هل تخطئ طالبان.. وتتفاوض؟!
11 محرم 1432
طلعت رميح

شهدت الآونة الأخيرة تصعيدا سياسيا وإعلاميا بشأن المفاوضات بين حكومة كرازاى وحركة طالبان الافغانية، وإذ يلاحظ المتابعون أن حركة طالبان ما تزال تعلن نفيها بدء مثل تلك المفاوضات؛ فإن قوات الاحتلال وحكومة كرازاى ما تزال على حالها فى تصعيد التحركات والتصريحات حول بدء التفاوض، حتى وصل الأمر بقائد قوات الاحتلال الأمريكية والأطلسية حد القول إن قواته قد فتحت ممرا آمنا لمرور وفد طالبان المتجه لإجراء المفاوضات.

 

وعلى صعيد آخر، فقد شهدت الآونة الأخيرة تغييرات أخرى ليست أقل أهمية من حكاية المفاوضات، وربما هى كاشفة لما يجرى بشأن المفاوضات، إذ أعلنت طاجيكستان عن إرسالها قوات لمقاتلة حركة طالبان، كما أعلنت دوائر غربية عن موافقة روسيا على السماح للقوات الأمريكية والأطلسية في أفغانستان، بتوسيع أعمال الإمداد والتموين عبر الأراضي والأجواء الروسية، إلى درجة تمكنها من الاستغناء عن مرور تلك الشحنات عبر الأراضي الباكستانية، كما أعلن أيضا عن مشاركة روسيا فى العمليات الجارية فى أفغانستان من خلال أو تحت شعار القيام بتدريب الشرطة والجيش الأفغانيين التابعين لسلطة حامد كرازاى، وإمدادها بالسلاح.
وفى جانب ثالث، شهدت العواصم الاوروبية تحركات بدت واضحه نحو إعداد المسرح السياسي والإعلامي للإعلان عن سحب قواتها من المعركة الجارية في أفغانستان، وهو ما اتخذ صيغة أكثر صراحة في فرنسا وصيغة أقل صراحة في بريطانيا.
في فرنسا جرى الإعلان عن إمكانية بدء سحب القوات في مطلع عام 2011، بما دفع المراقبين للربط بين تهديد بن لادن لفرنسا وهذا القرار، وفى بريطانيا أعلن عن تخفيضات كبيرة فى الانفاق العسكرى بما فهم على أنه بداية حديث جاد عن الانسحاب من أفغانستان تحت ستار تخفيض النفقات.

 

ثمة ثلاث حزم من التغييرات إذن، أولها على مستوى أطراف الصراع المباشر أي بين حركة طالبان أفغانستان وقوات الاحتلال الأمريكية والأطلسية ببروز مقولات من قبل الطرف المحتل بالتفاوض أو بإقراره بضرورة التفاوض واستعداده له، وثانيها على صعيد قوى الإقليم المنغمسة فعليا في الصراع سابقا، وبشكل خاص باكستان، التى إن لم تمر الامدادات الاطلسية عبرها تكون قد دخلت إلى وضعية جديدة في علاقاتها بتلك الحرب، وثالثها تتعلق بدخول أطراف جديدة على الصراع العسكرى ممثلا في طاجيكستان وروسيا. وقد كانت من قبل فى وضع المراقب والمتابع والبعيد عن الاشتباك المباشر في الصراع.
ما الذى يجرى إذن؟ ولم عنونا المقال بما يشير إلى أن طالبان تخطىء اذا قبلت التفاوض الآن؟

 

