النظام السوري وأعاصير التغيير
15 ربيع الأول 1432
د. ياسر سعد

في مواجهة الزلزال السياسي والذي ضرب تونس ومصر متربصا بأكثر من دولة عربية، يقف النظام السوري، صاحب السجل المخز في حقوق الإنسان والسمات الكثيرة المشتركة مع النظامين المنهارين، بتخبط وحيرة متعاملا مع الحقائق الراسخة بأوهام كبيرة ورؤى قاصرة. ففي الوقت الذي تجاهل فيه إعلام النظام الحدث التونسي بشكل شبه كامل، قطع التلفزيون الرسمي إرساله ليبث خبر تنحي مبارك ولينقل صور احتفالات الشارع المصري بحريته، وأعلن الإعلام الرسمي أن ما حدث كان سقوطا لكامب ديفيد ليعود وزير الخارجية وليد المعلم ليصرح بأن التزام القاهرة باتفاقية كامب ديفيد أمر يخص مصر. وفي محاولة لإظهار ثقة السلطات الزائف بنفسها عمدت الحكومة السورية لرفع المنع عن موقع الفيس بوك (ربما لمراقبة النشطاء والمعارضين واصطيادهم)، وبعدها بأيام حكمت بالسجن لخمس سنوات على المدونة طل الملوحي بتهمة إفشاء معلومات للولايات المتحدة، وهي تهمة مضحكة تثير مشاعر مختلطة من السخرية والغثيان، فماذا يمكن لطالبة مدرسة أن تكشف من أسرار لأمريكا في عصر الانترنت وجوجل ووثائق ويكليكس؟

 

النظام السوري والذي يحكم البلاد والعباد بالقمع والإرهاب يتباهى بعدم خروج مظاهرات لحد الآن مناوئة للحكم مستخدما أسلوب الاعتقال والترهيب كما فعل مع غسان النجار، متجاهلا بأن الحال في تونس كان مشابها كثيرا للوضع السوري الحالي من حيث الهدوء المخادع وقدرة الأمن والمخابرات على إرهاب المواطنين، فيما كان بركان الغضب التونسي المكبوت ينتظر شرارة الانفجار وهو ما أشعله بوعزيزي. الكبت السوري قد يشعله أكثر من سبب مثل تطاول بشار على السوريين في مقابلته مع صحيفة وول ستريت جورنال ووصفه لهم بأنهم غير مؤهلين للديمقراطية، والحكم الظالم على طل الملوحي، والخطر على حياتي الشيخ الحقوقي هيثم المالح والمهندس غسان النجار. كما إن الأوضاع الاقتصادية السيئة وانتشار الفساد في الطبقة الحاكمة أمور تزيد من احتقان الشارع السوري والذي يتأمل بحسرة وطموح إنجازات شعبي مصر وتونس.

 

التعامل باستخفاف واستهتار مع الرأي العام السوري هو دأب النظام وديدنه، ولعل الانتخابات الرئاسية والتي ينافس بشار فيها نفسه، صورة فاقعة لسطحية الدكتاتورية وغبائها المزمن. فبعد التعديل الدستوري الهزلي لمجلس الشعب ترشح بشار لولايته الأولى عام 2000 ليفوز بنسبة الطغاة المفضلة 97.29%، وبعدها بسبعة أعوام عجاف، تكرر الفيلم الكوميدي الساخر، ليفوز الرجل بنسبة 97.62% وبعد أن بلغت نسبة المصوتين 95.86% ممن يحق لهم التصويت!! هذه الديمقراطية الأسدية والتي يصوت فيها المنتفعون بدمائهم، وترفع فيها شعارات القرون الوسطى بالروح بالدم نفديك، وتستباح بها مقدرات المواطن العقلية بعد أن استبيحت مقدرات الوطن الاقتصادية وامتهنت كرامته لينسب البلد العريق لعائلة الطاغية في أسلوب استعبادي قميء فيقال سورية الأسد.

 

النظام السوري والذي يهدر الجزء الأعظم من ميزانية البلد على أجهزته الأمنية، يجند هذه الأيام الكثير من البلطجية والذعران لينشطوا عبر الانترنت أو من خلال اتصالاتهم مع البرامج المباشرة أو إرسالهم الرسائل النصية والتي تمجد الطاغية. وهم في ذلك لا ينتهكون كرامتهم الإنسانية فحسب بل ويسيئون للشعب السوري الكريم ليقدموه للعالم على أنه لا يمتلك فكرا ولا قرارا عدا التصفيق والتطبيل. وهم في مديحهم للنظام وتمجيدهم المطلق له إنما يكذبون زعيمهم بشار ويناقضون تصريحاته والتي تعترف ومنذ وصوله للحكم وإلى الآن بالحاجة إلى الإصلاح.

 

بشار يزعم أن نظامه مستقرا لقربه من تطلعات الشعب ولوقوفه أمام إسرائيل، وحتى لا نذهب بعيدا ولا نرجع للتاريخ نسأله كيف ضيعت الجولان ومن هم الذين يحرسون احتلالها على الجانب السوري، أو من الذي وقف صامتا وصاغرا والطائرات الصهيونية تحلق فوق قصره الرئاسي أو وهي تدمر موقع الكبر. تعالوا إلى مواقف للنظام علنية وحديثة العهد والتي قد تثير استغراب من لا يعرف تاريخ هذا النظام وحقيقة مواقفه. فبعد توتر العلاقات التركية-الإسرائيلية إثر مجزرة سفينة الحرية، أعرب بشار عن قلقه لتدهور تلك العلاقات وقال في مدريد "إذا لم تتم معالجة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، فسيكون صعبا جدا بالنسبة إلى تركيا أن تؤدي دورا في المفاوضات".

 

في صيف 2008 تحدث ساركوزي أمام الكنيست عن مشروعه الاتحاد من أجل المتوسط والذي سوف يعبر برأيه عن الإرادة المشتركة في إقامة صلات أوثق من التضامن بين كل الشعوب. بعدها بأيام افتتح ساركوزي مؤتمر إطلاق ذلك المشروع المشبوه بحضور بشار واولمرت. فلنقرأ ما كتبته طل الملوحي في مدونتها عن هذا الموضوع لندرك حسها الوطني ووعيها واللذان ربما كان السبب الحقيقي في اعتقالها، كتبت:"فالاستعمار لا يكل ولا يمل دائما يبتدع لنا طرقا جديدة ظاهرها فيه الرحمة ومن باطنه العذاب. أتحفنا السيد ساركوزي بفكرته العبقرية "شراكة دول المتوسط" وكانت الدولة الصهيونية او لنقل الصهيونية العالمية من أول الشركاء وهكذا يتأمن لما يسمى كذبا وزورا دولة إسرائيل شراكة طويلة عريضة مع دول حوض البحر المتوسط ,والأصح اعترافا من الدول العربية بدولة إسرائيل فالمنتفع الوحيد من هذه الشراكة هي إسرائيل حتى لو لم تدخل حيز التنفيذ. إن ما كتبته هذه الفتاة هو جزء من تطلعات الشعب السوري والذي يخالفه بشار فعلا ويزعم بالقول موافقته.

 

التغيير في سورية حتمي ، فالظلم والقهر والفساد والباطنية السياسية والاستهتار بالشعب والفشل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا إضافة إلى إعصار الحرية والذي يضرب المنطقة، أمور تجعل موعد دمشق الفيحاء مع الحرية قريب ووشيك.