10 محرم 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد أنا شاب -أعزب- ولله الحمد يبدو من ظاهري الالتزام، وأمشى مع صحبة أخيار أحسبهم كذلك والله حسيبهم، ولكني أعاني من ميلي للنساء، والتي حاولت حلها ولم أستطع، وقد أثر ذلك على دراستي كثيراً، وقد تكلمت مع الوالدة مراراً، وقد أخبرني أخي الذي يكبرني بعام أنه كلم والدي ولم يوافق؛ فماذا أفعل وخصوصا أني أقع في الحرام بين فترة وأخرى وأرجو الزواج ولكن لا أستطيع، فما الحل في هذا الزمن الذي أصبح فيه غض البصر أمر شبه مستحيل. جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
وبعد أخي الكريم:
جزاك الله كل خير على ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسأله سبحانه أن يجري الحق على ألسنتنا وأن يثبتنا وإياك على الصراط المستقيم.
أخي الكريم:
فبداية القول أقتطف من كلامك وأذكرك بعدة نقاط: ما من شاب صحيح غير متزوج إلا ولديه تلك الشهوة الكامنة التي خلقها الله فيه وأودعها داخله لتستقيم الحياة وتعمر الأرض، فالمشكلة ليست في الشهوة ذاتها ولا في إلحاحها على الشاب ولكن المشكلة تكمن في عدم تصريفها في الوجه الصحيح لها، وإن الأزمة كل الأزمة حينما تغلق سبل الحلال أو تتعسر طرقه في حين تتيسر السبل والدواعي لكافة الطرق الغير جائزة وتكثر الفتن وتحيط بالإنسان، فالإنسان لا يعيش في الحياة بمفرده وحوله من المغريات ما يزيد تلك الشهوة اضطراما كل يوم بل كل لحظة في كل موطن ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- إن هذه الحاجة حاجة إنسانية تستوي مع الحاجة للطعام والشراب والنوم والأمن، وربما يفوق الاحتياج إليها الكثير من الاحتياجات ويُقدم على الكثير من المغريات، وليس في وجودها أدنى انتقاص لك ولا لغيرك، بل يعتبر وجودها من الكمال البشري الذي جعله الله لأنبيائه عليهم جميعا الصلاة والسلام، ولو كان فيها بعض المنقصة لصرفها الله عن صفوة خلقه، فقال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}..
- وتكمن المشكلة وتأتي الأزمة عند عدم تصريفها في المحل الذي شرعه الله وعندما تكثر الحاجة إليها في ظل عدم وجود سبيل شرعي لتصريفها، فتصريفها كما تعلم في محله الشرعي باب من أبواب الطاعات، وتصريفها في غير محلها باب من أبواب الذنوب والآثام كما أخبرنا وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا أَهْلَهُ فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ" - وفي وجودها - كغيرها من الشهوات التي يجعلها الله في أنفس عباده – حكمة عظيمة فمنها إعمار الكون وإنجاب الولد وحمل الأمانات وفيها حكمة أخرى وهي تحقيق معنى الابتلاء للخلق فيركب الله فينا الشهوات ثم يأمرنا بأوامر وينهانا عن نواه ليظهر من يطيعه ممن يعصيه، وليظهر من يتمسك بحبل الله ومن يفرط في جنابه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" وهكذا ليختار الإنسان طريقه للسير إلى ربه والالتزام بأوامره أو يختار الطريق الآخر بالابتعاد عنه والسير وفق أهوائه ورغباته.
