جباجبو ووتارا.. و"ثورة مسلمي ساحل العاج"
1 محرم 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

حرب أهلية تلوح في الأفق

لازالت أزمة نتائج انتخابات الرئاسة في ساحل العاج مشتعلة في ظل إعلان المرشح المسلم زعيم المعارضة الحسن وتارا فوزه كرئيس للبلاد، في الوقت الذي قام منافسه المسيحي الرئيس لوران جباجبو المنتهية ولايته بتنصيب نفسه رئيسا لبلد "الكاكاو" أو المستعمرة الفرنسية السابقة.

 

وتفجرت الأزمة الجديدة عندما أعلنت لجنة الانتخابات فوز وتارا بنسبة 54 % مقابل 46 % من الأصوات لجباجبو، إلا أن رئيس المجلس الدستوري سرعان ما خرج على الملأ ليؤكد أن جباجبو هو الفائز بعد أن أحرز 51 % من الأصوات ، موضحا أن نتائج التصويت في سبع من المناطق الشمالية المؤيدة لوتارا ألغيت بسبب ما أسماها تجاوزات انتخابية خطيرة.

 

ولم يقف الأمر عند ذلك بل إن رئيس الوزراء جويلومي سورو أعلن استقالته من منصبه وتأييده لمرشح المعارضة، فيما تعهد الجنرال فيليب مانجو قائد القوات المسلحة بالولاء لجباجبو، وترافق مع التطورات السابقة أعمال عنف وإطلاق نار في العاصمة أبيدجان أسفرت عن مقتل شخصين على الأقل.

 

وفيما عزا البعض ما يحدث بين جباجبو ووتارا بأنه يعكس جانبي الصراع الديني والثقافي والإداري بين شمال البلاد المسلم وجنوبها المسيحي حيث لازالت المعارضة المسلحة التي خاضت الحرب الأهلية ضد القوات الحكومية عام 2002 تتمتع بنفوذ قوي في الشمال، ذهب البعض الآخر إلى أن ديكتاتورية جباجبو هي سبب الأزمة ، فالانتخابات التي أجريت في 28 نوفمبر 2010 كان يفترض أن تجري في أواخر 2005 عندما انتهت ولاية جباجبو الذي تولي الحكم منذ عام 2000 إلا أنه نجح بتأجيلها أكثر من ست مرات لكي يبقى في السلطة طويلا بصرف النظر عن شرعية حكمه.

 

هذه الأزمة السياسية المتصاعدة جاءت بعد ما يقرب من عقد من الحرب الأهلية المدمرة ومحاولات الانقلاب التي أدت إلى تقسيم البلاد إلى جنوب يخضع لسيطرة الحكومة وتقطنه أغلبية مسيحية وشمال أغلبيتهم من المسلمين.

واللافت في هذه الأزمة هو تأييد واشنطن وباريس لرئيس الوزراء الأسبق الحسن وتارا مرشح تجمع الجمهوريين الممثل لشمال البلاد ذي الأغلبية المسلمة، بل واللافت أيضا أن فرنسا وهي الدولة التي كانت تستعمر ساحل العاج في السابق بدت متوافقة تماما مع موقف أمريكا رغم الصراع بينهما على النفوذ في القارة السمراء.

 

ولعل تفسير ذلك يرجع إلى تهديد وتارا وأنصاره بحرب أهلية جديدة في حال عدم اعتراف جباجبو بنتائج انتخابات الرئاسة الأمر الذي يضع فرنسا وأمريكا في مأزق خشية أن تندلع الحرب مجددا ، وهو ما قد يؤثر بشدة على مصالحهما وشركاتهما المستفيدة من زراعة الكاكاو التي تتركز أساسا في شمال ساحل العاج ذي الأغلبية المسلمة، وهو الذي جعلها واحدة من أغنى الدول المستقلة حديثاً في غرب إفريقيا.

ويضاف إلى ذلك قلق أمريكا وفرنسا من أن المسلمين الذين تبلغ نسبته 65% من عدد السكان باتوا في غضب عارم بسبب الظلم الواقع عليهم والقادم من الجنوب حيث رفاهية النخبة السياسية والتي تخصصت في نهب الفارق بين السعر الدولي للكاكاو والسعر البسيط جدا الذي يدفعونه لمزارعي الكاكاو لدرجة دفعت البعض للقول إن ما يحدث في ساحل العاج حاليا هو ثورة "الظلم ضد الطغيان" أو "ثورة مسلمي كوت ديفوار".

 

كما ذاق المسلمون منذ تولي جباجبو في هذه البلاد الأمرين من ضربات عسكرية وقمعية من قبل الحكومة وضربات أخرى وبالطائرات من قبل الفرنسيين، فقتل ما يزيد عن 400 شخص، وأجبر الآلاف على الهجرة القسرية إلى الدول المجاورة.

ورغم أن المسلمين يشكلون الأغلبية إلا أنهم لم يستلموا الحكم في كافة الحكومات التي تم تنصيبها من قبل فرنسا، كما أنهم يشكلون نسبة أقل من 10% من الكادر الوظيفي في الدولة، حيث يتحكم النصارى والوثنيون بالإضافة إلى الفرنسيين على النسبة الكبيرة من وظائف الدولة.

 

وبجانب ما سبق ، فإن أمريكا وجدت أيضا في أزمة الانتخابات الرئاسية في ساحل العاج فرصة لتوطيد نفوذها داخل تلك الدولة عبر الوقوف مع الطرف الأقوى، فواشنطن تسعى لاختراق مناطق النفوذ الفرنسي وتحويلها إلى مناطق نفوذ أمريكية.

