في زمن جحر الضب التغريبي.... هل بدأ الغربيون يعودون إلى ضميرهم؟ - 4
21 محرم 1432
خباب الحمد

-4-

•    إنهم يستنجدون بالاقتصاد الإسلامي!!

بعد اجتماع عقده رجال البرلمان الفرنسي للتباحث في شؤونهم الخاصة، وافقوا على تعديل بعض القوانين من أجل السماح بإصدار الصكوك أو السندات الإسلامية، ومن ثمَّ تقدم بنك قطر الإسلامي بطلب ليكون أول بنك إسلامي يفتح مركزاً له في فرنسا(1).

 

هذا مع العلم أنَّ فرنسا بالذات تفاخر بعلمانيتها القاسية، وتحاول قدر الإمكان الاحتفاظ بمواريثها الفكرية والتحذير من أسلمة المسلمين لها، لكنها تسعى إلى أن تكون عاصمة التمويل الإسلامي في أوربا، بل إنها تأمل في الإطاحة بلندن بوصفها المحور الأوروبي للعمل المصرفي الإسلامي، وتحاول تقديم معاملات تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وتلبية احتياجات كبار المستثمرين ومعظمهم من دول الخليج.

 

وقال ألكسندر دو جونياك مدير مكتب وزيرة المالية الفرنسية  للصحافيين في 28 سبتمبر الماضي : إنه "يجري اتخاذ إجراءات لضمان أن تصدر فرنسا أول صكوك إسلامية في عام 2010"(2).

 

وليس غريباً ملاحظة ذلك التنافس الأوربي على الاهتمام بالمنهج الاقتصادي الإسلامي والاستفادة منه بعدما لاحظوا تلك الأزمة الكارثيَّة التي عصفت بهم قبل سنة بسبب معاملاتهم القائمة على الرأسماليَّة الربوية والنفعيَّة.

 

وبسبب هذه الضائقة المالية والأزمة التي وقعوا بها ، حاولوا أن يتلمَّسوا ما يمكنهم من استنقاذ وضعهم، فلم يجدوا بدَّاً من المناداة بقراءة القرآن لفهم ما يحل بهم وبمصارفهم!!

 

فهاهو "بوفيس فانسون" وهو رئيس تحرير مجلة (تشالينجز)، يكتب مقالاً بعنوان (البابا أو القرآن؟) قائلا: ( أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها، ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود)(3).

 

وكذلك يطالب (رولان لاسكين) رئيس تحرير صحيفة (لوجورنال د فينانس) بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي؛ لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم؛ من جراء التلاعب بقواعد التعامل، والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.

 

وعرض (لاسكين) في مقاله الذي جاء بعنوان: "هل تأهلت (وول ستريت) لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟"، المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة، وفي مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية"(4).

 

وفي جريدة (هيرالد تريبيون) الإنجليزية - النسخة الدولية-  كتب (أومش ديساي) مقالة بعنوان: (الكارثة المالية تتيح فرصة السطوع للاقتصاد الإسلامي)،ومما ورد فيها قوله في صدر مقالته : "إن المرابحة الإسلامية هي طوق النجاة الوحيد للجميع للنجاة من أزمة التضخم المتعاظمة " و ينقل عن (ديفيد تيستا) المدير التنفيذي لبنك جيتهاوس البريطاني الذي تم إنشاؤه في أبريل الماضي على أساس التعاملات الإسلامية : "إن وضع السوق الحالي أعطى فرصة عظيمة للاقتصاد الإسلامي"(5).

 

ويصدر كتاب مؤخراً للباحثة الإيطالية لوريتا نابليوني بعنوان (اقتصاد ابن آوى) أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي، إذ اعتبرت  أن (مسئولية الوضع الطارئ في الاقتصاد العالمي والذي نعيشه اليوم ناتج عن الفساد المستشري والمضاربات التي تتحكم بالسوق، والتي أدت إلى مضاعفة الآثار الاقتصادية)، وأضافت أن (التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي الذي يُشَبّه الاقتصاد الإسلامي بالإرهاب، ورأت نابليوني أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني). وأوضحت أن (المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية، فمع انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولايات المتحدة، فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدعا ويحتاج إلى حلول جذرية عميقة)(6).

 

•     الشريعة الإسلامية علاج ناجع:

من المثير للاهتمام،ملاحظة أن كثيراً من الغربيين البارزين باتوا يعترفون بأنَّ الشريعة الإسلاميَّة عظيمة المقدار، وأنَّ في تطبيقاتها الكثير من الحلول للجرائم والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية ، فالدكتور روان وليامز كبير أساقفة كنيسة كانتربري دعا إلى تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية في بريطانيا. معتبراً أنه أمر لا يمكن تجنبه قائلاً في حديث له مع إذاعة "بي بي سي" في فبراير 2008 "إن تطبيق الشريعة الإسلامية أمر لا مفر منه لتماسك المجتمع البريطاني"(7)، وقد تعرض الرجل بسبب ذلك لانتقادات حادة داخل الأوساط العنصرية والنصرانية المتطرفة في المجتمع البريطاني وفي عدد من البلدان الأوربية، واعتبرته صحف غربيَّة بأنَّه سدد ضربة للعلمانية، وطالبته بالاستقالة من منصبه.

 

والحال نفسه نجده لدى كبير القضاة في إنكلترا وويلز في دفاعه عن الشريعة الإسلامية، فقد أكَّد أن مبادئها يمكن أن تلعب دوراً في بعض جوانب النظام القضائي، وهي تصريحات اعتبرتها محكمة الصلح الإسلامية في المملكة المتحدة، «خطوة إيجابية».

 

وقال اللورد فيليبس في كلمة أمام المركز الإسلامي لشرق لندن :" ليس هناك من سبب يمنع استخدام مبادئ الشريعة الإسلامية لحل النزاعات والتوسط في القضايا الخلافية، لكن من غير المحتمل إمكان تشكيل محاكم إسلامية في المملكة المتحدة".

 

وأضاف أن "الشريعة عانت من سوء فهم وعلى نطاق واسع لكن هذا لا يمنع من اللجوء إلى مبادئها لحل الخلافات شرط أن تستند إلى القوانين المرعية في إنكلترا وويلز، كما أن القصاص الجسدي القاسي مثل الرجم والجلد وقطع اليد لن تكون مقبولة"(8)

 

•     لا تثريب على تعدد الزوجات!

ذكرت وسائل الإعلام موافقة أحد أهم رجال القانون في السويد، البروفسور ستيفان ليندسكوغ على إقرار تشريعات قانونية تسمح بتعدد الزوجات في البلاد، ويعد هذا الموقف تغييراً جوهرياً في القناعة التقليدية عند رجال القانون في السويد، من أن تعدد الزوجات لا يتطابق مع المجتمع الحضاري(9).

 

ولم يتوقف الأمر عند السويديين فانتقالاً لبعض الدول الشرقية وخصوصاً في روسيا بدؤوا يتحدثون عن ضرورة إيجاد حل للمعضلة الجغرافية الديموغرافية، حيث يخوض الروس  مناقشات كبيرة لإيجاد قوانين تبيح تعدد الزوجات لدى الرجال القادرين على تحمل هذه المسؤولية نظرًا للتناقص في تعداد السكان في روسيا وزيادة معدلات الشيخوخة في البلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى نقص فادح في الأيدي العاملة، والمشكلة نفسها تعاني منها معظم الدول الأوروبية.

 

•    المدرسة التربوية الغربيَّة ومطرقة النقد الذاتي:

من يتابع كتابات الغربيين في المجالات التربوية والصراع الدائر بينهم، يلاحظ ازدياد الانتقادات الواردة منهم لكثير من الأدبيات النمطية في علم النفس وعلم الاجتماع وأصول التربية ، والمدارس مختلفة التوجهات سواء أكانت المدرسة المثالية مروراً بالمدرسة الثانية وهي: المدرسة الواقعيَّة إلى المدرسة التي تعبِّر عن فلسفة تربوية ثالثة وهي فلسفة التربية البراجماتية ، ونشوب الصراع بين تلك الفلسفات التربوية الثلاث؛ وسوف يجد كثيراً من التربويين يختلفون مع القيود والمبادئ التي يتداولونها بينهم كنظرية التطور والنشوء والارتقاء ( نظرية داروين)، وكذلك الأسس في علم النفس المعاصر التي أسَّسها وقعَّدها رموزهم كفرويد، وفي علم الاجتماع ونظريات دور كايم، فهو واجد لا محالة تلك الاختلافات الكثيرة التي وقعت بينهم، مما أدَّى لتبني كثير من الغربيين بعض النظريات الإسلاميَّة القويمة والتي ينادي بها علماء التربية الإسلاميَّة بناء على استنباطاتهم من القرآن والسنَّة وطريقة تلقي المجتمع الإسلامي لتلك المفاهيم على أسس سليمة.

 

ومن يطالع بعض أبحاث البروفسور (أبراهام ماسلو) ـ رئيس دائرة علم النفس في (جامعة برنديز) ـ  وهو يتحدث عن خطورة الانشقاق بين العلم والدين في الأساليب التربويَّة، فسيدرك أنَّ الرجل اقترب من المفاهيم الإسلاميَّة الصحيحة؛ ومثله كذلك العالم الفرنسي الأصل (رينه دوبو) الحائز على جائزة نوبل والذي كان له الفضل في تغيير كثير من قناعات الغربيين في الكثير من الفلسفات والأطروحات التي يتبنونها في كتاباتهم...

 

_______________________

(1) عن جريدة الاقتصادية السعودية:
http://www.aleqt.com/2009/09/29/article_280934.html
(2) عن موقع الإسلام اليوم:
http://islamtoday.net/albasheer/artshow-17-120301.htm
(3) المصدر من مجلة (تشالينجز):
http://www.challenges.fr/magazine/0135-016203/le_pape_ou_le_coran.html
واستفدت في ترجمته من موقع إسلام أون لاين في هذا الرابط.:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-...
(4) المصدر من صحيفة (لوجورنال د فينانس):
http://www.jdf.com/indices/2008/09/25/02003-20080925ARTJDF00004-wall-str...
واستفدت من ترجمته من مقال: هل ينقذ الاقتصاد الإسلامي العالم من السقوط إلى الهاوية ، لكابه الدكتور : إسماعيل شلبي:، والمنشور  في موقع محيط شبكة الإعلام العربية:
http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=370166
(5) موقع إسلام أون لاين:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-...
(6) مقال: هل ينقذ الاقتصاد الإسلامي العالم من السقوط إلى الهاوية ، لكاتبه الدكتور : إسماعيل شلبي:، والمنشور  في موقع محيط شبكة الإعلام العربية:
http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=370166
(7) مصدر الخبر من موقع : (bbc):
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_7489000/7489005.stm
(8) موقع : (bbc) :
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_7489000/7489005.stm
(9) ينظر جريدة عالم اليوم الكويتية:
http://www.alamalyawm.com/ArticleDetail.aspx?artid=23217