التمويل الغربي وشراء الفكر في العالم العربي
10 ربيع الثاني 1432
موقع المسلم

صدر حديثاً كتاب "التمويل الغربي وشراء الفكر في العالم العربي" للباحث "الهيثم زعفان" وهو كتاب من القطع الكبير يقع في 156 صفحة، الطبعة الأولى 2011 وقد تولى نشره "المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة". والكتاب عبارة عن دراسة بحثية متعمقة حاولت إلقاء الضوء على ظاهرة التمويل الغربي للمراكز البحثية في العالم العربي بكل ما يرتبط بها من حيثيات سواء على مستوى أهداف التمويل وغايات المانحين، وكذلك نوعيات مؤسسات التمويل الدولية، والاقتراب من حجم حركة التمويل الغربي في العالم العربي، وطبيعة جهات التمويل الغربية، وكذلك اهتمامات وأجندات التمويل الغربي في بعض بلدان العالم العربي؛ مع دراسة حالة بعض المراكز البحثية في العالم العربي والتي تتلقى تمويلاً غربياً؛ وتبيان أثر التمويل الغربي على مواقف الباحثين والمراكز البحثية في أثناء أزمات الأمة، وتوضيح دور التمويل الغربي في صناعة ما يعرف ب"الإسلام المعتدل" وفق الرؤية الأمريكية للاعتدال في العالم العربي، مع محاولة الإشارة إلى المملكة العربية السعودية، ومحاولات تغلغل مؤسسات التمويل الدولية إلى مراكزها البحثية وبعض مفكريها وباحثيها.

 

اعتمدت هذه الدراسة على وثائق المؤسسات التمويلية الدولية ذاتها والتي توضح فيها: حجم التمويلات، وطبيعة المشروعات البحثية، والجهات المحلية التي تتلقى التمويل الغربي نظير إتمامها للمشروعات الغربية، وعليه تم الرصد الممتد للمشروعات البحثية الممولة غربياً والتي يتم تنفيذها على أرض الواقع في المنطقة العربية، وقد حاولت الدراسة في الختام تقديم جملة من التوصيات والمقترحات بها يمكن مجابهة ظاهرة شراء الفكر في العالم العربي.

 

وقد استعرضت الدراسة أسماء 30 مؤسسة دولية يأتي من خلالها التمويل الغربي إلى العالم العربي، ثم قامت بالتحدث تفصيلياً عن بعضها فعلى سبيل المثال كشفت الدراسة عن أن هناك مشروعات بحثية وفكرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تركز على القيام بدراسات استكشافية عن القوات المسلحة، وأجهزة المخابرات في العالم العربي. وقد ضربت الدراسة الكثير من الأمثلة الموثقة لمثل هذه المشروعات البحثية الأممية شديدة الحساسية والخطورة على الأمن القومي العربي، وعلى ذلك نبهت الدراسة إلى خطورة الدور الذي تلعبه برامج الأمم المتحدة في المنطقة تحت ستار الأعمال "البيضاء".

 

كما كشفت الدراسة وبالوثائق الغربية ذاتها الدور الاستخباراتي لمؤسسة فورد الأمريكية التي تعد من أنشط المؤسسات التمويلية الدولية التي تدعم الباحثين والمراكز البحثية والفكرية في العالم العربي. ونبهت الدراسة إلى خطورة مركز جنيف للرقابة على القوات المسلحة وهو مركز بحثي دولي له مشروعات بحثية مشتركة في العالم العربي شديدة الحساسية والخطورة على الأمن القومي العربي، وهو إما يقوم بتمويل تلك الأبحاث بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة عن طريق دعم المؤسسات الدولية للمشروعات البحثية في المنطقة العربية لصالحه كبرنامج الأمم المتحدة الذي سبقت الإشارة إليه من قبل.

 

وعن جغرافيا التمويل الغربي في العالم العربي بينت الدراسة أن التمويل الغربي في العالم العربي لا يقتصر على دولة بعينها، بل إنه يمتد ليغطي  الدول العربية كافة، وفي سائر الأنشطة، وبعد مراجعة الدراسة للتقارير السنوية والنشرات التعريفية والمواقع الالكترونية لبعض المراكز البحثية في العالم العربي، تمكنت الدراسة من تحديد وتوصيف بعض المراكز البحثية والمنظمات المدنية العربية الممولة غربياً والتي من أنشطتها الأبحاث والدراسات والأنشطة الثقافية والفكرية كالندوات، المؤتمرات، وورش العمل التي تستقطب فيها الكتاب والأدباء والمفكرين والخبراء العرب في كافة القطاعات الحيوية، مع تناول المراكز المحددة بشيء من التفصيل.

 

وقد أوجزت الدراسة التوجهات الغربية لشراء الفكر في العالم العربي في الآتي:

1- قضايا الأمن القومي وجمع المعلومات الإستراتيجية

حيث لمست الدراسة من خلال العديد من المشروعات والنشاطات البحثية الممولة غربياً، تركيز المشروعات على فئات خاصة في مؤسسات الدول العربية، يشكل الوصول إليها بصورة مباشرة صعوبة شديدة، وعلى ذلك قدمت الدراسة جملة من المشروعات المرتبطة بالأمن القومي والقوات المسلحة والشرطة ورجال القضاء، فضلاً عن المشروعات الميدانية التي تعتمد على جمع أكبر قدر من المعلومات الإحصائية عن المجتمعات العربية من خلال استمارات استقصائية تتضمن تساؤلات تمثل إشكاليات يصعب على صناع القرار في أوربا وأمريكا استيعاب تفسيراتها بدون الحصول على معلومات بصددها من أرض الواقع، وقد تعرضت الدراسة في هذا المجال للعديد من المشروعات البحثية شديدة الحساسية والمتعلقة بآليات صناعة سياسات الأمن القومي في العالم العربي، والتسليح وشراء الأسلحة وآليات الرقابة على عمليات التسلح وعلى ميزانيات وعمل القوات المسلحة بالدول العربية، فضلاً عن جملة من الدراسات الموسعة عن رجال القضاء والنيابات العامة والبرلمانيين ورجال الشرطة.