حكايات المفاوضات
 حكاية المفاوضات حكايات كلها مليئة بالألغام. الأولى منها تتعلق بأحاديث قادة قوات الاحتلال عن فتح طريق آمن أمام مرور وفد من حركة طالبان لبدء المفاوضات مع كرازاى فى كابول، وهو تصريح ملغم، إذ القول بطريق مرور آمن يصور قوات الاحتلال وكأنها تسيطر على الأرض والطرق، وهى التي تشكو أصلا من سيطرة طالبان على الطرق وقيامها بأعمال التفجير ضد القوات خلال دورياتها وضد الآليات المتحركة حتى تكاد توقف وصول الإمدادات للقوات المتمركزة في قواعد ثابتة، وهو تصريح يظهر الأمور وكأنها وصلت إلى درجة معرفة قوات الاحتلال بأماكن وجود قادة حركة طالبان، وأن قادة تلك الحركة تتواجد علانية بقادتها فى المناطق التى تسيطر عليها وهو قول وتلميح مخادع وفق الوقائع التى تعلنها تلك القوات ذاتها ليل نهار، إذ نمط سيطرة حركة طالبان على الأرض هو نمط من السيطرة المؤقتة وهى لا تظهر فى تجمعات أبدا ولا يظهر قادتها علنا من باب أولى ،وهى تظل على حذرها حتى مناطق سيطرتها بالنظر لتمتع قوات الاحتلال بسيطرة جوية بلا رادع. وهنا يبقى من التصريح أنه محاولة للقول بأن قادة مناطق من حركة طالبان هم من أبدوا استعدادهم للتفاوض، والقصد منه اظهار الحركة بمظهر المنقسم بشأن المفاوضات . 

 

والحكاية الثانية، تتعلق بتشكيل مجلس السلام وتكاثر الحديث عنه. في تشكيل المجلس يبدو وكأن سلطة كرازاى تحاول الإيهام بأن توجهها نحو التفاوض قد أثمر ودخل حيز التنفيذ، وفي اختيار رباني لقيادة أو رئاسة هذا المجلس تبدو سلطة كرازاى وكأنها تقول أنها اختارت ندا لطالبان، ليس فقط لسابق الصراع العسكري بين طالبان ورباني، ولكن أيضا لانتماء رباني إلى طائفة الطاجيك التى تختلف مع حركة طالبان وتكاد تكون فى صف القتال ضدها في الوقت الراهن، وكذا لأن رباني صاحب رؤية "تشكيل جمهورية أفغان الإسلامية" لا "دولة أفغانستان الاسلامية" والفرق كبير كما هو معلوم.

 


والحكاية الثالثة
،هي حكاية التفاوض ذاتها ،فإذا ما تزال حركة طالبان تنفى أنها بدأت التفاوض وأنها ما تزال على رفضها للتفاوض إلا بشرط إعلان غربى واضح بجدول انسحاب قوات الاحتلال؛ فإن هناك من يلفت النظر إلى أن السلطات الباكستانية قد أطلقت سراح الملا برادار الذى كان قد اعتقل في باكستان من قبل، في إشارة إلى أن الرجل قد يكون هو من بدء التفاوض مجددا، إذ كانت الامم المتحدة قد انتقدت عملية القبض عليه واتهمت القوات الأمريكية برفض التفاوض مع طالبان، وأن الرجل كان في وضع التفاوض حين ألقي القبض عليه، كما بعض المراقبين يفسرون بعض الكلمات الواردة فى خطابات الملا عمر الأخيرة بأنها ذات طبيعة تصالحية.
والحكاية الرابعة تتعلق بمرور الإمدادات الأطلسية عبر الأراضي الباكستانية، وتحولها للمرور عبر روسيا وطاجيكستان.

 

هنا نحن أمام عدة حكايات فى واقع الحال لا حكاية واحدة وألغام متعددة لا لغم واحد أيضا. مرور الإمداد والتموين لقوات الأطلسي عبر باكستان، هو أصلا لم يعد ممكنا الاعتماد عليه، بالنسبة لجيش يخوض أعمالا قتالية على الأرض ضد حرب جهادية في أرض عدوة لقوات الاحتلال. ولتلك الحكاية بعد آخر وهو أن الدول "الجديدة" التى سيجرى عبور الامدادات عبر أراضيها وهى كل من روسيا وطاجيكستان، كلاهما ذات طبيعة خاصة جدا في هذه الحرب.
في الحكاية الروسية نحن أمام دولة كانت في الأصل محتلة لأفغانستان وسبق أن خرجت منها مهزومة، في ظل مساندة من تمرر لهم الإمداد والتموين اليوم فى الحرب ضدها في ذاك الوقت، كما أن مرور الإمداد والتموين عبر أراضيها اليوم مرتبط بعودتها هى الأخرى إلى ذات البلد عبر تدريب القوات الأفغانية وإمدادها بالسلاح، بما يعنى أنها تنغمس فى تلك الحرب مجددا إلى جوار خصومها لكن على حسابهم أيضا ولحساب مصالحها الخاصة.

