الإذلال اليهودي للفلسطينيين.. إرث بشع وعُقَدٌ متراكمة
22 صفر 1432
خباب الحمد

في يوم من الأيام وليس في قديم الزمان، بل كان ذلك في فجر يوم الجمعة 7/ 1/ 2011م، قامت قوات الاحتلال اليهودية بجريمة نكراء حيث أطلقت 13 طلقة بكثافة على الشيخ المُسِن عمر سليم القواسمي (66 عاما) وهو نائم في فراشه في حي الشيخ وسط مدينة الخليل، جنوب الضفة.

 

يقول نجل الشيخ المُسنِّ رجائي "قام جنود الاحتلال باعتقال المواطن وائل محمد سعيد البيطار والذي يسكن في الطابق الاول من منزلنا، ويبدو بأن جنود الاحتلال كانوا يعتقدون بأن البيطار يسكن في الطابق الثاني من المنزل لذلك أطلقوا الرصاص فور دخولهم على غرفة والدي وهو نائم في فراشه دون التأكد من هويته".

 

وفي يوم من الأيام وفي قديم الزمان في بداية الخمسينيات شارك جندي يهودي اسمه (مائير هارتزيون) مع الجيش "الإسرائيلي" أثناء حرب التصفية للفلسطينيين، حيث كتب في يومياته التي نشرتها بعض الصحف الصهيونية عام 1969م: "كان علينا أن نهاجم اللاجئين الفلسطينيين، انقسمنا إلى ثلاث مجموعات، كل واحدة ضمت أربعة أشخاص. شاهدت مع زميل لي عربياً يقف عند منحدر التل. قال لي زميلي جبيلي:: هار، جهز سكينك. زحفنا نحو الرجل الذي كان يردد لحناً عربياً، فسارع جبيلي إلى الإمساك به، وأنا أغمدت السكين في عمق ظهره. رأيت الدماء تتدفق على قميصه القطني المخطط. ودون أن أضيع أية ثانية، تصرفت تصرفاً غريزياً وقمت بطعنه مرة أخرى بالسكين، تأوه الرجل وتمايل ثم سقط مضرجا بدمائه".

 

وكانت صحفية "هآرتس" قد سألته حينذاك عما إذا كان يشعر بوخز الضمير من جراء ما فعل، فنفى ذلك، وقال إن طعن العدو بالسكين "شيء رائع يمنحك إحساسا بأنك رجل حقاً". (عن مقال:: جريمة المحرقة لن تمر، للكاتب الصحفي فهمي هويدي، ناقلاً لهذه القصَّة عن كتاب "إرهاب إسرائيل المقدس" الصادر عن:: دار الشروق الدولية).

 

وفي هذا الزمان وفي يوم من الأيام وليس في قديم الزمان، نشرت الصحافة العبرية ما قاله "دوف فايسغلاس" ـ مدير مكتب شارون سابقاً ـ في لقاء لقيادة حزب كديما: "سنجعل الفلسطينيين يضعفون دون أن يموتوا " فانفجر المشاركون ضحكا!!

 

هكذاً إذاً، يريدنا اليهود الصهاينة مشروعات (خراف هزيلة) ينظرون إليها من منطلق الحقد والكراهية والإذلال؛ لكي يستجدي الشعب الفلسطيني (رغيف الخبز) وتكون معاناته موضع سخرية اليهود الصهاينة، سواء أكان ذلك في الضفة الغربية أو قطاع غزَّة الصامد؛ حيث يضيقون الخناق على المجتمع الفلسطيني حكومة وشعباً، ولا يُفرِّقون بين منظمة حزبية وأخرى، فالكل في النهاية عدو لهم، والكل لابد وأن يرضخ لشروطهم.

 

لقد تساءل بعض الكتاب اليهود لماذا تحرص القيادة اليهودية على إفهام الشعب الفلسطيني أن الحصول على الطعام ولوازم الحياة يلزمه العودة إلى رشده والقبول بكل ما تريده القيادة اليهودية؟!

 

إنني شخصيا لا أفقه سر ذلك إلاَّ لمزيد إذلال للشعب الفلسطيني، وتركيعه أمام هيمنة العدو واحتلاله الغاشم الظالم لفلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر، وهو فن من فنون الإيذاء؛ لزرع مزيد من العذابات في قلوب الفلسطينيين الذين يسمعون أو يشهدون كل صباح عملية قتل لأحدهم، أو سجن أولادهم، أو محاصرتهم ماديا، أو حفريات تحت المسجد الأقصى المبارك، أو اقتحام قطعان المغتصبين الصهاينة للكثير من بيوت ومزارع الفلسطينين وخصوصا في القرى المجاورة والمتاخمة لأماكن سكنهم في مغتصباتهم الصهيونية.

