الثقة بالذات أساس الدعم النفسي 2-2
19 صفر 1432
جمال عرفة

الدعم النفسي في الكوارث

يُعَدّ الدعم النفسي ضرورة حيوية في الكوارث كالزلازل والبراكين والحروب و"تسونامي"، من جانب الضحايا الذين يجدون بيوتهم قد تهدمت وأحباءهم محتجَزين تحت الأنقاض أو ماتوا بفعل الكوارث أو غرقوا، فهؤلاء يكونون في أشد الحاجة إلى من يقف بجانبهم ويجدد لهم ثقتهم بأنفسهم، ويعيدهم للواقع.

 

ويتطلب جانب كبير من هذا الدعم النفسي الاعتماد على الإيمان الديني من جانب الداعمين النفسيين في تهدئة خواطر ضحايا الكوارث وتسلميهم بقضاء الله وقدره والتحرك للأمام ومتابعة حياتهم.

 

وربما تكون مجتمعاتنا العربية من أكثر المجتمعات التي تحتاج إلى دعم نفسي – ومن ثم ثقة في النفس – لأنها من أكثر بلاد العالم التي عانت وتعاني من الحروب والنزاعات المسلحة، ومن بعض الكوارث كالفيضانات والزلازل وغيرها، ولا تزال تواجه الاحتلال والاستيطان، والحصار والتهجير،وما يتبع ذلك من سقوط الأبرياء لاسيما الأطفال والنساء بين قتيل وجريح ومفقود، وتشريد المدنيين بين لاجئ ونازح، بكل ما يعنيه من مضاعفات نفسية واجتماعية وإنسانية.

 

وهذا ما نشاهده في كثير من مجتمعاتنا لاسيما في العراق وفلسطين، ولبنان، وفي مناطق مختلفة من السودان واليمن والصومال وبلدان المغرب العربي.

 

ولا ننسى هنا معاناة أطفال فلسطين من الاعتداءات الصهيونية المتتالية وأخرها عدوان غزة، والحاجة إلى مزيد من برامج وعمليات الدعم النفسي للأطفال لا سيما أنهم ما زالوا يعانون حتى اللحظة من تأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

 

وهناك برامج يجري وضعها من أجل هذا الدعم النفسي لضحايا الحرب والكوارث يجري تعليمها لمجموعات وجمعيات طوعية كي تنجح في مسعاها لتقديم الدعم النفسي للضحايا بما يعينهم على الصمود والاستمرار وممارسة حياتهم وتعويض ما فاتهم[1].

 

وتركز هذه البرامج على تقديم المعارف الأساسية حول "الدعم النفسي المجتمعي" والمواضيع الرئيسة التي يجب على الجمعيات الأهلية التطوعية والعاملين في مجال الدعم الإنساني، وفي طليعتهم العاملون الاجتماعيون والصحيون إدراكها واكتسابها للقيام بدورهم الحيوي في إغاثة وتأهيل المجتمع المنكوب آخذين بعين الاعتبار حاجات وخصوصية هذا المجتمع وشرائحه المختلفة.

إذ إن تقديم الدعم النفسي المجتمعي في كل مجتمع منكوب بأعمال العنف أو الكوارث، ضرورة لازمة لكي يكون قادراً على استيعاب الصدمات والأزمات.

 

الدعــم النفسي يعجــل بالشفاء!

هناك نموذج واضح جداً من حالات مرضى السرطان تحدث عنه الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي ورئيس الجمعية العربية للطب النفسي في أحد مؤتمراته العلمية بالقاهرة عندما قال:إن المرأة المصابة بسرطان الثدي مثلا تحتاج لدعم معنوي ومساندة اجتماعية من جانب أفراد الأسرة والصديقات‏،مؤكداً أن ‏80%‏ من نسبة الشفاء تعتمد على الحالة النفسية الجيدة للسيدة المريضة‏,‏ لأنها تجعل استجابتها للعلاج الكيميائي أو الكهربائي أفضل وأسرع‏، وأن الحالة النفسية هي التي تجعل جهاز المناعة يعمل بكفاءة أعلى‏..‏

 

فمن الثابت علمياً أن نسبة تتراوح بين‏40%‏ و‏60%‏ من المريضات بهذا المرض يعانين من اضطرابات نفسية عديدة تصل إلى حد الاكتئاب الذي يقلل من الرغبة في الحياة ويجعل المريضة ترفض العلاج أو لا تستجيب له‏.‏

 

ذلك أن أي صدمة نفسية مثل السرطان تجعل المريضة تمر بخمس مراحل تبدأ بالإنكار أو رفض الاعتراف بالواقع الأليم ويظهر ذلك في شكل التشكيك في نتائج التحاليل وطلب التوجه لأخذ رأي طبيب آخر‏.

 

وعندما تتأكد من الحالة تنتقل إلى مرحلة الغضب قد تقول لنفسها: لماذا أنا مع أنني أصوم وأصلي وأعمل الخير وأطفالي صغار؟‏..‏ وربما تستمر في هذه المرحلة إلى أن تصاب بالاكتئاب الذي يظهر في شكل اضطرابات المزاج والتشاؤم‏، ثم تجيء مرحلة التكيف ثم قبول الأمر الواقع.‏

 

والمريضة تحتاج طوال هذه المراحل إلى مساندة اجتماعية وصراحة وعدم الإحساس بالشفقة في عيون أسرتها التي من المفروض ان تعاملها بشكل طبيعي بدون مبالغة‏,‏ وإذا اضطرت إلى إجراء جراحة لاستئصال جزئي او كلي للثدي يجب علي الزوج ان يتعامل معها برفق وحنان وان يتصارحا في كل مخاوفهما ويبحثا معا البدائل التي يمكن اللجوء إليها بعد الجراحة، وبفضل هذه المساندة الاجتماعية يكون المريض-بإذن الله- أكثر إقبالاً على الحياة‏.