وحيث أن ستين في المائة من رجال الأعمال في ساحل العاج هم فرنسيون ، فإن واشنطن رأت في الأزمة المتصاعدة فرصة لإجبار هؤلاء على الرحيل خاصة وأنهم مرتبطون في عيون المسلمين بأنهم سبب نهب خيراتهم ، فيما تسوق فرنسا نفسها على أنها مع نتائج الانتخابات التي فاز بها وتارا لإبعاد الشبهة السابقة عنها.

 

وتنظر فرنسا إلى ساحل العاج كمركز لحماية 'فرنكفونيتها ' في المغرب الإسلامي، كما أنها تتمتع أيضا بموقع إستراتيجيى يجعلها بوابة لغرب إفريقيا إذ يحدها من الغرب "ليبيريا وغينيا" ومن الشمال "مالي وبوركينا فاسو" ومن الشرق "غانا" ومن الجنوب "المحيط الأطلسي" ، كما أنها تمثل بوابة إلى أسواق "الاتحاد الاقتصادي والمالي لإفريقيا الغربية" و"المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب إفريقيا إيكواس".

 

وقد ارتكزت السياسة الفرنسية في هذه الدولة كغيرها من مستعمراتها السابقة، على نهب خيرات البلد كجزء أساسي من الهيمنة الفرنسية، وذلك باستثمارات فرنسية كبيرة وفي كل القطاعات، وهذا ما جعلها تبني المدن الاقتصادية على السواحل حتى يسهل نقل المواد اللازمة إلى باريس بأقل تكلفة، وجعل أهلها فقراء حيث يرزح حوالي 50 % من أهل ساحل العاج تحت خط الفقر مع أنها تستحوذ على 40% من الإنتاج العالمي للكاكاو، وتعد مصدراً رئيساً للموز والبن والقطن وزيت النخيل والأناناس والمطاط والأخشاب وغيرها من الصناعات!

 

كما يواجه المسلمون هجمة شرسة من البعثات التنصيرية التي تحظى بدعم الرئيس جباجبو ، لذا يظهر الغرب نفسه وكأنه يتعاطف مع المسلمين لكي تواصل البعثات التنصيرية نشاطها بحرية، فهو يعمل  بشتى الطرق لوقف حركة تمدد الإسلام إلى الجنوب الإفريقي.

 

ولا يقف الأمر عند الأطماع الفرنسية والأمريكية، فهناك تقارير حول نفوذ "إسرائيلي" متزايد في ساحل العاج بدأ في عام 1962 عندما قام 7 ضباط "إسرائيليين" بالإشراف على إنشاء مستعمرات زراعية في أدغال ساحل العاج ، وبعد ذلك وتحديدا في 1963، أسس ضابط "إسرائيلي" مدرسة عسكرية بساحل العاج وقام بتدريب فرقة من المجندات.
كما كشفت وسائل الإعلام الفرنسية في وقت سابق أن ستة وأربعين خبيراً من الخبراء الصهاينة كانوا يديرون مركز التنصت والاستخبارات في العاصمة أبيدجان.

 

وكما هي عادة الغرب فإنه يلجأ للتحالف مع الطرف الأقوى في كل دولة على حدة لضمان استمراره في نهب ثروات تلك الدول وهذا ما يحدث حاليا مع ساحل العاج، ويذكر التاريخ سعي الغرب لإشعال حروب أهلية في ليبيريا وسيراليون والكونغو ورواندا وبوروندي وأنجولا وناميبيا لسرقة أحجار الماس وخامات النحاس والكوبالت واليورانيوم في تلك الدول.

 

وينقسم المسلمون في كوت ديفوار إلى عدد من التجمعات العرقية أبرزها "ديولا" بالإضافة إلى المسلمين القادمين من بوركينا فاسو ومالي وغانا للعمل في مزارع الكاكاو وقد هددت حكومة الرئيس جباجبو أكثر من مرة بـ "تطهير البلاد من الأحياء المهترئة" في إشارة إلى مناطق المسلمين القادمين من بوركينا فاسو والبالغ عددهم ثلاثة مليون شخص ، وهو الأمر الذي ضاعف من حدة غضب مسلمي ساحل العاج والدول المجاورة وهي بوركينا فاسو وغانا ومالي ضد نظام جباجبو.

 

وشهد المسلمون أبشع أنواع الاضطهاد في عهد الرئيس جباجبو من حرق للبيوت والأسواق، واغتيالات وطرد من الجيش، وقد أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى دول غرب أفريقيا في بيان لها صدر في مارس 2004م أنها تمكنت من العثور على ثلاث مقابر جماعية ذبح فيها أكثر من مئة مسلم في ساحل العاج.

 

ومعروف أن الإسلام وصل ساحل العاج عن طريق الشمال عبر التجار المسلمين الذين قدموا من غرب إفريقيا وسرعان ما نشطوا في نشر الدعوة الإسلامية في جنوب ساحل العاج .
وبعد ذلك ، بدأ الاستعمار يفرض سيطرته على المنطقة خلال النصف الأول من القرن الماضي وفرضت فرنسا سيطرتها على ساحل العاج ، وبالنظر إلى أن الزحف الاستعماري بدأ من الجنوب فقد انتشرت فيه البعثات التنصيرية التي ركزت على التعليم المهني لكي تجذب أبناء البلاد إليها.

 

والسؤال المطروح الآن هل سيتمكن الغرب من دعم وتاروا لتمكينه من رئاسة البلاد، ومن ثم بسط المزيد من النفوذ الغربي والصهيوني داخل البلد العاجي وهو ما قد يؤثر بالسلب على المسلمين أم سيتمسك جباجبو بالحكم ويستمر في اضطهاد وقمع المسلمين؟ أم ستدخل البلاد في حرب أهلية جديدة يكون الخاسر فيها الأكبر المسلمين وثروات بلادهم؟