تعددت الذرائع والقمع واحد.. خنق الفضائيات الإسلامية ما زال مستمراً
24 محرم 1432
علا محمود سامي

تدخل القنوات الفضائية الإسلامية التي تبث من مصر شهرها الثاني من الحجب عن جمهور مشاهديها في أنحاء كبيرة من العالم العربي والإسلامي والأوروبي، وهى مناطق التغطية الجغرافية للقمر الصناعي المصري"نايل سات"، والذي كانت تبث عليه القنوات المغلقة.

 

وبينما كانت السلطات الرسمية تطلق وعودها بإعادة بعض الفضائيات التي تم إيقافها، إذا بالسلطات المصرية تطلق رصاصة جديدة على مزيد من الفضائيات الإسلامية باستمرار تكميم أفواهها، ومواصلة إخماد أصواتها، وهي القنوات التي كثيرا ما دعت إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة، وكانت-بفضل الله- حصنا للشباب من السلوكيات الهدامة والأفكار المنحرفة، وسدا منيعا ضد كل منابع ما يسمى بالعنف والتطرف والإرهاب.

 

إن الإجراءات المصرية بإقفال مزيد من القنوات الإسلامية بددت أي حلم كان يتمناه مالكو هذه الفضائيات وجمهورها العريض من أبناء الأمة العربية والإسلامية بعودة هذه القنوات من جديد، في الوقت الذي لا تزال فيه القنوات الهابطة وفضائيات التنصير تسرح وتمرح وتنشر سمومها كالأفاعي، لبث الرذيلة في نفوس الشباب من ناحية، ولتنصيرهم من ناحية أخرى، ولتكون لها الغلبة على القنوات الإسلامية، وكأنه نجاح للقنوات الهابطة في خنق الفضائيات الإسلامية والجادة.

 

وثالثة الأثافي أن قنوات الشيعة الراوفض لا تزال تصدح بسم قاتل ضد الصحابة رضوان الله عليهم، وضد أهل السنة، حتى ظهر أخيرا أن إغلاق الفضائيات الإسلامية ما كان له أن يتم لولا الحملة التي شنتها هذه الفضائيات ضد الروافض وحملات التنصير، وفي مواجهة احتجاز نصرانيات اعتنقن الإسلام في الأديرة والكنائس.

 

هذا ما عبر عنه صراحة وزير الإعلام المصري، عندما أصدر بيانا تذرع فيه بإغلاق الفضائيات الإسلامية بقوله: "ثبت أن هذه القنوات تعمل على نشر آراء دينية متطرفة وتحض على عدم التسامح بين أطراف الأمة المصرية ولم يقتصر دورها على أهل السنة فقط بل امتدت بعض هذه القنوات إلى الفكر الشيعي أيضا ووصل إلى حد الدعوة الصريحة في إحدى المناسبات إلى القتل بما جعل تدخل الدولة أمرا ضروريا حماية للسلام الاجتماعي من ناحية وحفظا للمجتمع من التطرف".

 

على هذا النحو كان هدف إغلاق القنوات الإسلامية لمصلحة الروافض، وحمايتهم، وكأنه تستر على تصاعد حملاتهم أخيرا ضد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لإفساح الساحة الإعلامية لهم ولغيرهم من قنوات التنصير، وفضائيات الخلاعة والمجون.

 

وما يعزز الرغبة الرسمية لإفساح المجال لقنوات الروافض للطعن في الصحابة رضوان الله عليهم وأهل السنة، أن هذا الإقفال تزامن خلال الفترة الأخيرة مع زيارة ثلاث شخصيات شيعية نافذة في إيران والعراق لمصر، فمن طهران زار القاهرة لأول مرة وفد إيراني رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقام الرجل بزيارة للعديد من الأقاليم المصرية، وأبرم مع مسؤولين ووزراء اتفاقات، كان أبرزها تسيير خطوط طيران بين العاصمتين المصرية والإيرانية، وذلك لأول مرة منذ سقوط نظام الشاه، وهو ما كان له بالغ الأثر في أوساط المراقبين والمحللين الذين أذهلهم التناقض الغريب بين الموقف الرسمي المصري المشكك في سياسات طهران على مدى ثلاثة عقود من السنين مما أدى إلى توتر مزمن في العلاقات السياسية والدبلوماسية مع القاهرة، وبين مفاجأة تسيير رحلات جوية على هذا النحو، وزيارة مسؤول رفيع بهذا المستوى إلى مصر.

 

الزيارة الثانية التي شهدتها القاهرة وتزامنت مع إقفال القنوات الإسلامية، هى زيارة عمار الحكيم، رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى"في العراق، وأعقبتها زيارة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، وهو المعروف بعدائه الواضح لأهل السنة، حيث طالب الاثنان بضرورة وقف الفضائيات المناهضة للشيعة، فضلا عن تباحثهما مع المسؤولين المصريين في الأوضاع في العراق.

