الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلامُ على سيِّدِ المرسلين، المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فإنَّ من آيات الله الدالةِ على قدرته سبحانَه أن تقوم مظاهراتٌ سلميةً يجمع عليها جمهور أكثرِ بلد عربي إسلامي عدداً، فتطيح بحكومة مضت عليها ثلاثون سنة، ومن نعم الله أن ما حصل من قتل وإصابات لم يكن من فعل المحتجين، بل من فعل خصومهم من أصحاب السلطة والسفهاء المأجورين، فالحمد لله على ما حصل من المطلوب لشعب مصر، وزال من المكروه المحذور، وسبحان الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذلُّ من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
ولكن ماذا بعد؟
إن مصر أشهرُ البلاد الإسلامية، وأعلاها صوتاً، ومن أعظمها أثراً في المنطقة، فيجب أن يكون للمؤسسات والهيئات والجماعات الإسلامية حضورٌ ولاسيما في قضاياها الكبرى، التي ينبني عليها مستقبل البلاد، ومنها تشكيل الحكومة، وصياغةُ نظام الدولة، ومن أبطل الباطل، وأقبحِ الجنايات إقصاؤهم عن المشاركة، ومن أسوأ التصرف تقاعسُ القادرين على نصر دينهم عن القيام بما يستطيعون من واجبهم، ومن ذلك العمل على صياغة الدستور على وفق الشريعة الإسلامية العادلة، ومن أعظم ما يعين على تحقيق ذلك التنسيق والتعاون فيما بينَهم، واجتماع كلمتِهم، والحذرُ من التفرُّق، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2]، وقال: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، وعلى عموم المسلمين في مصر أن ينصروا دين الله، وأن يرفضوا كل قانون يناقض حكم الله، فقد قال الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء: 65]، كما على أهل مصر أن يحذروا تدخل الأجنبي الكافر في شؤونهم، فإن ذلك أعظم خطر، ولاسيما في هذه المرحلة.
نسأل الله أن يجعل فيما جرى خيراً، وعاقبة حميدة، وأن ينصر دينَه، ويعلي كلمته، إنه تعالى سميع الدعاء، (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج: 41]، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.