 

ونحن نلحظ أن اليهود الصهاينة يجعلون الفلسطينيين مادة للحديث عنهم، والسخرية منهم بسبب الضائقة المادية التي يعيشون بها، فقد حدَّثتنا الأخبار أنَّ وزيرة الداخلية النائبة "روحاما ابراهام" عندما تجوَّلت في محيط قطاع غزة في بداية الحصار عام 2006م، وسمعت بأنه في أعقاب إغلاق المعابر لقطاع غزة في وجه البضائع ارتفع سعر كيلو غرام السكر إلى 6 "شيقل"، بينما كيلو غرام التوت الأرضي يبلغ سعره شيكل واحد فقط، قالت بسخرية:: "إذا لم يكن هناك سكر، فليصنعوا المربى"!!.

 

لقد كشف الصحافي الأمريكي " سيمور هيرش " في مقابلة تلفزيونية حقيقة في غاية الخطورة، حيث أشار إلى لقاء جرى بين نائب الرئيس الأميركي (سابقاً) "ديك تشيني" ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك، وينقل "هيرش" عن اللقاء قول باراك لتشيني قبل عام إن:: "إسرائيل تعلمت أنه ليس ثمة سبيل لتحقيق النصر بالاحتلال، وإن الطريق الوحيد هو اختيار شدة المهانة "!!.

 

هكذا وبكل وقاحة وبدون مواربة أو غموض يتحدث اليهود الصهاينة، وعن نواياهم القبيحة تجاه المجتمع الفلسطيني، ما يبين لنا عدم وجود فرق حقيقي وجوهري بين اليمين واليسار، أو الصقور والحمائم، فكما قيل:

إنَّ اليهود هم اليهود *** فلا صقور ولا حمائم

 

ومع أنَّ طبيعة يهود (اللف والدوران) فإنهم في هذا الوقت الذي استأسدوا فيه، ينطقون بكل ما في قلوبهم الحاقدة، ويُخْرجون كلَّ ما في جعبتهم؛ ساخرين من جميع المنظمات الحقوقيَّة والإنسانية، والتي لا تستطيع أن تفعل شيئاً ضدَّ هذه الدولة الظالمة المحتلَّة لفلسطين.

 

•    نماذج من أساليب الإهانة اليهودية للشعب الفلسطيني:

تطالعنا الأخبار كثيراً في هذه الحقبة الزمنية القريبة، ونقرأ:

- اعتقال جيش الاحتلال اليهودي لشاب فلسطيني قريباً من إحدى الحواجز اليهوديَّة؛ لأنَّه لا يستطيع الرد والجواب على ذلك اليهودي إلاَّ بلغته العربية، وعدم معرفته للغة العبرية التي يتحدث بها اليهود.

 

ـ محاولة إدارة السجون الصهيونية اتخاذ قرارات لسجن الأسرى الفلسطينيين بالزي البرتقالي، وذلك يذكرهم بالطبع بمعتقلي غوانتنامو، بيد أنَّها باءت بالفشل بسبب صمود الأسرى ضدَّ هذه الإجراءات المهينة.

 

ـ حالة المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون وما زالوا إلى اليوم في نصب الحواجز الثابتة أو الطيَّارة، وإذلالهم وإهانتهم بالألفاظ النابية تارة، وبالتفتيش المذل للأجساد تارة، وبتأخير النساء الحوامل اللواتي يأتين من القرى للإنجاب في المستشفيات في المدينة، وقد تحدثت الإحصائيات أنَّ 52 امرأة فلسطينية أنجبن على الحواجز الإسرائيلية وأن 19 امرأة و29 طفلاً حديث الولادة توفوا على الحواجز الإسرائيلية.!