 

وفى حكاية طاجيكستان فنحن أمام دولة تتحول سريعا إلى حالة صراع داخلي، ويمثل دخولها الحرب هروبا للأمام في تلك الحرب؛ فمنذ فترة تكاثرت الأنباء عن وقوع أعمال عسكرية على أرضها بين حركات إسلامية وجيش الحكم، كما أذاعت قيادة تلك الدولة بيانات عن دخول أفراد من حركة طالبان أو مرتبطين بهم إلى داخل حدودها، في إشارة إلى امتداد حرب أفغانستان إلى داخلها، وفى ذلك تبدو طاجيكستان هى الدولة الجديدة التى تتمدد الحرب من أفغانستان إلى داخل حدودها –بعد باكستان –وأنها الدولة التى تحاول الزعم بأن دخولها الحرب قد جاء للحفاظ على أمنها، وهو ما يدفع المراقبين للقول بأن العالم شهد خطة مبرمجة معدة مسبقا، تمهيدا لقرار دخولها الحرب. والأهم هنا أن الحرب الأفغانية توسعت الآن لتصبح حربا إقليمية بالفعل.

 

ماذا يجرى؟
في الأصل؛ فإن ما تبرزه معطيات الصراع على الأرض – والذي تأتي كل تلك الحكايات وألغامها وأبعادها محاولة لتفسيره - هو أن القوات الأمريكية والأطلسية قد انتهت استراتيجيتها السابقة فى الحسم العسكرى إلى الفشل والهزيمة الحقيقية، وأن تحركاتها الراهنة ليست إلا تعبيرا عن هذا المأزق.

 

كما المعطيات تقول إن سلطة كرازاى لم تنجح بدورها فى انفاذ المخطط الذى كان محددا لها ضمن استراتيجية الحسم العسكري، إذ لم تتمكن لا من الحصول على شرعية جماهيرية ولا من بناء جيش وشرطة وأجهزة استخبارات قادرة على مساندة قوات الاحتلال.
هذا هو المعطى الأصل، الذي صار مؤكداً على نحو لا يقبل الطعن أو التأويل، إذ الخسائر العسكرية الأمريكية والأطلسية لم تعد تطاق، والحصار الذى تفرضه حركة طالبان على القواعد العسكرية الأمريكية والأطلسية صار خطيرا إلى حد إقدام تلك القوات على إغلاق بعض القواعد والانسحاب منها، كما أن حصار وانقطاع الإمداد والتموين صار يؤذن بحدوث كارثة، فضلا عن أن القدرة الاقتصادية للغرب لم تعد قادرة على الاستمرار فى تحمل كلفة مواصلة الحرب، إذ أعلن عن تخفيضات فى الميزانيات العامة لكثير من الدول المشاركة فى الحرب وفى ميزانيات وزارات الدفاع بها، على نحو يؤثر على قدرتها فى تحمل نزيف الخسائر الحادث ..الخ.
لكن ذلك لا يعنى أن الغرب قرر ترك أفغانستان في مهب الريح، بل إن تلك الأوضاع قد دفعت الغرب إلى تغيير استراتيجية الصراع القديمة التي فشلت وصار إلى اعتماد أخرى، حتى لو كان القرار هو الانسحاب، إذ الانسحاب نفسه لا يعنى التخلي عن الأهداف والدور، وإنما قد يعني تغيير أساليب تحقيق الأهداف مع تقليص تلك الأهداف أو وضع أولويات جديدة لتحقيقها.

 

 

وهنا يمكن رسم خارطة خطة الولايات المتحدة وحلف الأطلسى فى المرحلة الحالية والقادمة كما يلي:

أولا : إدخال قوى جديدة في الصراع إلى جانب قوات الاحتلال، عبر تقديم حوافز ومصالح لتلك الدول من جهة - أو من خلال مقايضة المصالح معها فى مناطق أخرى من العالم – وأيضا عبر توسيع مخاطر الحرب عليها ومصالحها لانتزاع قرار استراتيجى منها بالمشاركة في الحرب  . نقصد هنا إدخال طاجيكستان وروسيا تحديدا بعد إدخال الهند وباكستان . لقد جرى إدخال الهند طرفا فى الصراع للضغط على باكستان من جهة ولتصعيد دورها فى الإقليم من جهة أخرى – جذبها شمالا - غير أنها وصلت إلى آخر جهدها أو آخر مدى فى قرارها فلم تحقق الأمر الذى تنشده قوات الاحتلال كليا، سواء بسبب الضغوط الباكستانية أو بسبب تصاعد الصراع فى كشمير أو بسبب عدم اتخاذ الهند قرارا بإرسال قواتها إلى أفغانستان.
الآن يؤتى بطاجيكستان تحت ضغط تصعيد الصراع الداخلى فيها وإثارة مخاوفها من امتداد الصراع الأفغاني إليها – وقد نفى الملا عمر مد الصراع إلى أي من دول الجوار- وعبر المساعدات المالية من جهة أخرى.
وهنا يبدو إدخال الروس في الصراع هو الأخطر. لقد جرى إدخال الروس عبر مقايضة المصالح معهم، إذ ذكرت كثير من التقارير الروسية عن وصول روسيا وأمريكا إلى مقايضة حصل بمقتضاها الروس على اعتراف أمريكي بحق روسيا بالتحرك فى محيطها أو فى دول الاتحاد السوفيتى السابق وعدم تسليح الأطلسي لقوات دول المحيط تلك، في مقابل دور روسي مساند فى الحرب على طالبان سواء من خلال تمرير الشحنات عبر الجو (بمعدل 5 طائرات شحن يوميا) أو من خلال الشحنات عبر الأرض، وقد أشارت التقارير إلى ضغوط أمريكية إضافة إلى تلك المقايضة، انتهى إلى تعاون استخبارى ضد النشاط المسلح فى أراضي الجمهوريات الروسية وكذا لوقف تصعيد تجارة المخدرات من أفغانستان إلى روسيا لمنع تهديد أمنها واستقرارها الاقتصادى والاجتماعي. لقد وعدت امريكا بتعاون استخبارى مع روسيا فى تلك المجالات.

 

ثانيا: تهميش المساهمة الباكستانية في الحرب من جهة وتفجير الأوضاع أكثر فى داخلها من جهة ثانية، وفتح الطريق لها للمساهمة فى الحوار مع طالبان أفغانستان من جهة ثالثة.
وإذ تبدو تلك اتجاهات متضادة فالأمر فى الجوهر ليس كذلك إذ كلها مربوطة بخيط واحد .ببساطة شديدة ،إن تغيير طرق الإمداد والتموين ،هو إضعاف لنقطة ضغط باكستان على الاستراتيجية الأمريكية، فضلا عن أنه تحصيل حاصل على نحو ما، وهو في ذات الوقت ما يفتح الطريق على نحو فعلي أمام لعب باكستان دور في المفاوضات الأفغانية، إذ لا يمكن لباكستان لعب الدور المطلوب منها وهى تمرر شحنات لقتال طالبان. وهنا يأتي تصعيد تفجير الأوضاع فى داخل باكستان بهدف تعميق حالة إضعافها، ولتقليل طموحاتها في أفغانستان فى تلك المرحلة التى تعاني فى الولايات المتحدة واستراتيجيتها هناك من وضع الضعف والهزيمة.

 

