في غمرة ثورات الشعوب العربية على الطغاة (تونس فمصر فليبيا) لم يتنبه كثيرون إلى مقتل للإعلام الغربي يتمثل في تجاهل دوره غير الأخلاقي وغير المهني على امتداد عقود من السنين في التعتيم على مخازي هؤلاء الطغاة ما داموا أدوات رخيصة في خدمة المصالح الغربية .
بل إن كثيراً من وسائل الإعلام الغربية التي تصطنع وجاهة زائفة أسهمت في رسم صورة وردية كاذبة خاطئة لأولئك الأقزام العملاء، من شكل ديموقراطي يعلم الجميع أنه كائن خرافي يشبه الغول والعنقاء.
فلقد سعى إعلام النفاق وتجارة المبادئ في الغرب إلى تصوير نفسه وكأنه اكتشف فجأة أن مبارك وعائلته وحاشيته عصابة لصوص، وأن زين العابدين نهب ثروات تونس وأفقر أهلها لحساب زوجته وذويها، وأن القذافي وحش يتغذى بدماء الأبرياء..
وتناسى مرتزقة الكلمة أن ما أخذوا يبثونه مؤخراً من أفلام ووثائق تتصل بفضائح هؤلاء الطغاة وأفراد عائلاتهم، ليس جديداً وإنما كان محفوظاً على مدى سنوات في أرشيفهم بصورة سرية للغاية، فلما تهاوى الطغاة أو أوشكوا على السقوط، ظهر المستور وكأنه ابن لحظته!!
وفي المقابل، ركز إعلام النفاق اليهودي الصليبي على اعتقال نفر من الصحافيين الأتراك، بناء على أوامر قضائية للاشتباه بمشاركة هؤلاء في التحضير لانقلاب عسكري ضد الحكومة التركية المنتَخَبة!!
فكيف تعاملت أبواق التضليل الغربية مع أولئك المتهمين بجريمة مخزية لأي إنسان فكيف بأصحاب أقلام ينخرطون في مؤامرة تعاقب عليها قوانين الدول في كل مكان وزمان!!
لقد انقلب تجار الديموقراطية وحقوق الإنسان انقلبوا على بضاعتهم وأصبحوا مدافعين عن أعداء مؤكدين للديموقراطية!!
وانطلق إعلام الدجل ابتداء من تصوير المجرمين في صورة ضحايا حكومة أردوجان التي تقمع حرية الرأي!!-كذا والله-.
ولو أن تلك الأبواق مارست كذبها المفضوح في أعمدة الرأي لكن بعض الشر أهون من بعض، لكنهم لعبوا لعبتهم الوضيعة في صياغة الأخبار ذاتها!!
فلا حكومة أنقرا هي التي أقدمت على اعتقال الصحافيين المأجورين الذين خانوا شرف الكلمة وأمانة المهنة، ولا جاءهم زوار فجر من جهاز استخبارات سرّاً، وإنما جرى الأمر علانية أمام عدسات التلفزة والصحافة، وتنفيذاً لقرار قضائي، اتخذته محكمة مختصة تحاكمهم على الملأ، وسمحت لهم بتوكيل محامين يدافعون عنهم!!
فأين هو الرأي الذي تبطش به حكومة العدالة والتنمية؟وهل قيام الشرطة بتنفيذ توجيهات القضاء يدخل في نطاق قمع الحريات؟ أليس هذا المنطق الغوغائي يزري بِحَمَلَته الذين أقاموا مأتماً وعويلاً، من دون وجود جنازة ولا ميت؟
لسنا بذلك ننفي وجود صحافيين شرفاء في وسائل الإعلام الغربية الكبرى، لكنهم قلة يسيرة العدد، ويجري حصارها والتضييق عليها، ومن شك في ذلك فليسأل المفكر الأمريكي-اليهودي-نعوم تشومسكي والصحافي البريطاني روبرت فيسك وعميدة مراسلي البيت الأبيض السابقة.
هيلين توماس التي عزلوها وأهانوها لمجرد إبدائها رأيها الشخصي ضد الغزو الصهيوني لفلسطين!! فلم يتحمل أدعياء حرية الفكر والتعبير منها أن تطالب الغزاة اليهود بالعودة إلى ديارهم التي جاؤوا منها وترك فلسطين لشعبها!!
وأظهرت توماس شجاعة نادرة في الغرب خلال مقابلة أجرتها معها مؤخراً محطة "سي إن إن" الإخبارية، لجعلها تبدي ندمها على تصريحاتها الجريئة فتحظى بصفح الصهاينة والصليبيين الجدد عنها!!
وكانت توماس التي تتجاوز التسعين من العمر فقدت وظيفتها كمراسلة البيت الأبيض وتعرضت لضغوط وانتقادات مكثفة على خلفية تصريحاتها تلك.
ورداً على "حساسية" التصريحات التي أدلت بها توماس وأمام إصرار المذيعة التي حاورتْها على أن هذه التصريحات كانت غاية في الحساسية بالنسبة لليهود "ضحايا المحرقة"، قالت توماس: إنها أيضاً حساسة تجاه الفلسطينيين الذين يتم إيقاظهم بغلظة من نومهم في الساعة الثالثة فجراً لطردهم من بيوتهم، وأنها حساسة تجاه ثلاثة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين الذي ما زالوا يعيشون في مخيمات اللجوء.
وشددت هذه الإعلامية الجريئة على أن قضية "المحرقة" لا تعطي اليهود أي حق باحتلال فلسطين والتسبب في طرد آلاف العائلات الفلسطينية من بيوتها وتحويل الملايين من أهلها إلى لاجئين.
وحول مواجهة موجة الانتقادات التي نالت منها بعد تصريحاتها، قالت توماس: هناك لوبي صهيوني منظم وقوي في الولايات المتحدة الأمريكية، وإن حرية التعبير متوفرة، ولكن ليس إذا تعلق الأمر باليهود واحتلالهم لفلسطين.