 

ـ وعند الحواجز يمكن أن يُقال:: إنَّ ما يحدث عندها مآسٍ إذلالية للشعب الفلسطيني برمته، وجعلها قصص (مليون ليلة وليلة) ولا ينسى الفلسطينيون ذلك الخبر الذي ذكرته العديد من الصحف أنَّ مجموعة من الطلاب الجامعيين الفلسطينيين، أرادوا المرور عبر الحاجز، فأوقفهم الجنود اليهود، وطلبوا من أحدهم أن يصعد فوق ظهر دبابة، وعندما صعد أمروه بخلع ملابسه تماماً، وعندما رفض كان التهديد بقتله واغتصاب زميلة له، ولم يجد الشاب مفراً من أن ينفذ ما طلبوه!
لم يقف الامر عند هذا الحد بل تم تهديد الفتيات بضرورة النظر إليه وهو على هذه الحال! وعندما رفضت إحدى الفتيات كان نصيبها ضربة قوية من كعب البندقية الآلية التي كان يحملها هذا الجندي الاسرائيلي المعتوه!

 

ـ ولا تنسى الذاكرة الفلسطينية صورة الفتاة الفلسطينية المناضلة (إحسان دبابسة) حينما اعتقلتها الجنود الصهاينة، وقاموا بعصب عينيها وتقييد يديها، وكانوا يشربون الخمر ويتراقصون فيما بينهم وتلك الأسيرة المسلمة الشريفة الفلسطينية بينهم ترجوهم ألاَّ يقوموا بتصويرها، ويأتي أحد الجنود الصهاينة ويرقص بجانبها وهي تدير وجهها إلى الحائط ويحاول أن يتحرَّش بها ويلمسها وهي تحاول الالتصاق بالحائط بعيداً عن ذلك الوغد الصهيوني، وينتشر هذا الشريط في بعض وسائل الإعلام الالكتروني الحديث ويرفق التسجيل المصور بتعريف جاء فيه "تسجيل مُسَلٍ عن جندي اسرائيلي يرقص حول إرهابية عربية".

 

ـ إحدى المجنَّدات الصهيونيات واسمها (إدن أبرجيل)، في الجيش اليهودي الإسرائيلي ملأت قبل عدَّة أشهر صفحتها في موقع "فيس بوك" بصور متنوعة لها قبل عامين في معسكرات للتدريب بالجيش، ومن بينها اثنتان بدت فيهما سعيدة تتلذذ بوجودها قرب أسرى ومحتجزين فلسطينيين وقد كبَّلت أيديهم وعصبت أعينهم في وضح النهار وهي تبتسم وتضحك ملء فيها، ولم تكتف المجندة، بعرض الصورتين فقط، بل قالت بوقاحة في صفحتها:
إن مدة خدمتها في الجيش الإسرائيلي التي انتهت قبل شهرين كانت أسعد سنوات حياتها، بحسب ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت" الاثنين 16-8-2010.

 

ـ كشفت منظمة "كاسرو الصمت" الإسرائيلية عن شهادات لمجندات اعترفن فيها بإهانة فلسطينيين، واستخدام العنف معهم بشكل ممنهج في تقرير لها أكدت فيه بعض المجندات استخدام العنف والسرقة والتنكيل بالفلسطينيين من دون اعتبار لعمر أو جنس، وأنهن كن يعتبرن هذا السلوك معيارا للمقاتلة الجادة.

 

ومن الشهادات على ما نقوله شهادة مجندة سابقة اسمها (دانا غولان) قالت فيها: إن تسلق الترتيب العسكري الإسرائيلي يتم بالمزايدة على إلحاق كل أنواع الأذى والإهانة والتنكيل بالفلسطيني، حتى لو كان شخصاً طاعناً في السن.
وروت غولان شهادة لإحدى المجندات الإسرائيليات ذكرت فيها أنها كانت تقف على أحد الحواجز عندما قال لها زميلها: "انظري كيف يضحك هذا الفلسطيني عليك". ولم تمض ثوان إلا ونهضت إلى الرجل، وكان في عمر والدها تقريبا، وركلته بين فخذيه فتكوّم أمامها مكتويا بالرفسة وهي تضحك.

 

وتقول "كاسرو الصمت" ان إهانة الفلسطينيين تشكل مادة لحكايات المساء بالنسبة للجنود الإسرائيليين مع أصدقائهم خلال الإجازات، حيث يروون تعاملهم معهم في نقاط التفتيش والمعابر، وكيف أنهم يتلقون التهنئة من مسؤوليهم والتربيت على الكتف حتى لو تعلق الأمر بإطلاق الكلاب على النساء.