ثالثا: في حكايات المفاوضات مع طالبان ثمة جوانب متعددة .نحن أمام لعبة كرازاى لتحقيق مصالحه، إذ اثبتت تجارب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مدى تدهور أوضاع كرازاى ومدى رفض الطاجيك والأوزبك له، وهو لا معين له إلا توسيع نفوذه ودوره فى المناطق البشتونية التي هى ذاتها المناطق التى تسيطر عليها حركة طالبان.
وتلك التحركات التى يقوم بها كرازاى لا تتوقف عند حدود آنية تحمل مضمونا خطرا للغاية وبعيد الأمد، إذ إن المخطط الحقيقي للعبة المفاوضات يتخطى حكايات الحرب الراهنة. ولنقل الأمر بوضوح . كرازاى يسير ضمن مخطط خطير للغاية، إذ هو لم يعترف يوما بأن المناطق البشتونية في باكستان هى مناطق باكستانية بل مناطق أفغانية . كرازاى يسير ضمن المخطط الأخطر في تلك المفاوضات، وهو محاولة جذب حركة طالبان الأفغانية المرتبطة بحركة طالبان الباكستانية إلى حوار واحد وككتلة واحدة، لتفكيك باكستان وضم مناطق البشتون إلى أفغانستان . يبدو الأمر غير قابل للتطبيق وفق قدرات كرازاى، وهذا صحيح، إذ ذلك هو المخطط الأمريكي، الذي جرى ويجرى إنفاذه بإحكام، حيث تفجير مناطق القبائل فى باكستان والضغط على الجيش الباكستاني للدخول فى مواجهات دموية مع طالبان باكستان، لا يستهدف فقط قطع الإمداد والتموين عن طالبان أفغانستان - في المعركة الجارية - بل هدفه البعيد أو المستقبلى هو تفكيك باكستان.
رابعا: وفى أهداف التفاوض الأمريكي المباشرة، فخطة الاحتلال تستهدف تفكيك حركة طالبان. المفاوضات لم يجر فيها ما هو معتاد أو طبيعي إذ لم تطرح قضية وقف النار لبدء المفاوضات. بل يجري الحديث عن التفاوض رغم استمرار النار، وهو ما يعنى استهداف امريكا جذب بعض القادة المحليين إلى طاولة التفاوض مع استمرار القتال ضد القطاعات الأخرى.
والهدف الثاني المباشر من التفاوض الأمريكي، هو محاولة "تشكيل مراكز منافسة لبعضها البعض فى داخل طالبان" فكريا وسياسيا وميدانيا ". وبشكل أدق فإن الولايات المتحدة تعمل على تشكيل مراكز فكرية وسياسية من بعض الميدانيين فى حركة طالبان لمواجهة تماسك الحركة تحت قيادة الملا عمر.

 

خامسا: وفى طلب التفاوض والعمل على تحقيق تلك الأهداف؛ فإن التغيير الحاصل في الاستراتيجية الأمريكية يتلخص تحديدا فى تعميق العمل الاستخبارى وأعمال المجموعات الخاصة "خلف خطوط طالبان" بهدف إعمال الفتنة سواء من خلال الأعمال السياسية والدعاية السوداء –ومنها تصريح بترايوس بفتح طريق مرور آمن لمرور بعض قادة طالبان المفاوضين- أو من خلال الأعمال العسكرية المتفرقة المدبرة لإيقاع طالبان فى ارتباكات داخلية.
سادسا: تعمد قوات الاحتلال الأمريكية إلى التلويح بالمفاوضات والإلحاح عليها، لدفع تحالف الشمال السابق للعودة للاستعداد للعمل العسكري، حال انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان، وهنا مغزى الدور الإيراني المسموح به فى أفغانستان والدور الروسي والدور الطاجيكى. أمريكا تستهدف تحفيز الأطراف الأخرى للمساهمة فى الحرب، والمساهمة من بعد انسحابها لمواجهة طالبان وحربها. ولعل فيما يثار الآن بشأن "بشتنة" أجهزة الدولة الأفغانية – عبر تعيين قادة من البشتون على حساب مسئولين من العرقيات الأخرى – أحد المؤشرات الهامة على ذلك.
سادسا: وفى الأصل يبدو الهدف الأبعد هو إدخال المنطقة فى حالة اقتتال وتفكيك واسع وذلك ما يجرى الآن عبر لعبة المفاوضات على الصعد الداخلية والإقليمية.

 

 

هل تخطىء طالبان
يبدو التذكير بوقائع من السلوك الأمريكي مفيد في فهم ما يجرى الآن بشأن المفاوضات في أفغانستان؛ فقد جرى التلويح بالتفاوض مع المقاومة العراقية فى مرحلة ضغط تلك المقاومة الشديد على القوات الأمريكية. وكان الهدف تحفيز الأطراف الأخرى لدعم قوات الاحتلال التي بدت وكأنها تستسلم للهزيمة، وهو ما نتج عنه تشكيل الميليشيات فى العراق وتحفيز إيران للدخول العسكري عبر أجهزتها في المواجهة مع المقاومة، وكان الأخطر أن أحد القوى المقاومة قد وافقت على الحوار.. فلما تحقق للأمريكان ما أرادوا تغيرت الأوضاع.
الآن لا إمكانية للمفاوضات فى أفغانستان بل يجب أن تكون الأولويات هي تشديد الضغط ورص الصفوف وطمأنة دول الجوار وتطويق المخطط الأمريكي...