح عما في صدرك، ثم فجأة وجدت من تفتح لك صدرها بدون أن تعرف من أنت فتحكين لها وتتلقين منها الإجابة من دون أن تغادري منزلك!.

 

لا شك أن كل هذه المشاكل وأشباهها، وجدت في الإنترنت وبخاصة في المواقع الاجتماعية الاستشارية أو الزواجية أو حتى النفسية متنفساً مريحاً، فقد صادفت في استشاراتي العديد من هذه الحالات التي تود أن تعرف ماذا تفعل وتريد من يدفعها للثقة في نفسها أو يوجهها للطريق الصحيح، وتتحرج من الذهاب لطبيب لسؤاله عن الأمر...

 

فمواقع الاستشارات على الإنترنت يسرت كل غال وجعلته رخيصا ووفرت لكل صاحب مشكلة مَنْ يَرُد عليه بشكل مستتر دون أن يخشى افتضاح مشكلته أو وجيعته أو كشف عورته وخطيئته.. مجرد رسالة يرسل بها من يريد مشكلته وينتظر الحل فيأتيه من خبراء في علم الاستشارات والاجتماع أو علم النفس بدون أن يجرح أحد مشاعره أو يتعرف عليه فيسبب له حرجاً!