 

ـ من يمر من معبر قلنديا وينظر في سبل الإهانة ومعاني الإذلال من الدولة اليهودية (إسرائيل) للشعب الفلسطيني الأعزل، سيدرك مدى فظاعات العدو الصهيوني تجاه فلسطينيي القدس، فها هو مراسل وكالة "اسوشييتدبرس" العالمية يحكي المعاناة التي يقاسي الفلسطينيون منها عند معبر قلنديا، ويكتب في تقريره "بالنسبة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين فإن الرحلة إلى مدينة القدس تبدأ من حظيرة رطبة مملوءة بالنفايات. وهم يتحركون داخل ممرات شبيهة بالأقفاص وحواجز دوارة ترتفع كل منها لأكثر من مترين، بينما يتحصن الجنود اليهود وراء زجاج مقاوم للرصاص لإجراء الفحوصات الأمنية، وكثيرا ما يصرخ الجنود بهم عبر مكبرات الصوت، وهم الذين يفترض أن يعمل كل اثنين منهم في تأمين مرور الأفراد بسرعة، بيد أن أحدهما يكون على الأرجح نائما وواضعا قدميه على مكتبه".

 

وكما عبَّر أحد الفلسطينيين لمراسل هذه الوكالة قائلا: "نحن ندخل مثل الحيوانات ونخرج كالحيوانات، إنهم يجعلوننا ننتظر في بعض الأحيان بينما يلعب الجنود في الداخل".
وفي بعض الأحيان يتجشأ الجنود من خلال مكبرات الصوت على الناس العابرين أو يسخرون من محاولاتهم للتحدث بالعبرية، وبمزيد من السخرية والاستخذاء الإسرائيلي للفلسطينيين يكتبون، بعد رحلة المعاناة لدخول هذا المعبر عبر البوابة الأخيرة، بجوار لافتة مكتوبة باللغات العربية والعبرية والإنكليزية تقول: "تمتع بزيارة آمنة وممتعة"!

 

ولم تقتصر الإهانة والإذلال من اليهود الصهاينة للشعب الفلسطيني، بل تجاوز ذلك سخريتهم وإهانتهم للآخرين، ولا أدلَّ على ذلك من قول (رافائيل إيتان) قائد الأركان السابق في إسرائيل الذي قال قديما: "بعد أن نستقر في هذه الأرض(فلسطين), كل ما يستطيع العرب فعله هو العَدْو مثل الصراصير المخدرة في الزجاجة"، وهذه عبارة تُمثِّل إهانة للعرب جمعاء، وبدون استثناء.

 

ولا ننسى ما قاموا به من إهانة السفير التركي في دولتهم المزعومة إسرائيل، وأجلسوه بحالة مزرية وهو جالس على كرسي أقصر من كرسي الإسرائيلي، وكأنَّ الجلسة كانت شبه تحقيق معه، تدل على التنقص والازدراء، فشيمتهم احتقار الآخرين، ولا يستطيعون أن ينفكوا عن هذه الممارسات الإذلاليَّة للشعب الفلسطيني أولاً ولكلِّ من يخطر بباله معارضتهم ثانياً ولو كان من كان!

 

•    اليهود الصهاينة وإذلال الآخرين.... تعرف على السبب؟

ولعل سائلا يسأل:
ما سبب محبَّة اليهود لإذلال الآخرين وإهانتهم؟

ولعلَّ الجواب يرجع لعدَّة نقاط أسوقها على وجه العجلة؛ فالتفصيل بحاجة لإطناب:
1)    اليهود قوم جبناء وقد تحمَّلوا الحياة أذلاء، وكانوا يعيشون في مناطق فقيرة معزولة عن الناس (الجيتو)، ولهذا فهم قوم يُحبون الحياة أي حياة ولو كانت حياة ذلَّة، وحينما تمَّ لهم أمر القوَّة والعلو الكبير في هذا الزمان باتوا يمارسون الأعمال الشريرة التي عانوا بها مِمَّن اضطهدوهم ولقد وصفهم الله تعالى بذلك:: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96].

 

2)    ولهذا نجد ابن خلدون يذكر في مقدمته أنَّ تطبع الناس تحت البأس والقهر يولد لهم الجبن والخوف، وتطبعهم بالحرية يولد القوة والرجاحة، ولهذا فاليهود قوم عاشوا حياة الذل والاستعباد في عصر فرعون فتأثروا بذلك من ناحية نفسية واجتماعية بقيت معهم إلى وقت إيمانهم بموسى عليه السلام بل كثيراً ما نجدهم يخالفون أوامر موسى عليه السلام ويجبنون عند اللقاء لذلك:: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24].

