رغم القبضة الحديدية.. سوريا لن تعود للوراء
21 ربيع الثاني 1432
رضا عبدالودود

إصرار النظام السوري على السير في نفس طريق النظم الساقطة في مصر وتونس يؤشر على اقتراب تغيير معتبر في سوريا ، رغم التكهنات بضعف تجربة المعارضة السورية التي تتواجه بالنظام الأكثر استبدادا عربيا وعالميا..

ففيما تقلل المراكز البحثية العالمية من قدرة التظاهرات التي تشهدها مدن سورية في إحداث نقلة نوعية في النظام السوري، أو تغيير وجه النظام ...تتوسع التظاهرات الشعبية -القليلة في عدد المشاركين نسبيا مقارنة مع ما تشهده اليمن أو ليبيا ومن قبل مصر وتونس- بصورة متسارعة بفعل الدماء التي أزهقتها قوات الأمن السورية في داخل المساجد وبالأسواق، بعدما تفاجأت بشجاعة نوعية من الشعب الأعزل الذي ظنت أجهزة المخابرات أنه لن يتجرأ على فعلته بفعل عقود من القهر والقسر البشع..

 

انطلاقة الثورة من دمشق ثم تغيير مسارها إلى المناطق البعيدة عن العاصمة في محافظة درعا، لا يمكن ان يقلل من جذوة الثورة التي بدأت ولن تتوقف، كما فعلت الثورة التونسية التي انطلقت بعيدا عن العاصمة وغيرت وجه تونس. ففي ظل حالة الانسداد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يطال جميع المناطق السورية لن تستثني أحد بدليل انتقالها إلى شوارع بانياس وحمص ودير الزو والمزة وعودة التظاهرات بقوة إلى دمشق تضامنا مع شهداء درعا، حيث تلقى دعما من قيادات القبائل..وتبقى بقية المناطق مرشحة للانضمام إلى الاحتجاجات الشعبية في ظل العدالة السورية في توزيع المظالم والمحسوبية والفساد.

 

ارتباك في تعاطي النظام مع الحدث
وعلى نفس النهج الخاطئ يسير النظام السياسي السوري في معالجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والاصلاحات السياسية والاقتصادية، التي قابلها النظام بقوة مفرطة أوقعت الشهداء والجرحى ( حتى مساء الخميس نحو 200 شهيد وآلاف الجرحى والجثث غير المعلوم مكانها في ظل تعتيم إعلامي منقطع النظير) ، مما رفع مطالب المتظاهرين من إسقاط الفساد وإصلاح النظام إلى إسقاط النظام, وإلغاء قانون الطوارئ المطبق في البلاد منذ مارس عام 1963, وإطلاق الحريات العامة, والتوقف عن ملاحقة الناس بسبب آرائهم السياسية وانتماءاتهم, وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية, ومكافحة الفساد بشكل فعلي وجاد.

 

 
وكعادة النظم العربية التي سقطت تصدرت الاتهامات بالعمالة والخيانة والتبعية لجهات معادية تحركهم (إسرائيل – جهات غربية) المعالجة الاعلامية من قبل النظام السوري، الذي ظن لوقت طويل أن سوريا محصنة ضد الاحتجاجات الشعبية ، اعتمادا على اصلاحات لم يشعر بها الشعب اساسا بفعل ثلة رجالات الأعمال الموالية للنظام التي ابتلعت ثروات الشعب كرامي مخلوف –القريب من دوائر السلطة- الذي تتهمه المعارضة السورية بنهب أموال الشعب.
ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية وبدء العمليات القتالية للحلف الدولي ضد نظام القذافي حليف لنظام الأسد، لجأ النظام السوري لممارسة ضغوط مكثفة لخفض مطالب المحتجين، من خلال حشرهم في دائرة ضيقة وتصوير احتجاجاتهم بالطائفية لارتباطها بالمناطق السنية وفقط.

