خديجة بنت خويلد وعمل المرأة
6 محرم 1432
الدكتور عبدالرحمن العشماوي

هنالكَ تضليلٌ واضحٌ في أحاديث بعض الرجال والنساء الذين يحاولون أن يستدلّوا على ما يروّجون له من أَفكار ببعض آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض مواقف السلف من الصحابة، ومَنْ بعدهم؛ فيلوون أعناق النصوص، ويتجرؤون على الاستدلال المقتضب النَّاقص، بل يتجاوزون ذلك أحياناً إلى التشويش على المعنى الصحيح وقلب الحقائق وتحميل الدليل أو الشاهد ما لا يحتمل. هذا المنهج من أسوأ مناهج التضليل التي يجب أن نحاربها في مجتمعاتنا ووسائل إعلامنا؛ لما لها من آثار سيئة على الفرد والمجتمع والوطن.

 

 

ومن الأمثلة على ذلك ما يجري على أقلام وألسنة بعض "سيدات" الأعمال من استشهاد بتجارة أُمّنا خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها وأرضاها -؛ لتسويغ خوض المرأة المسلمة غمار التجارة دون حدودٍ وضوابط، وذلك على النحو الآتي:
في الفضائيات –مثلاً- نرى بعض المشتغلات بالتجارة يظهرن في صورٍ من التبرَّج والزينة، وكأنَّهن في حفلة زواج، أو أنَّ الواحدة منهن تتزين لزوجها فلا يراها أَحَدٌ غيره! ثم تبدأ بالحديث عن حرية المرأة المسلمة (المالية)، وأنَّ الإسلام كَفَل لها استقلالها المالي – وهذا كلام صحيح - ولكنَّ هذا الكلام الصحيح يُستغلُّ بصورة غير صحيحة؛ حيث تقول إحداهنَّ: وما دام الإسلام قد كفل لي حريتي المالية فمن حقي أن أشتغل كما أشاء. وهنا يبدأ عندها التسويغ للسفور والتبرج والأسفار المتتابعة بغير مَحْرم والاختلاط وحضور المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية في شرق العالم وغربه حضوراً مستقلاً بلا مَحْرم ولا ضابط شرعي إلا عند قلة من سيدات الأعمال تضع نصب عينيها ضوابط الشرع وتحاول تطبيقها.

بل إن الأمر الأكثر تجاوزاً هو حضور بعض الحفلات التي يظهر فسادها في الملابس المتعرية، والمشروبات المحرمة، وغيرها من المخالفات المعروفة في كثير من اللقاءات التجارية في العالم.

هنا يتردد على ألسنتهن اسم خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - لتسويغ كلَّ ما أشرنا إليه من الحالات التي لا ترضاها المرأة المسلمة لنفسها حينما تضع الخوف من الله تعالى نصب عينيها.

 

 

وهنا أنادي كل امرأة مسلمة تاجرة أو عاملة في أي مجال من مجالات الحياة بقراءة صحيحة دقيقة لسيرة خديجة بنت خويلد التجارية، تلك السيرة العطرة التي تقف أنموذجاً إسلامياً متكاملاً لعمل المرأة المسلمة في هذا المجال، وأن يقتدين بها – رضي الله عنها - ويجعلن ما قامت به أسلوباً متبعاً، يعملن على تطبيقه ونشره والدعوة إليه، وألا يرتكبن إثم التزوير في سيرة زوجة الرسول الأولى وساعده الأيمن في دعوته إلى الله، وألا يجعلن حظهنَّ من سيرتها استخدام اسمها الكريم الطاهر لتسويغ ما يحدث من مخالفات شرعية واضحة في هذا المجال.

فسيرة خديجة بنت خويلد سيرة عطرة كريمة محتشمة في الجاهلية والإسلام؛ ولهذا استحقت أن تكون الزوجة الأولى لخاتم الأنبياء والمرسلين، وأن تكون أم أولاده وصاحبة الدَّور الأمثل في نصرته وخدمته وتحقيق الأمن النفسي له منذُ نزول أوَّل آيةٍ من كتاب الله عز وجل.

 

إن عظمة الإسلام - أيتها المرأة المسلمة – أنَّه أَعطى كلَّ ذي حق حقه، ووضع لحياة الناس ضوابط، وحدَّ لها حدوداً لتحقيق مصالح العباد والبلاد، وأنتِ مسؤولة أمام الله - عز وجلَّ - عن تطبيق ما شرع الله لكِ في هذا المجال وغيره، ولن ينفعك أولئك الذين يريدون تهشيم الضوابط وتهوين تجاوز الحدود بحجة "العولمة" وأن العالم أصبح كقرية واحدة، وبحجة "حرية تجرير المرأة" وسحبها إلى ما يجعلها معرَّضة لعقاب ربها.

إنها دعوةٌ صادقةٌ إلى كل امرأة مسلمة مَنَّ الله عليها بالمال، خاصة المرأة السعودية، التي تعيش في مجتمع تقوم عليها فيه الحجة بما يتاح لها معرفته من العلم الشرعي وأمور الدين، أنْ نجعل من أسلوب "خديجة بنت خويلد" في تجارتها المباركة منهجاً نَّتبعه، وستجد فيه الخير والبركة في أعمالها، والبُعد عن إغضاب رَّبها ومخالفة دينها.

 

كما هي دعوة إلى كل رجل مسلم، سواءٌ أكان أباً أم أخاً أم زوجاً، أنْ يقوموا بما أوجب الله عليهم من رعاية نسائهم رعاية نفسية وفكرية وخُلُقية، وألا تبهرهم أباطيل هذا العصر وشبهاته التي تنتشر بصورة مزعجة؛ فيستسلموا لإقحام النساء في مجالات لا تليق بهن انسياقاً لدعاوى باطلة لا سند لها من شرع حكيم أو عقل سليم.
 
إشارة:
قوّاتُ هذا العالم المحموم لا تغني             - إذا نَزَل القضاءُ - قتيلا

المصدر/ سبق