 

3)    وقد بقي هذا الأمر معهم ملازماً فقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله وهم وإن كان قد كان هذا لأربعين عاماً، لكنَّ بقيت هذه الخصال ملازمة لهم بملازمتهم للكفر بالله، ومن شدَّة مهانتهم وهوانهم وذلَّتهم أنَّهم يعيشون بهذه النفسيَّة وإلى الآن حتى أنهم اخترعوا المستوطنات والقرى العسكرية المحصنة والجدار الفاصل:: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].

 

4)    ويوضح ذلك أنَّ الله تعالى ضرب عليهم الذلة أبد الآبدين ولا زالت معهم فقال:: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112].

 

5)    كل هذه التأثيرات النفسيَّة من الذلَّة والمهانة بقيت مترسبة في عقولهم وقلوبهم، وبسبب ما رآه الغرب كذلك من سوء أخلاق يهود وغدرهم وخيانتهم وإفسادهم في الأرض، سعى الغرب للتخلص منهم في بلادهم التي يسكنون فيها ووافق ذلك هوى عند يهود لأنَّهم يرون أنَّ فلسطين مركز الهجرة اليهودية إليها، وبعد أن اتفق اليهود مع الغرب والبريطانيين لتكوين دولة لهم، ووقع اختيارهم على فلسطين، وحشدهم فيها جميعاً، ورأى اليهود أنَّهم جاؤوا لأرض غير أرضهم، وبلد غير بلادهم، وأنَّ الشعب الفلسطيني لم يُرحِّب بهم بل ينظر لدهم بحقد وكراهية لأنَّهم احتلوا أرضه، فرأى اليهود منهم هذا التصرف مع أنَّ أغلبهم يشعر أنَّه قد عاد لوطنه، ولكن لأنَّهم رأوا أنّ الشعب الفلسطيني لم يكن مرحباً بهم، وبسبب عوامل المهانة والذلَّة التي عاشوها، وحرب النازيين لهم شعر اليهود بظلم الغرب لهم وطغيانهم، مِمَّا أدَّى ذلك لأن يصبوا جام غضبهم على هذا الشعب الفسطيني الأعزل.

 

6)    قضية إذلال الفلسطينيين كذلك تأتي من تعاليم التلمود، وما يرونه ويكتبونه من استحمار البشر، وأنَّهم عبيد لهم و(أمميون)، وأنَّه كلما نفق حمار منهم ركبوا حماراً غيره، وأنَّ اليهود شعب الله المختار، ولهذا فالناس خُلقوا ليستخدمهم اليهود في مصالحهم الخاصة والعامة.

 

7)    اليهود يستخِفُّون بالدول العربية والإسلاميَّة كذلك، ونحن لا ننسى كيف أعلنت (ليفني) وزيرة الخارجيَّة السابقة الحرب على غزَّة من دولة عربية ومهمة هي مصر، وفي ذلك استخفاف واضح بمشاعر المسلمين بل بأنظمتهم، وليقين اليهود بضعف الدول والحكومات العربية والإسلاميَّة وعدم الجرأة على أن يكون لهم موقف مغاير ومضاد لممارسات اليهود، فستزيد ممارسات الإذلال للفلسطينيين؛ وجرأتهم على إهانتهم؛ لأنَّهم لا يرون من يقوم بحمايتهم ويدافع عنهم إلاَّ من رحم الله وقليل ما هم

 

8)    اليهود قوم تأصَّلت لديهم العدوانيَّة والكراهيَّة في الفكر الديني اليهودي الذي يعتنقونه، ومن يُطالع كتاب (الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية) للدكتور رشاد الشامي ـ رحمه الله ـ وهو من كبار المتخصِّصين في الشؤون اليهوديَّة والصهيونيَّة، فإنَّه يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك، مدى العدوانيَّة المُتكرِّسة لدى يهود قديماً وحديثاً، وهي عُقدة نفسيَّة مترسِّخة لدى كل يهودي تُشعرنا بتلك الروح العدوانيَّة أو التوحد في المعتدي.

 

9)    ومع أنَّ اليهود عاشوا (أهل ذمَّة) تحت الحكم الإسلامي، فإنَّ الدول الإسلامية على الرغم من الاختلاف العقائدي بينها وبين اليهود، لم تكن ترضى بظلم أحد من المسلمين لليهود، بل كان اليهود هم أول من ينقض العهد ويخرمه مصداقاً لقول الله:: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100].