 

ثم لجأ بعد ذلك إلى المزاوجة في تعاطيه مع الاحتجاجات بين التصريحات الاعلامية التي تدعي اصدار أوامر بعدم اطلاق الرصاص أو استخدام السلاح ضد المتظاهرين، فيما يسقط القتلى والجرحى في المساجد وحتى اثناء تشييع الجنائز من خلال عناصر أمنية بلباس مدني وبعض القتلة المأجورين – الذين استجلبهم النظام من لبنان وتقدر المعارضة أعدادهم بنحو 3000 من عناصر حزب الله اللبناني – كما يمارس ضغوط سياسية واجتماعية على زعماء العشائر والقبائل السنية للتصالح في درعا واطلاق سراح بعض المعتقلين من أبناء المدارس الذين كتبوا شعارات مناهضة للنظام على جدران المدارس.
واستكمالا لنهج النظم المستبدة التي لا تأخذ مطالب شعوبها بجدية إلا وقت الأزمات أعلنت مستشارة الرئيس السوري مساء الخميس أن الرئيس قرر زيادة مرتبات الموظفين وخلق فرص عمل للعاطلين واطلاق الحريات الاعلامية والصحافية... وعلى الفور جاء التطبيق العكسي لتلك القرارات بمنع أطقم القنوات الفضائية العربية والأجنبية من تغطية تظاهرة الكرامة في درعا يوم الجمعة 25 مارس !!
إلا أن كل ذلك لم يعد كافيا لشعب عاش نحو نصف قرن تحت ضغط قانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية بذرائع سمجة أحيانا بشعار مقاومة العدوان الصهيوني في وقت شهد الكيان نفسه بسلمية نظام الأسد في الجولان التي لم تطلق رصاصة واحدة في الجولان....وقد أثبتت التجارب أن الخطوات التي تتخذها الحكومات المضطربة وهي تحت ضغط المظاهرات تكون عادة متأخرة وقليلة الأثر. 

 

 

موازين القوى بين النظام والشعب
يعتمد النظام السوري على أوراق سياسية متنوعة في تعاطيه مع احتجاجات الشعب ، يسوق من خلالها مبررات لتسويق سياساته الضاغطة بشكل عام ولمواجهة استحقاقات سياسية شعبية ...منها؛ استمرار فتح ملف الصراع مع اسرائيل حول الجولان، تأزم الأوضاع اللبنانية والدور التاريخي السوري، دعم حركات المقاومة الإسلامية، الأزمة الكردية....
ولكن على ما يبدو أن كل تلك الأدوات التسويقية لم تعد تقنع الشعب السوري، في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية. فالذين قادوا الاحتجاجات في الشارع السوري من فئة الشباب لم يعايشوا توحش القبضة الأمنية التي تخيف من عاشوا مجازر النظام السوري في منتصف الثمانينيات وإبادة نحو 40 ألف بالطيران في مجزرة حماة.

 

كما أن الفقر والعوز الاقتصادي والبطالة التي تضرب الشعب السوري طالت جميع الفئات والطوائف علاوة على التهميش السياسي والاقتصادي التي تكابده الأغلبية السنية بجانب الفساد الإداري.

ولا يمكن تجاوز أحداث المنطقة العربية والثورات الشعبية التي حتما ستصل مآلاتها سوريا، حتى وان كانت التركيبة الطائفية للنظام السوري أو أن النظام الحاكم هو نظام الطائفة العلوية، حيث تشي تفاصيل الواقع إلى أن أبناء الطائفة العلوية تضرروا أيضا بسياسات نظام الأسد الأب والابن، والتاريخ السوري يؤكد أن الطائفة العلوية ليست موحدة بل إن تبوء الرئيس بشار الأسد الرئاسة خلفا لوالده قوبل بالرفض والممانعة حتى من قبل عمه رفعت الأسد الذي اضطر إلى المغادرة والمعارضة من الخارج، كما أن هناك تيارات سياسية مختلفة في الطائفة العلوية واختلافات حول هذا النظام.

