27 صفر 1433

السؤال

أنا أعاني من أبي.. إنه ليس متعلماً، وأنا مللت منه؛ لأنه يعاقبني على كل شيء حتى لو كان صحيحاً، ولا يثق فيّ، ماذا أفعل؟! أنا أفكر في الهروب من البيت، لكن أين سأذهب؟ أنا حزين جداً لأن أبي لا يعلم أني أصبحت رجلاً يعتمد عليه.. ماذا أفعل حيال هذا الأمر؟

أجاب عنها:
د. علي الدقيشي

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الأخ السائل , جيد أن تنشغل بأمر أسرتك , لكنني أعتب عليك كثيرا وأختلف معك فيما يخص أسلوب رسالتك وأسلوب حديثك عن أبيك , وأحب أن أذكرك بحقيقة مهمة يجب أن تكون على ذكر لها دائماً. وأن تعمل وفق ما تدعو إليه، وهي أن أخلص البشر للإنسان – بعد الله تعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم هما الوالدان يحبان لأولادهما ويخلصان لهم، ويعملون لهم كل ما يسعدهم ويتمنون أن يكونوا أحسن منهما، وفي نفس الوقت لا ينتظران من أولادهما شيئاً إلا أن يطمئنا على أحوالهم وأن يكونوا سعداء، فالوالدان عطاء مستمر مادي ومعنوي ولا ينتظران مقابلاً؛ لذا وصى الله تعالى عباده بالإحسان إليهما والحرص على برهما في حياتهما وبعد مماتهما، بعد الأمر بعبادته سبحانه، وأمر الأولاد بحسن الصحبة لوالدين والصر على ما يصدر منهما مما يسيء، والحذر من الإساءة إليهما ولو بأقل الألفاظ، يقول تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإسراء:23-24]، والرسول صلى الله عليه وسلم حينما سئل هذا السؤال مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أباك.
أخي الكريم ما ذكرته من المواقف من أبيك لعلها من شدة حرص منه في المحافظة عليك، ولكن الطريقة – على حسب ما ذكرت – والأسلوب قد يحتاج إلى التوجه الأفضل منه مع مراعاة الرفق.
ولكن أحب أن أنصحك بتذكر الحقيقة المهمة عن الوالدين تجاه أولادهما – السابقة الذكر – حتى تستعين بها على مجاهدة النفس في بر أبيك بطاعته وتوقيره والإحسان إليه... ولا سيما مراعاة ضعفه في العلم وإدراك الأمور، والتعجل في الأمور وعدم التثبت... ارحم أباك في هذا وغيره وعدّ هذا منقبة له وليس عيباً فيه من جهة أن هذا الإنسان الذي هو بهذه الأوصاف كان سبباً في خروج كامل العقل إلى الدنيا المدرك للأمور الحسن التصرف، فلولاه بعد فضل الله ما كنت شيئاً فهو تعهدّك وربّاك وأعطاك ثمرة شبابه وعافيته ووقته وجهده وماله حتى اكتملت جسداً وعقلاً وعلماً ورجولة فالشكر لله ثم له، بل سوى الله بين شكره وشكر الوالدين لعظم ما قاما به فقال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: من الآية14].
حقيقة أخرى أحب أن تنتبه إليها جيداً وأن تراعيها حق المراعاة في التعامل مع والديك، وهي أن الولد بالنسبة لوالديه مهما كبر فهو ولدهما الأصغر منهما دائماً الذي يحتاج إلى توجيههما وإرشادهما باستمرار، فهذا من باب عناية الوالدين، وليس من باب تصغير الكبير وتجاهله، فالواجب التجاوب مع الوالدين ومراعاة إرضائهما قدر المستطاع، مع عدم مخالفة الصواب.
فعليك بحسن بره وطاعته والاستعانة ومداراته فيما يسبب الخلاف وإياك إياك أن تعتبر ضعف تعلمه نقصاً، يدفعك إلى الانتقاص من حقه، وإني على يقين أنك متى اتقيت الله تعالى في حق ربك بالمحافظة على طاعته بأداء ما أمر المحافظة على الصلوات – تلاوة القرآن – الإكثار من ذكر الله، وفي القيام بالواجبات الأخرى كما ينبغي من عمل أو دراسة وراعيت حقوقها من وقت الذهاب والإياب، واتقيت الله في تحري بر والديك – ولا سيما الوالد – وإرضائه ومراعاة ما يرشدك إليه، وأحسسته بأنك مقدر له، ولما يطلب، ولما يرشد وحريص على القيام بذلك تلاشى كل ما تشتكي منه بإذن الله.
استعن بالدعاء والتضرع إلى الله كثيراً بأن يصلح الله ما بينك وبين أبيك، وأن يحببك إليه، وأن يحبب إليك طاعته وإرضاءه، وأن يعينك على ذلك.
وأرجو الله أن يجعلك مثالاً للشاب الصالح الذي يسعى لنفسه وأسرته والناس أجمعين ويجاهد لتحقيق ذلك ويحتسب الأجر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.