 

الدين يعزز الدعم النفسي

لا خلاف على أن الدين يقوي هذا الدعم النفسي ويعجل به، لأن المتدين يكون أكثر طمأنينة وتقبلاً لواقعه وإن كان لديه طموح التغيير وفق القانون الإلهي: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: من الآية11].

فالإرشادات الدينية في مواجهة الأزمات والكوارث، تعزز قدرة الفرد والأسرة والمجتمع على الشفاء والتعافي، ولذلك يجري الاستعانة بعلماء الدين والدعاة والواعظين ضمن مقدمي العون النفسي في الأزمات الاجتماعية المختلفة أو الكوارث أو الأمراض.

 

وهناك أمور ينبغي أن يركز عليها الدعاة في مثل هذه الحالات تفيد في الدعم النفسي وأبرزها[2]:

1- الحث على (الصبر) على البلاء وعدم الجزع من قضاء الله وقدره وتبشير الصابرين، كما يقول الحق سبحانه: {وَلَنَبلُوَنّكُم بشيء مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثّمَراتِ وَبَشِرِ الصّابِرينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].

2- التسامح والصفح مع الجميع لأن ديننا علّمنا على الصفح والعفو عند المقدرة، مع التركيز على الآثار الطيبة لهذا العفو.
3- عدم الاعتداء والعنف، حيث أمرنا الإسلام بعدم الاعتداء أو العنف وأن نكون مسالمين إلا مع من يعتدي علينا وأن نبادر بالعفو.

 

ما هو الدعم النفسي؟

قد يسأل سائل عن معنى الدعم النفسي وكيف يقوم به الشخص؟ وما هي أبسط الطرق إليه؟ ونجيب هنا بعيداً عن التعمق في النظريات والأطر الفكرية والتعريفات العلمية المعقدة لئلا تخرجنا عن الهدف من هذا المقال، ولذا فإن أفضل وسيلة للتعرف على الدعم النفسي هي بإعطاء الأمثلة المباشرة.

 

ويمكن تلخيص وسائل هذا الدعم النفسي بإيجاز عبر مجموعة من الحقائق التي يجب أن يقتنع بها الشخص المراد دعمه نفسيا وتكرارها أمامه لإعادة الثقة له في نفسه مثل إقناعه بما يأتي:[3]

1. ستكون ناجحاً عندما تدرك أن الفشل "حدث" ليس مرتبطاً بشخصك وعندما تعي أن الأمس قد انتهى في الليلة الماضية وأن الغد يوم جديد تماماً.
2. ستكون ناجحاً عندما تعلم أن النجاح (الفوز) لا يصنعك، وأن الفشل(الخسارة) لا يهدمك.
3. ستكون ناجحاً عندما تصادق ماضيك وتركز على حاضرك وتنظر إلى مستقبلك بعين التفاؤل.
4. ستكون ناجحاً عندما تفيض بالإيمان والأمل والحب، وعندما تعيش بلا غضب أو طمع أو ذنب أو حسد أو تفكير في الانتقام.
5. ستكون ناجحاً عندما تصل إلى مرحلة من النضج تجعلك تؤخر مكافأة الذات، وتحوّل تركيزك من حقوقك إلى واجباتك.
6. ستكون ناجحاً عندما تعرف أن الفشل في الدفاع عن الصواب يعد تمهيداً للوقوع ضحية للخطأ والجريمة.
7. ستكون ناجحاً عندما تكون آمناً وصلتك بربك سليمة وإذا كنت وفي وئام مع الآخرين.
8. ستكون ناجحاً عندما تتمكن من تحويل أعدائك وخصومك إلى أصدقاء، وعندما تفوز بالحب والاحترام ممن يعرفونك جيداً.
9. ستكون ناجحاً عندما تعي أن الآخرين قد يمنحونك المتعة، ولكن السعادة الغامرة تأتي فقط عندما تفعل أشياء من أجل الآخرين.
10. ستكون ناجحاً عندما تمنح الأمل لليائسين، وتمنح الحب للمكروهين، وعندما تبعث البهجة في نفوس من يشعرون بالأسى، وعندما تتعامل مع الفظّين بلباقة، ومع المحتاجين بكرم.
11. ستكون ناجحاً عندما تعرف أن أعظم الناس هم من يختارون أن يخدموا الآخرين.
12. ستكون ناجحاً عندما تنظر للخلف بعين الصفح، وللأمام بعين الأمل، ولأسفل بعين الشفقة ولأعلى بعين الشكر والامتنان.
13. ستكون ناجحاً عندما تتعرف بالفعل على قدراتك الجسدية والذهنية والروحانية، وعندما تنمي هذه القدرات وتستخدمها لما فيه مصلحة الآخرين.
14. ستكون ناجحاً عندما تعرف أنك كنت تراقب خالق الكون في تصرفاتك وكنت تسير في طاعته.

 

___________________

[1] - من ذلك مثلا ما يقدمه كتاب "الدعم النفسي المجتمعي لضحايا العنف والكوارث"
Community Psychological Support for Survivors of Violence, Community Guide for NGOs and Volunteers
Dr. Ghassan Shahrour
[2] - د.غسان شحرور، الدين وتعزيز الدعم النفسي المجتمعي لضحايا الحروب، الشبكة العربية لدراسات أخطار الحرب ومخلفات الحروب، 2/10/2008
[3] - الدكتور محمد قايد محمد عبد الجواد، منتديات الحوار في جامعة الملك سعود، 31/3/2009.