 

ومن تلك الاختلافات الحادة سكوت اللواء صلاح جديد -الذي كان الرقم الرئيسي في معادلة الحكم والحزب بعد حركة 23 فبراير (شباط) عام 1966 إلى حين انقلاب حافظ الأسد عليه وعلى الحزب في عام 1970 - على اغتيال شقيقه غسان جديد الذي كان قوميا سوريا، والذي اعتبر المسؤول عن اغتيال الضابط البعثي الصاعد عدنان المالكي، الذي - بعد اغتيال هذا الضابط - أقام له رفاقه تمثالا لا يزال منتصبا في قلب دمشق، اضطر إلى الفرار إلى بيروت؛ حيث اغتيل هناك على أيدي مجموعة بعثية من رفاق شقيقه صلاح، الذي توفي في سجن المزة بعد «الحركة التصحيحية» التي قادها حافظ الأسد وبعد أن قضى في هذا السجن أكثر من ربع قرن.
وكما يقول الكاتب الأردني صالح القلاب بالشرق الأوسط : "لا يمكن النظر إلى موجة «تسونامي» السياسية هذه التي بدأت تغشى سورية من زاوية أن هناك طائفة علوية متماسكة تحرس النظام؛ فهذه الطائفة جزء من الشعب السوري وقد لحقها في عهد هذا النظام ما لحق هذا الشعب من خير ومن شر، والدليل هو أن الضابط المميز محمد عمران، الذي كان أحد أركانها الأساسيين، قد تم اغتياله في طرابلس في الشمال اللبناني في بدايات سبعينات القرن الماضي من قبل مجموعة فلسطينية محسوبة على دمشق، وأن القائد البعثي الطليعي الدكتور إبراهيم ماخوس لا يزال يعيش لاجئا ومنفيا في الجزائر منذ عام 1970 وأن آخر ضحايا هذا النظام من أبناء هذه الطائفة، حسب بعض الأوساط، هو الجنرال غازي كنعان الذي كان المندوب السامي السوري في لبنان لسنوات طويلة".

 

سياسة التعتيم الإعلامي
ويعتمد النظام السوري بدرجة كبيرة على سياسة التعتيم الإعلامي، ومنع وسائل الاعلام المحلية والعالمية من تغطية الاحداث التي لا ترضى عن نقلها، ولجأ التلفزيون الرسمي لبث مواد تلفزيونية على قنواته الرسمية تظهر اكتشاف الأجهزة الأمنية أسلحة وقنابل وأموال بالمسجد العمري في صورة ممجوجة لتشوية صورة الشباب المتظاهرين.
وأدت حالة التعتيم الإعلامي التي فرضتها السلطات السورية إلى ضعف تغطية القنوات العربية للاضطرابات التي وقعت في سوريا، مقارنة بتغطيتها لأحداث مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن, بجانب اعتقال عدد من الصحفيين والإعلاميين، مما أدى إلى نقص المعلومات التي تصل من سوريا، حيث بدا واضحًا أن معظم المواد الإخبارية التي تصل من هناك، مصدرها وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أو مقاطع فيديو يقوم المتظاهرون بنشرها على اليوتيوب، أو معلومات عبر فيسبوك، أو شهود عيان من داخل سوريا.

 

وعلى سبيل المثال اعتمدت تغطية قناة "بي بي سي، والعربية، وفرانس 24" لأحداث سوريا، على روايات شهود عيان وحقوقيين سوريين، وأيضًا مقاطع فيديو لأحداث التظاهرات، وصفحات الفيسبوك والتويتر، ووضع شريط أخبار لما يرد من وكالات الأنباء، كما قامت هذه القنوات الإخبارية بنقل المقابلات الصحفية مع المسؤولين السوريين التي تقدمها القناة الفضائية السورية الرسمية، كما لوحظ عدم وجود أي مراسلين صحفيين للقنوات الإخبارية الشهيرة داخل دمشق، أو في أي محافظات سورية، وهو ما يفسر اكتفاء قناة الجزيرة بشريط أخبار من وكالات الأنباء، ولم تقدم أي تغطية موسعة للأحداث.
ويبقى الإعلام البديل ضامنا أساسيا لثورة الشباب السوري ، وتلعب مواقع يوتيوب وتويتر وفيسبوك وغيرها دورا هاما في كشف ممارسات القمع للعالم.

 

المعارضة من الصالونات إلى الشارع
ومن خلال قراءة الواقع السوري وتجليات التفاعل الشعبي يبقى الدور المرتقب للمعارضة السياسية في الداخل والخارج عاملا أساسيا في حسم خيارات الشارع السوري الذي لن يقدر على انجاز مسار الثورة الشعبية حتى النهاية.
ومن ضمن تلك القوى المعارضة في المنفى والتي يراهن عليها الشارع؛ جماعة الإخوان المسلمين وهي وأقوى الفصائل السورية المعارضة في الخارج، وتتواجد في عدة دول عربية، وفي أوربا وأمريكا وكندا، وتتواصل عبر الشبكة الدولية (الإنترنت)، كما تتواصل من خلال لقاءات ومؤتمرات دوريـة، وتتحرك سياسياً وإعلامياً، لإسقاط النظام السوري المستبد، وتغييره بالطرق السلمية، وبأيـد سـورية فقط، دون الاستعانة بالأجنبي...

 

ولعل امتدادات الجماعة بالداخل (دون تنظيم واضح) ستلعب دورا بارزا في المرحلة المقبلة إن حسمت خياراتها ، وقد تقدمت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا خلال ربع القرن الأخير تقدماً كبيراً جداً، واستفادت من تجربتها المرة مع النظام الاستبدادي الأسدي، ووصلت إلى قناعة أعلنتها ومنها: نبـذ الـعنف في العمل السياسي، نهج العمل السياسي والإعلامي للتغيير بالإضافة إلى التربية والتزكية.

 

وبنت الحركة تحالفات واسعة وكثيرة مع الفصائل السورية الأخرى التي تعمل من أجل تغيير النظام السوري، وقد قطعت الجماعة شوطاً بعيداً وناجحاً في هذه التحالفات، وآخرها تحالفها مع عبد الحليم خدام.
ومن ضمن الفصائل الإسلامية التي تمثل رقما معتبرا في الساحة السورية ، بعض الحركات الإسلامية التربوية كثيرة منها جماعة التبليغ، والجماعات السلفية التي تركز السلطة حربها وقمعها عليها الآن بشدة، وتسميهم (جند الشام)... ومنهم الجماعات الصوفية المتعلمة والتي تدعو وتعمل على تهذيب السلوك عند المسلمين...وفي سوريا الآن صحوة إسلامية كبيرة جداً،في اوساط الشباب السوري والفتيات..

 

تلي القوى الإسلامية، الأحزاب الكرديـة وهي كثيرة العدد، جيدة التنظيم والحركة، ويناضلون من أجل رفع الاستبداد والطغيان عليهم خاصة وعلى الشعب السوري عامة، ويتواصلون مع حركة الإخوان المسلمين بشكل جيد، ولهم صـلة بالداخل، ومقدرة على تحريك الشارع السوري في المحافظات الشمالية (الحسكة والقامشلي وما جاورهما)...كما توجد أحزاب أخرى صغيرة العدد، يحركها أفراد ناشطون وأقوياء في أمريكا وأوربا. ومنهما على سبيل المثال، لا الحصر، المجلس الوطني السوري، الذي شكله عدة سوريين يحملون الجنسية الأمريكية، وبعضهم أساتذة في الجامعات الأمريكية مثل الدكتور نجيب الغضبان، وبعضهم من رجال الأعمال مثل حسام الديري.. وغيرهم، ومثل تكتل سوري في كندا يقوده المهندس محمد زهير الخطيب ، وحزب الإصلاح السوري بقيادة فريد نهاد الغادري، وهو رجل أعمال سوري ـ أمريكي، ناشط من أجل تغيير النظام السوري، ويعلن منذ نشأته أنه على صلة قوية بالإدارة الأمريكية الحالية.. وحزب العدالة والتنمية الذي شكل أخيراً من قبل أنس العبده، ولـه مسـحة إسلامية واضحـة..

 

هل تسمح "إسرائيل" والغرب بوصول الثورة في سوريا إلى نهايتها؟!
ورغم المطالبات الحقوقية من المنظمات الغربية بوقف الانتهاكات الحقوقية ضد المتظاهرين في سوريا، إلا أن الأوضاع الاقليمية ستجبر إسرائيل وأمريكا كفاعلين مهمين في المعادلة السورية على عدم وصول الثورة السورية إلى منتهاها، حيث يمثل الأسد ضمانة استقرار لـ"إسرائيل" التي تخشى تغيير النظام في ضوء خريطة القوى السياسية التي ستكون فاعلة في المستقبل ، سواء كانوا اسلاميين أو قوميين. ومما يدلل على ذلك الموقف الأمريكي من النظام السوري حتى في ذروة التوتر الشديد في العلاقات الأمريكية السورية عامي 2004 ، 2005 أوضح الأمريكيون بجلاء أنهم يريدون تغييرا في السلوك السوري وليس النظام السوري.
جانب آخر قد يقف مستقبلا في وجه الحراك الشعبي، وهو أن قرب الجوار الجغرافي لـ"إسرائيل" واستمرار الموقف السوري المناهض لـ"إسرائيل" (اعلاميا) سيجعل من أي تدخل أجنبي في الشأن السوري أمرا مستهجنا وغير مقبول في العالم العربي أو حتى ممارسة الضغوط على النظام أو المطالبة بتغييره.

 

جانب آخر سيتصاعد مستقبلا وربما ستعزف عليه الحكومة السورية إذا اتسعت دائرة السخط وبدأ الزمام يفلت من قبضة الرئيس بشار الأسد، فإن التهديد باحتمالات نشوب انقسامات طائفية داخل سوريا سوف تزداد بدرجة كبيرة . مما يمثل تحديا آخر امام حراك الشعب السوري.

 

هل ما زال الإصلاح ممكنا؟
هذا التساؤل بات مطروحا على الساحة السورية التي تناثرت في أرجائها دعوات بالإصلاح الشامل لتهدئة ثورة الشباب التي بدت في الاتساع في الشارع السوري.
فرغم أن نظام الرئيس بشار أضاع 8 سنوات من إجمالي 11 سنة فترة حكمه في الحديث عن إصلاح لم يتم... حيث افتقد نهج السلطة الإصلاحي منذ البداية إلى النظرة الشمولية، وجاء بالتالي بلا فلسفة محددة، ركز في البداية على الإصلاح الاقتصادي وفشل، لينتقل بعد ذلك للتركيز على الإصلاح الإداري وفشل أيضا ، متجاهلا ضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي. وأكثر من ذلك جاء نخبويا عاكسا وجهة نظر السلطة وليس وجهة نظر المجتمع ممثلا بقواه الحية المجتمعية والاقتصادية والسياسية. وحتى عندما حسم المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث الحاكم خياره الاستراتيجي باتجاه ما يسمى" باقتصاد السوق الاجتماعي" استمر التركيز فقط على الجوانب الاقتصادية والإدارية للإصلاح وتلك الجوانب القريبة منها من الناحية التقنية مثل إصلاح المنظومة التشريعية والقانونية، وتم تجاهل الإصلاح السياسي.

 

وتؤكد حالة التردد في إقرار الاصلاحات مؤشرات تقارير التنافسية الدولية، والعربية، بل وفي مؤشرات التقرير السوري للتنافسية حيث تراجعت أغلبية مؤشرات الاقتصاد والمؤسسات والمجتمع، وبقيت سوريا ضمن المجموعة الأخيرة من البلدان التي شملتها هذه التقارير(128 دولة). فحسب تقرير التنافسية العالمي لعام 2007 وتقرير التنافسية العربي لعام 2007 أيضاً تراجعت سورية استنادا إلى أداء الاقتصاد الكلي خلال سنتين فقط ( 2006-2007) من المرتبة 61 إلى المرتبة 98، وتراجعت استنادا إلى مؤشر هدر الأموال العامة من المرتبة 43 إلى المرتبة 114، وتراجعت أيضا استنادا إلى مؤشر الصحة والتعليم من المرتبة44 إلى المرتبة 69. ومن حيث مؤشر قوة أنظمة المحاسبة والرقابة كنا في المرتبة 124 أصبحنا في المرتبة 120 وبالطبع من أصل 128 دولة!!!.

 

ولعل الحديث عن الاصلاحات كمسكنات مرحلية لا يمكن تصديقه أو القبول به طالما بقي الاستبداد السياسي، لأن إصلاح الإنسان لا يكون إلا بإعطائه حريته الذي حرم منها لعقود وأجيال...وسواء نجح النظام في تجاوز الاحتجاجات الشبابية التي أربكت حساباته وهزت أركانه أم فشل فلن تعود عجلة الزمن للوراء في ظل ربيع الديمقراطية الذي دشنه البوعزيزي في تونس....