 

من هنا يمكن فهم استمرار إغلاق القنوات الإسلامية طوال هذا الوقت، والحرص على عدم إعادتها، على الرغم من استجابتها لميثاق الشرف "الهلامي" الذي لم تحدده لها أي جهة مسؤولة، مقابل الصمت الإعلامي الرسمي على الفضائيات الشيعية، فضلا عن الأخرى التنصيرية، التي يزيد عددها على القمر المصري على 10 فضائيات، وهى القنوات التي لا تترك وقتا من البث، دون أن تنال من الإسلام والمسلمين، وتسعى إلى تنصيرهم، علاوة على ترك الساحة للقنوات الهابطة أخلاقيا، والتي تعلن عن تخصصها في المسلسلات والأفلام والدراما والأغاني والرياضة، وكأن كل ذلك مباح للفضائيات، أما إذا تخصصت إحداها في الشأن الإسلامي، فان القانون يمنعها، بدعوى عدم موافقته على بث قنوات دينية، حتى صارت تلوكها ألسنة السوء لتنال منها، على نحو ما حدث مع القنوات الموقوفة.

 

وكانت مزاعم الترويج للسحر والشعوذة والإعلانات عن الأعشاب والطب البديل لا تزال ذريعة الموقف الرسمي وراء قرارات استمرار إغلاق القنوات الإسلامية، على الرغم من أن نفس هذه الإعلانات، ولكن بفواصل موسيقية يتم عرضها على قنوات رسمية متخصصة، ولم يحاسبها أحد، ولم تهددها قرارات بالإيقاف أو الإنذار، هذا إن صح أنها إعلانات للسحر والشعوذة!

 

إن استمرار هذا المناخ الذي صار عليه المشهد الإعلامي المصري، تسبب في إحجام عدد كبير من الشركات الراغبة في العمل بالمجال الفضائي عن عدم التقدم للمنطقة الحرة الإعلامية للحصول على تراخيص جديدة للبث الفضائي، وهو ما ظهر خلال الفترة الماضية من عدم تلقي الهيئة العامة للاستثمار لأي طلبات جديدة من شركات تلفزيونية ترغب في الحصول على تراخيص للبث الفضائي من المنطقة الحرة الإعلامية الخاضعة للهيئة.

 

يأتي ذلك في الوقت الذي سبق أن اعترف فيه مسؤولو الشركة المصرية للأقمار الصناعية"نايل سات" بخسارتهم المادية جراء قراراتهم إيقاف 12 قناة فضائية دفعة واحدة، بالإضافة إلى قرار الهيئة العامة للاستثمار بتجميد ترخيص البث لشركة"البراهين"، والتي تضم فضائيات(الحافظ، الناس، الصحة والجمال، الخليجية)، بدعوى مخالفتها لميثاق الشرف الإعلامي.

 

ولذلك أصبح هناك تصور بأن حزمة الإجراءات التي تم تبنيها يمكن أن تتسبب في تهديد مستقبل البث الفضائي بمصر، سواء بالنسبة إلى الشركات الجديدة الراغبة في الحصول على تراخيص، أو إحجام الفضائيات غير المصرية عن الحصول على تراخيص جديدة للبث على القمر"نايل سات"، أو تأجير استديوهات جديدة بمدينة الإنتاج الإعلامي.

 

وسبق قراراتِ إيقاف القنوات الإسلامية، تقريرٌ أصدره مركز المعلومات بمجلس الوزراء المصري كشف فيه عن أن عدد قنوات التليفزيون الخاصة التي تبث عبر "نايل سات" بلغ 31 فضائية، بما يمثل 57% من جملة القنوات التليفزيونية المصرية على "نايل سات" وهي 54 قناة.

 

ولفت التقرير إلي أن الفضائيات الخاصة تتوزع ما بين 12 قناة عامة بنسبة 38.7% من إجمالي قنوات التليفزيون الخاصة و19 قناة متخصصة بنسبة 61.3%.

وذكر أن قنوات الأغاني تستحوذ على نسبة 31.6% من إجمالي عدد القنوات المتخصصة ذات الملكية الخاصة، تليها قنوات المسلسلات ثم قنوات الأفلام، ثم القنوات الدينية، وأن عدد القنوات الفضائية، والتي لها مواقع الكترونية بلغ 39 قناة حتى يوليو الماضي بنسبة 72% من إجمالي قنوات "نايل سات".

وكان نصيب مواقع القنوات الرسمية نحو 59% ومواقع القنوات ذات الملكية الخاصة 41%. وأوضح التقرير أن القنوات المتخصصة هي الأكثر اهتماما بإنشاء مواقع لها على شبكة "الانترنت".