- ومن العجب أن هذه الشهوة لا تصرف ولا يُستمتع بها ولا تهدأ النفس منها إلا بتصريفها في حلال، وأن أي تصريف لها في حرام لا يزيدها إلا اشتعالا كنار عظيمة كلما ألقمها الإنسان حطبا كما تطلب كلما ازدادت سعارا وصراخا وشدة، والشيء الوحيد القادر على إسكانها وإسكاتها وتهدئتها هو تصريفها في رضا الله سبحانه، ولعلك تتعجب أخي الكريم حينما ترى هذه الشهوة مستعرة في بلاد لا تعرف لها ضابطا ولا تقيدها بقيد، وربما تفننوا فيها وجربوا كل ممنوع ومنكر فيها ولا تزيدهم تلك الحلول إلا اشتعالا واستعارا لها ويظل كل من يردها ويكثر من الورود أشد شغفا بها وتعلقا كشارب الماء المالح كلما شرب منه أكثر كلما ازداد عطشه ولا يرتوي أبدا، وربما يصل معظمهم إلى محاولة الانتحار لعدم الراحة.
- لا حل لتصريف هذه الشهوة إلا بالزواج، فهذا الحل هو الوحيد القادر على معالجتها والانصراف إلى غيرها من مطالب الحياة، أما عند عدمه تظل تلك الشهوة هي المؤثر الأقوى في حياة الإنسان، وقد نصح الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب بالزواج وجعله من سنته التي لا يرغب عنها مؤمن فقال للثلاثة الذين سألوا عن عبادته وقرر احدهم ألا يتزوج طاعة لله، ففي الحديث المتفق عليه الذي رواه الصحابي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا!! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
- والزواج في هذه الأيام – وقد عمت به البلوى - قد يحتاج لبعض الإعداد المادي أو النفسي، فلا يستطيع الشاب أن يتزوج لظروف كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وللأهل بعض الحق في ذلك إذ يقتصر مفهوم بعض الشباب عن الزواج أنه وسيلة فقط للاستمتاع المادي وقضاء الشهوة ولا يدركون أنه مسئولية كبرى تحتاج إلى استعداد نفسي لبذل الجهد لتحمل مسئولية إقامة لبنة جديدة تضاف إلى لبنات المجتمع وإضافة أسرة جديدة له، ولك أن تتعجب حينما تدرك أن السنة الأولى من زواج الشباب الصغير هي أعلى السنوات في معدلات الطلاق وذلك لعدم تحملهم مسئوليته.
- ويجب عليك التماس العذر لوالدك الذي ربما لا يجد القدرة المادية أو يرى فيك صغر سن على تحمل مسئولية الزواج أو لاعتبارات أخرى يراها فهو الأكبر والأعلم والأكثر خبرة ببواطن الأمور ويجب عليك طاعته مع اجتهادك في تحصيلك العلمي إن كنت طالبا أو في حياتك العملية إن كنت قد بدأتها لكي تقرب أمد انتظار زواجك.
- لابد عليك من إكثار الصوم فإنه لك وجاء وحماية، ودرب نفسك على غض البصر وصاحب صحبة خير وأكثر الجلوس في انتظار الصلاة، ولابد لك من إشغال وقت فراغك بشئ نافع يملا عليك وقتك وذهنك وتفكيرك فلا تترك نفسك فريسة للفراغ الذي لا يأتي من ورائه أي خير، فحاول عمل جدول لاهتماماتك وأشغل نفسك كثيرا بالمزيد منها فالنفس لابد وأن تُشغل فإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وكن صاحب قضية تشغل بالك وتجتهد في التفكير فيها لصرف تلك الضواغط عليك، ولن أنصحك بشيئ من القضايا فأنت أعلم بما يمكن أن يشغلك بحسب هواياتك وأفكارك وتطلعاتك، وحاول أن توجد لك مكانا تحت الشمس فالرغبة الجنسية إن تحكمت فيك وصارت كل حياتك فلن تجني من ورائها خيرا، ولن تتقدم في حياتك العملية خطوة واحدة.
- وأخيرا اعلم أنه ما من شيئ صائر في حياة الإنسان إلا بإذن من الله فالتمس منه العون وأحسن به الصلة وأكثر له الدعاء والإنابة واعلم أن ما أعده الله لآخر مؤمن يدخل الجنة سيمنحه ربه مقدار عشرة أضعاف من ملك ملك من ملوك الدنيا.
وفقك الله أخي الكريم إلى ما يحبه ويرضاه.