 

2- محاولات الاقتراب من دوائر صنع القرار والسياسات.

لاحظت الدراسة محاولة اقتراب مؤسسات التمويل الدولية بقدر الإمكان من دوائر صنع القرار في الوزارات المختلفة بالدول العربية، حيث تدخل من باب الدعم البحثي لصانعي السياسات والقرارات، وفي ضوء ذلك يقدم الدعم لإنشاء وحدات بحثية بالوزارات، أو تمويل مشروعات بحثية تحقق  الهدف ذاته، ومن ثم تحاول المؤسسات الدولية من خلال التمويل الغربي ومشروعاتها البحثية التأثير في مصدر المعلومة التي يبني عليها صانعُ القرار قرارَه، ومن ثم يتحقق للممول على المدى البعيد التأثير في القرار ذاته لمؤسسات الدولة.

 

3- قضايا المرأة والنسوية

أوضحت الدراسة من خلال تحليلها للمشروعات المتعلقة بقضايا المرأة والنسوية أن تغريب المرأة المسلمة يشكل عنصراً مهماً لدى مؤسسات التمويل الدولية، وفي ضوء ذلك يتم طرح أكبر قدر من المشروعات البحثية التي تحاول فهم المرأة المسلمة من كافة النواحي حتى أشد التفاصيل الحرجة خصوصية، بالإضافة إلى دعم كل المشروعات البحثية التي من شأنها تغريب المرأة المسلمة ووضعها في إطار عولمي ليبرالي، يجردها من أية ضوابط عقدية أو مجتمعية.

 

4- الدين الإسلامي ومحاولات التلاعب في الثوابت

كشفت الدراسة عن أن المؤسسات التمويلية الغربية تدخل للمجتمعات الإسلامية من زاوية أن الإشكال ليس في الإسلام، ولكنه في فهم المسلمين للإسلام والنصوص الشرعية، ومن ثم تتم الدعوة لإعادة قراءة الإسلام وفق النظرة الغربية الليبرالية، وبالتالي يحدث التلاعب في الثوابت الشرعية، من خلال المشروعات البحثية المحققة لهذا الهدف، بالإضافة إلى طرح المشروعات والمبادرات التي تبشر بالليبرالية والمدنية في مواجهة كل ما هو ديني في المجتمعات العربية. وعلى ذلك أوضحت الدراسة أن المشروعات البحثية والتدريبية للخارجية الأمريكية في العالم العربي تسعى لاستثمار كافة وسائل الاتصال المتاحة سواء في التعليم أو الإعلام أو الملتقيات التدريبية والفعاليات المجتمعية، وكل ذلك تحت إشراف مراكز بحثية محلية توثق وتصوب مسار عملية نشر القيم الليبرالية والمدنية الأمريكية في المجتمعات العربية مع صناعة ما يعرف بالإسلام المعتدل وفق الرؤية الأمريكية للاعتدال.

 

5- مؤسسات التمويل وبرامج الزيارات البحثية التطبيعية

أوضحت الدراسة أن مؤسسات التمويل الدولية تقوم بتنظيم زيارات متبادلة بين الباحثين في الشرق والغرب، وهذه الزيارات تسمح للغرب بالاحتكاك المباشر بالباحثين العرب والتعرف على أنماط تفكيرهم، وقراءة رؤيتهم للأحداث والظواهر المتعددة التي يهتم بها الغرب، وقد لاحظت الدراسة على بعض مشروعات مؤسسات التمويل الدولية في العالم العربي حرصها على ترتيب زيارات متبادلة بين الباحثين العرب وممثلي المؤسسات والمنظمات العربية إلى تل أبيب وطهران، وذلك في إطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي ذات الوقت القفز فوق الضلالات الشيعية ومحاولة فرض الاندماج والتطبيع الكلي بين السنة والشيعة، وقد ضربت الدراسة أمثلة موثقة لمثل هذه الزيارات المغرضة.

 

واختتمت الدراسة بجملة من التوصيات والمقترحات منها:

1. العمل على ترجمة الأعمال البحثية والدراسات الغربية التي تكشف مفاسد مؤسسات التمويل الدولية وسقطاتها وسوءاتها، وعلاقاتها بأجهزة المخابرات الدولية، والعمل على توفير هذه الترجمات في سلاسل صغيرة يسهل تداولها والاهتمام بها.

 

2.  توثيق شهادات الباحثين والمفكرين والإعلاميين الرافضين للتمويل الغربي وكانت لهم تقاطعات مع مؤسسات التمويل والمراكز والمنابر الفكرية والإعلامية المتعاطية مع التمويل، ومحاولات التوثيق هذه يمكن إتمامها من خلال تنظيم لقاءات لهؤلاء الخبراء أو إجراء حوارات ومقابلات شخصية مباشرة معهم.

 

3. السعي لعمل وقفية إسلامية تكون بمثابة مظلة تمويلية للمراكز البحثية والفكرية الحاملة لهموم الأمة وأزماتها ومشكلاتها ومشروعاتها النهضوية، ومن خلال هذه الوقفية يمكن تحصين الباحثين والمفكرين والإعلاميين المسلمين الأكفاء من الوقوع في براثن التمويل الغربي وقبضة المؤسسات التمويلية ومشروعاتها التغريبية والاستخباراتية.