 

صحيح أنَّ الإسلام يُرغِّب اليهود بالدخول في هذا الدين العظيم لكنَّه لم يجعل دخولهم للدين إكراها، ولقد قد خاطب الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بخصوص أهل الكتاب: {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 20].

 

ولقد عاشوا في زمن الدولة الإسلامية بكل كرامة إنسانية لهم ومعرفة لحقوقهم، مع معرفة أنَّهم في الواقع تحت الحكم الإسلامي فيجب أن يفوا بالأحكام الخاصة بهم كأهل ذمة كما يجب على المسلمين أن يفوا لهم، ولهذا جاء في الوثيقة التي اتفق بها رسول الله مع أهل المدينة: (وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم).

 

وفي عصر الصحابي الجليل عمر بن الخطاب حدث أنهُ مرَّ بِباب قَوم وعليه سائل يسأل وهو شيخ كبير ضرير البصر، فسأله عُمَر:: "مِنْ أيُّ أهل الكتاب أنت...؟ فقال:: يهودي، فسأله:: "ما ألجِأك إلى ما أرى، قال:: "أسأل الجِزية والحَال والسِّن".
فأخذ عُمَر بيده إلى منزله وأعطاه، ثم أرسل إلى خازِن بيت المال فقال له "... انظر هذا وضُرَبَاءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذِله عند الهرم.. ".

 

ولا أدل على تسامح المسلمين مع اليهود من السماح لهم بالاحتفاظ بهياكلهم ومعابدهم فى مختلف أنحاء العالم الاسلامى فى الوقت الذى أمرت الكنيسة فى غرب أوروبا بتحطيم هياكل اليهود ومعابدهم (وقد ورد فى كتاب رحلة بنيامين "فى الصفحة 140" أن المؤلّف وهو بنيامين التطيلى "اليهودي" قد قام بالصلاة فى معبد ينسب للنبي دانيال أثناء زيارته "في القرن الثاني عشر الميلادي" للكوفة التي كانت أحد المراكز الفقهيّة الكبرى في العالم الإسلامي).

 

وهاهو شيخ الإسلام ابن تيمية عندما وقع بأيدي التتار أسرى من النصارى واليهود، وأطلق التتار أسرى المسلمين وأبقوا اليهود والنصارى في حبسهم أصرَّ شيخ الإسلام ابن تَيمِية على إطلاق مَنْ في أسْر التَّتار من أهل الذمَّة مع إطلاق المسلمين حيث قال لقائد التَّتار: "لا نرضىَ إلا بافتِكاك جَميع الأسرى من اليهود والنصارى فهُم أهل ذمَّتنا، ولا نَدع أسيرا من أهل الذمّة ولا من أهل المِلَّة".

 

كل ذلك يدل على الطريقة الصحيحة التي تعامل بها أهل الإسلام علماء وحكّام مع اليهود، بل حتَّى بعض التعامل من الدول الإسلامية كان فيه نوع من التهاون في التسامح الإسلامي مع اليهود أو النصارى، ومع ذلك كله يدعي اليهود المعاصرون وبكل وقاحة أنَّهم ظُلموا تحت الحكم الإسلامي وحان لهم أن يقتصوا من المسلمين مع أنَّ الذين ظلموهم وأذلوهم لم يكونوا سوى الأوروبيين أو النصارى وغيرهم.

 

•    خاتمة:

نستنتج نتيجة مهمَّة مؤدَّاها أنَّ اليهود قوم لا يُتقنون إلاَّ أساليب القتل والإهانة لغيرهم، وإجبارهم على العيش تحت حُكمهم بذلَّة وهوان، ولعلَّ ما رأيناه في أحداث حربهم وغزوهم لغزَّة العزَّة الصامدة، إلا تأكيداً على أنَّهم يعشقون القتل حتَّى للنسوان والشيوخ الرُكَّع والأطفال الرُضَّع بل البهائم الرَّتع لم تخل من بطشهم وإجرامهم.

 

وبما أنَّ قد جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (حقَّ على الله ألاَّ يرتفع شيء من الدنيا إلاَّ وضعه) فسيأتي لليهود اليوم الذي يعضون فيه أصابع الندم، ويعود الانتصار للإسلام والمسلمين، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:51].

 

والله تعالى يقول: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:8-9]. وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا.